الحمق والحمقى والحق في التحامق!

الدار البيضاء اليوم  -

الحمق والحمقى والحق في التحامق

مشاري الذايدي
بقلم : مشاري الذايدي

في مؤتمر انتخابي، قاطع رجل خطبةَ الرئيس الأميركي جو بايدن، قبل أيام، معترضاً عليه، فما كان من الرئيس بايدن إلا أن طلب من أنصاره والمنظمين عدم الإمساك بالرجل، وتركه يذهب لحال سبيله، مردّداً، عدّة مرّات، كلمة لا لا لا، ثم ختم تعليقه بجملة أعتبرها - أنا - من نوادر القول، التي أتت عفو الخاطر، حين قال: لكل شخص الحق في أن يكون أحمق! لا رغبة لي في الحديث عن الراهن السياسي الغثّ، لكن لفتتني هذه الإشارة اللطيفة للحق في الحمق، فتذكرت بعض اللطائف الرائقة في تراثنا العربي حول الحمق والحمقى، فأحببت إتحافكم بها.

عن الإمام الأوزاعي قال: بلغني أنه قيل لعيسى بن مريم عليه السلام: يا روح الله إنك تحيي الموتى؟ قال: نعم بإذن الله. قيل وتبرئ الأكمه؟ قال: نعم بإذن الله. قيل: فما دواء الحمق؟ قال: هذا الذي أعياني. جاء في كتب التراث العربي أيضاً، حكاية أكثر دلالة على شيوع الحمق، وهي: أوحى الله عز وجل إلى موسى عليه السلام بـ«ألا تغضب على الحمقى فيكثر غمّك». أما الأعمش، وهو من كبار العلماء والمحدّثين القدماء، فقد كان حادّاً في موقفه من الأحمق الكبير: إذا رأيت الشيخ ليس عنده شيء من العلم أحببت أن أصفعه!

قيل لإبراهيم النظام، وهو من مشاهير أئمة المعتزلة: ما حدّ الحمق؟ فقال: سألتني عما ليس له حدّ. قال اللغوي القديم ابن الأعرابي: الحماقة مأخوذة من حمقت السوق إذا كسدت، فكأنه كاسد العقل والرأي فلا يشاور ولا يلتفت إليه في أمر حرب. أيضاً قال ابن الأعرابي: وبها سمّي الرجل أحمق، لأنه لا يميّز كلامه من رعونته!

لكن أكثر جملة مؤلمة وصادقة قيلت عن الحمق والحمقى ما ورد عن شعبة بن الحجّاج، وهو عالم شهير من الصدر الأول للعصور الإسلامية قال: عقولنا قليلة فإذا جلسنا مع من هو أقلّ عقلاً منّا ذهب ذلك القليل، فإني لأرى الرجل يجلس مع من هو أقلّ عقلاً منه فأمقته! ويحمل ديوان الشعر العربي غرراً وحكماً وصوراً فريدة عن «أدب الحمق والحمقى»، بالمناسبة لقد ألّف العالم الحنبلي العباسي ابن الجوزي كتاباً خاصاً بعنوان «أخبار الحمقى والمغفّلين» لكن نعود للشعر. قال الشاعر الوطواط، كارهاً عقله ومادحاً فوائد الحمق:
لقد تعاقَلْتُ دهراً لا أرى فَرَجَا
ومُذْ تحامَقتُ صارَ الناسُ يُدْنُونِي
وقريب منه قال أبو العِجْل:
أيَا عاذلي في الحمقِ دعني من العَذْلِ
فإني رخيُّ البـالِ من كثرةِ الشُّغلِ
فأصبحتُ في الحمقى أميـراً مُؤمَّراً
ومَا أحـدٌ في الناس يمكنُه عزلِي
لكن الشاعر و«الشيخ» أحمد بن مشرّف في أرجوزته الشهيرة له رأي مختلف:
لا تصحبنّ الأحمقا... المائق الشمقمقَا
يضحك من غير سبب... يعجب من غير عجب!
وبعد... فيبدو أنَّ الحمق أصبح سلعة عالمية رائجة، ومربحة ليس في سوق السوشيال ميديا وجموع مشاهير الحمقى، بل حتى في سوق السياسة... أصبح للحمقى حظّ كبير.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحمق والحمقى والحق في التحامق الحمق والحمقى والحق في التحامق



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 09:15 2017 السبت ,23 أيلول / سبتمبر

طائرة أسرع من الصوت أحدث ابتكارات وكالة "ناسا"

GMT 11:56 2021 الثلاثاء ,26 تشرين الأول / أكتوبر

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 05:27 2017 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يدافع عن مور في انتخابات آلاباما رغم لاعتراضات

GMT 10:00 2017 الأحد ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ورشة عمل للمصور العالمي إليا لوكاردي في "إكسبوجر 2017"

GMT 01:32 2017 الأربعاء ,11 كانون الثاني / يناير

إيل فانينغ تطل بفستان مثير باللون الكريمي

GMT 01:53 2016 الخميس ,29 كانون الأول / ديسمبر

عمر عريوات يكشف عن رواج كبير لـ"إيبوكسي" في الجزائر

GMT 09:05 2016 الثلاثاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعليم الصلاة للأطفال مسؤولية الأمهات

GMT 17:35 2015 الأربعاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

زايو "حظيرة" الصراع السياسي لمن يريدون مراكمة الثروات

GMT 03:28 2016 الأربعاء ,28 كانون الأول / ديسمبر

حنان بركاني تحتفل بطرح "خفايا متجلية"

GMT 03:55 2016 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

سيارة الفئة E من "مرسيدس" في معرض ديترويت للسيارات

GMT 20:46 2018 الأربعاء ,29 آب / أغسطس

"أفتو فاز" توضح مواصفات سيارتها " Lada Vesta"

GMT 14:36 2018 الخميس ,26 تموز / يوليو

صدور ترجمة "علم اجتماع المعرفة" لعلي الوردي
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca