أصوات العرب: فرقة الشرطة البلدية

الدار البيضاء اليوم  -

أصوات العرب فرقة الشرطة البلدية

سمير عطا الله
بقلم : سمير عطا الله

إذا كان محمد عبد الوهاب وأم كلثوم قد التقيا وهما في ذروة الشهرة، فإن عاصي الرحباني وفيروز التقيا في بدايتهما، عام 1950. هو ملحن ناشئ، ترك للتو عمله كشرطي بلدية في ضاحية انطلياس، وهي «فتاة كورس» في فرقة الإذاعة اللبنانية. وكان مبنى الإذاعة القديم على مقربة من منزل والد نهاد حداد، عامل المطبعة. وكان في البيت خلق كثير، بنات وصبيان، لكن ماله كان قليلاً، وليس فيه راديو. ولذلك كان على الابنة ذات الصوت الجميل أن تتسمع إلى الغناء من عند الجيران. وتلك كانت عادة شائعة في بيروت تلك الأيام. فمن كان لديه راديو، كان يرفع صوته لسببين: الأول، أنها علامة الوجاهة أمام الجيران، والثاني عكسه، أي تواضعاً ومشاركة للجيران في متعة الطرب.

البنت التي كانت تستمع إلى الإذاعة من راديو الجيران لم تكن تحلم بالعثور على عمل في الغناء. وعاصي الذي تزوج منها بعد فترة، لم يكن يطمح إلى أكثر من وظيفة ملحن. أما شقيقه منصور، الذي كان شرطياً في بلدية بيروت في النهار وعازفاً سرياً في ملاهي الليل، فكان طموحه ألا يضبطه سعادة المفوض وهو يمضي سهرة من سهرات «الخوة» التي تفرش للأفندية.
من تلك الصورة المليئة بؤساً سوف يطل أعظم ثلاثي في تاريخ الفن اللبناني: عبقريان يكتبان أجمل الشعر وأرق الموسيقى، ينضم إليهما، في عبقريات الأقدار، صوت فيروز. والبنت التي كانت تتسمع إلى الأغاني من راديو الجيران، صارت كل شبابيك الدنيا تنفتح لكي يدخل صوتها إلى القلوب.
منذ 1950 إلى اليوم، لم يتكرر شرطيا البلدية في تلك العبقريات المجسّدة، ولا ظهرت في الشرق فيروز أخرى. ملأت حياتهم الخصومة. وبكّر الموت على عاصي، شيخ العطاء والمعلم الكبير. وانفرد منصور إلى نفسه. وظل صوت فيروز «يغني بين النجوم». هي أيضاً تمنى عليها عبد الوهاب أن تغني له فغنت. وغنت لفيلمون وهبي فكان أن فيروز تغني. وغنت لزياد الرحباني فلفّته بشال فيروز.
دعك من الموهبة الأدبية والفنية الخارقة، وسبحان مانح المواهب ومقسمها. القاسم الآخر بين الثلاثة، كان الذكاء. وهو خارق عند فيروز. ومن رآها تستقبل إيمانويل ماكرون في منزلها محتمية من خطر كورونا بشال أبيض شفاف مطرز، ومن رآها تمنح رئيس فرنسا تلك الابتسامة المليئة مكراً وعزاً ومجداً، غنى لها في قلبه، «شايف البحر شو كبير/ كبر البحر بحبك».
سطعت فيروز بالراديو أكثر من ألف تلفزيون. ولمعت أكثر من ألف ضوء. وأعطت ملايين الناس فرحاً من أثيرها.
إلى اللقاء...

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أصوات العرب فرقة الشرطة البلدية أصوات العرب فرقة الشرطة البلدية



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 09:15 2017 السبت ,23 أيلول / سبتمبر

طائرة أسرع من الصوت أحدث ابتكارات وكالة "ناسا"

GMT 11:56 2021 الثلاثاء ,26 تشرين الأول / أكتوبر

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 05:27 2017 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يدافع عن مور في انتخابات آلاباما رغم لاعتراضات

GMT 10:00 2017 الأحد ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ورشة عمل للمصور العالمي إليا لوكاردي في "إكسبوجر 2017"

GMT 01:32 2017 الأربعاء ,11 كانون الثاني / يناير

إيل فانينغ تطل بفستان مثير باللون الكريمي

GMT 01:53 2016 الخميس ,29 كانون الأول / ديسمبر

عمر عريوات يكشف عن رواج كبير لـ"إيبوكسي" في الجزائر

GMT 09:05 2016 الثلاثاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعليم الصلاة للأطفال مسؤولية الأمهات

GMT 17:35 2015 الأربعاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

زايو "حظيرة" الصراع السياسي لمن يريدون مراكمة الثروات

GMT 03:28 2016 الأربعاء ,28 كانون الأول / ديسمبر

حنان بركاني تحتفل بطرح "خفايا متجلية"

GMT 03:55 2016 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

سيارة الفئة E من "مرسيدس" في معرض ديترويت للسيارات

GMT 20:46 2018 الأربعاء ,29 آب / أغسطس

"أفتو فاز" توضح مواصفات سيارتها " Lada Vesta"

GMT 14:36 2018 الخميس ,26 تموز / يوليو

صدور ترجمة "علم اجتماع المعرفة" لعلي الوردي
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca