بيروت ـ بغداد... سهولة التكليف وصعوبة التشكيل

الدار البيضاء اليوم  -

بيروت ـ بغداد سهولة التكليف وصعوبة التشكيل

بقلم - مصطفى فحص

من بيروت إلى بغداد تضع طهران مزيداً من العقد في دواليب التأليف أو استكماله؛ عقدٍ لم تعد تستهدف تفجير التشكيلة الحكومية فقط؛ بل من الممكن أن يصل عصفها إلى العملية السياسية برمتها، وقد يصل ارتدادها في لحظة حرجة إلى شكل النظام في كلتا العاصمتين، حيث يترنح ما تبقى من الدولة في بغداد وبيروت تحت ضربات سياسية وخضّات أمنية لقوى مستقوية بطهران، تصرّ على معادلة «فرض المرفوض».

ولكن رغم الضغوط التي تمارسها هذه القوى المحلية، فإنها لم تفلح في إقناع شركائها في العملية السياسية بالموافقة على مرشحها لحقيبة الداخلية العراقية السيد فالح الفياض، كما أنها لم تتمكن في بيروت من إلزام الأطراف الأخرى بتمثيل نواب «8 آذار» السنّة ضمن التشكيلة الحكومية المرتقبة، مما بات يهدد الاستقرار السياسي والأمني في البلدين؛ حيث تصاعدت التحذيرات الأمنية العراقية من عودة «داعش» بقوة إلى بعض المناطق الغربية والشمالية، والتخوف من وقوع صدام شيعي - شيعي نتيجة الصراع الحاد على السلطة بين التيارات الشيعية المسلحة الموالية لطهران، وتيارات باتت لها أولويات وطنية لا تنسجم مع ما تخططه طهران للعراق والمنطقة... تحذيرات وصل صداها إلى بيروت؛ حيث تتعرض الأطراف التي تمارس سياسة محلية لجملة ضغوط من أطراف تمارس دوراً إقليمياً، كادت تتسبب بعقدة درزية - درزية تستهدف موقع زعيم الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط الذي يتعرض لهجوم سياسي ممنهج يقوده النظام الأمني السوري المنشغل بمعاقبة جنبلاط على دوره في دعم ثورة الشعب السوري، وتحجيم دوره لصالح وكلاء داخليين يدورون في فلكه وفلك حارة حريك.

وقد انفجرت حدة التوترات السياسية التي انعكست مباشرة على الشارع المحتقن أصلاً نتيجة محاولات «حزب الله» المستمرة لإخضاع الطبقة السياسية لإرادته السياسية والعقائدية، وحمايته وجوهاً سياسية محدودة التأثير في بيئتها رغم تجاوزها لكل اللياقات الأخلاقية والأدبية في خطاباتها وتصريحاتها.

في لعبة التوازن الصعبة، يقع رئيس الوزراء العراقي الدكتور عادل عبد المهدي بين معضلتين؛ الأولى قبوله إعادة طرح الأسماء ذاتها التي فشلت أثناء التصويت في نيل ثقة النواب، فيكون قد استطاع إرضاءها وإرضاء طهران من ورائها من خلال إظهار نفسه متمسكاً بترشيحها. والثانية أطراف تربط تأييدها له في رئاسة الحكومة، بموقفه من رفض إملاءات الآخرين وحفاظه على استقلاليته... فمع تمسك طهران وحلفائها في بغداد بحصر الداخلية في فالح الفياض، يصرّ السيد مقتدى الصدر و«تحالف الإصلاح» على ضرورة اختيار وزراء تكنوقراط لوزارتي الداخلية والدفاع؛ الصدر الذي وجّه رسالة شديدة اللهجة للرئيس المكلف حذره فيها من الميل إلى طرف من الأطراف السياسية، وطالبه بأن تكون قراراته عراقية بعيداً عن الإملاءات الخارجية، وقد أمهل الصدرُ عبدَ المهدي 6 أشهر لإثبات نجاح فريقه الوزاري وحكومته، منبهاً إلى أن «الفشل سيكون مصيرها في حال كان الوزراء متحزّبين ويعملون لإرضاء جهات طائفية».

عملياً تمكن «تيار الإصلاح»، الذي يضم الصدر والحكيم والعبادي وعلاوي؛ إضافة إلى النجيفي والمطلك، من وضع شروطه السياسية في اختيار الوزراء رغم قرارهم الجماعي بالابتعاد عن لعبة الحقائب التي أغرت خصومهم المتمسكين بحصصهم ومراكزهم؛ الأمر الذي بات قد يهدد التوافق السياسي بين كتلتي «الفتح» و«سائرون» الذي تم بموجبه تكليف عبد المهدي تشكيل الحكومة دون الخضوع للشروط الدستورية التي تنص على أن الكتلة الكبرى تقوم بتكليف رئيس الوزراء، فعلى الأرجح أن التوافقات التي جرت عبر القفز فوق الدستور اقتربت من خسارة شرعيتها، مما يجعل العراق أمام خيار حكومة أغلبية تفرضها السياقات الدستورية بعد فشل السياقات السياسية في حل الأزمة، وتكون مخرجاً وحيداً لتفادي صدام محتمل بين ميليشيات «الحشد الشعبي» والجيش العراقي أو بين أجهزة الدولة والحشد الجماهيري الذي بات قاب قوسين أو أدنى من النزول إلى الشارع معلناً فشل العملية السياسية ودولة ما بعد 2003.

تفاقم الأوضاع السياسية والمعيشية في العراق ولبنان وخضوعهما للإملاءات الإيرانية وشروط المفاوضات المرتقبة بين طهران وواشنطن، يبقيهما معلقين لا يقدران على استكمال التشكيل نتيجة مشروع إيراني جعل من التكليف أمراً سهلاً ومن التشكيل أمراً مستحيلاً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بيروت ـ بغداد سهولة التكليف وصعوبة التشكيل بيروت ـ بغداد سهولة التكليف وصعوبة التشكيل



GMT 11:31 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

كتب جديدة للقارئ في معرض الشارقة الدولي

GMT 11:26 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

كتب أخرى للقارئ العربي

GMT 05:03 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

دسائس البلاط

GMT 05:01 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

اللبنانيون يأملون.. لكن بخوف وحذر!

GMT 05:00 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

ثورة في لبنان في عهد "حزب الله"

GMT 09:15 2017 السبت ,23 أيلول / سبتمبر

طائرة أسرع من الصوت أحدث ابتكارات وكالة "ناسا"

GMT 11:56 2021 الثلاثاء ,26 تشرين الأول / أكتوبر

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 05:27 2017 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يدافع عن مور في انتخابات آلاباما رغم لاعتراضات

GMT 10:00 2017 الأحد ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ورشة عمل للمصور العالمي إليا لوكاردي في "إكسبوجر 2017"

GMT 01:32 2017 الأربعاء ,11 كانون الثاني / يناير

إيل فانينغ تطل بفستان مثير باللون الكريمي

GMT 01:53 2016 الخميس ,29 كانون الأول / ديسمبر

عمر عريوات يكشف عن رواج كبير لـ"إيبوكسي" في الجزائر

GMT 09:05 2016 الثلاثاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تعليم الصلاة للأطفال مسؤولية الأمهات

GMT 17:35 2015 الأربعاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

زايو "حظيرة" الصراع السياسي لمن يريدون مراكمة الثروات

GMT 03:28 2016 الأربعاء ,28 كانون الأول / ديسمبر

حنان بركاني تحتفل بطرح "خفايا متجلية"

GMT 03:55 2016 الثلاثاء ,12 كانون الثاني / يناير

سيارة الفئة E من "مرسيدس" في معرض ديترويت للسيارات

GMT 20:46 2018 الأربعاء ,29 آب / أغسطس

"أفتو فاز" توضح مواصفات سيارتها " Lada Vesta"

GMT 14:36 2018 الخميس ,26 تموز / يوليو

صدور ترجمة "علم اجتماع المعرفة" لعلي الوردي
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca