آخر تحديث GMT 18:37:04
الدار البيضاء اليوم  -

الضحية تقتل الجلاد في "قصيدة البقرة البيضاء"

الدار البيضاء اليوم  -

الدار البيضاء اليوم  - الضحية تقتل الجلاد في

قصيدة البقرة البيضاء
الرباط - الدار البيضاء اليوم

المخرجان الإيرانيان “بهتاش سنيحة ” و”مريم مقدم” يرسمان من خلال شريطهما “قصيدة البقرة البيضاء”، (المشارك مؤخرا في مهرجان برلين السينمائي في دورته الـ71 – المسابقة الرسمية)، صورة ما لعلاقة الضحية والجلاد. وبلغة حكي مفعمة بلمسة الواقع، عهدناها في المدرسة السينمائية الإيرانية، استطاع المخرجان أن يصنعا فيلما جيدا فيه شروط السرد السينمائي والجمالي. وتضم هذه المعالجة الإخراجية بين ثناياها رمزية الشريط في طرح تساؤلات عميقة يواجهها المجتمع الإيراني.

سورة البقرة وحكاية وجع إيراني..
يفتتح الشريط بنص الآية 67 من سورة البقرة: “وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ”. اللقطة الموالية تظهر “بقرة بيضاء” تتوسط فناء شبه فارغ، وسجناء بلباس أسود يقفون على حافة الفناء.

اختار المخرجان أطول السور القرآنية عنوانا لهذا العبور داخل الشريط، لأن سورة البقرة تشكل ركنا مقدسا في الحياة الاجتماعية الإيرانية، وتؤسس المنظومة القانونية والفقهية في البلاد القائمة على حكم القصاص: “العين بالعين، والسن بالسن”.

أُعدم “بابك” بتهمة القتل، وتعلم زوجته “مينه” (هي “مريم مقدم” مخرجة الفيلم) أن زوجها مظلوم في كل القضية. “مينه” لا تتوقع اعتذاراً من الدولة، بل فقط دية مالية لن تعوضها عن زوجها الذي أعدم بسبب جريمة لم يرتكبها. بطلة الشريط لا تريد أن تستسلم، وتطالب باعتذار رسمي عن خطأ جسيم. لا شيء يحدث سوى زيارة مفاجأة يقوم بها “رضا” إلى “مينه ” في بيتها، ليدعي أنه مدين لـزوجها “بابك” بمبلغ من المال، وقرر أن يساندها في محنتها.

عندما تتحطم حياة امرأة..
يحكي الشريط كيف تحطمت حياة “مينه” بعد إعدام زوجها ظلما، وكيف فشلت في الوصول إلى الحقيقة وإنصاف زوجها ضد القتلة الحقيقيين. تعيش “مينه” في هذا العالم، كامرأة وحيدة، وهذا أمر صعب للغاية.. ولأنها تسمح للغريب “رضا” بالدخول إلى بيتها، تسلط عليها كل أعين الجيران قبل طردها من شقتها. تلوح في الأفق كارثة تواجه البطلة، وتصبح القصة أكثر تشويقًا في سياقها الميلودرامي.

“مينه” التي تعمل في مصنع للحليب وتعتني بابنتها الصماء تجد نفسها بعد مرور الزمن تواجه سؤال بنتها عن حقيقة غياب أبيها “بابك”، فتضطر حينها أن تقول لها إنه ذهب بعيدًا في رحلة طويلة ولن يعود، وسنلتحق به مستقبلا.

الفيلم لا يخرج عن طابع الأفلام الإيرانية التي تكشف الأحداث فيها عن أبعاد ورموز عدة، على سبيل المثال لا الحصر إيواء البطلة للجاني “رضا”، في بيت قام هو نفسه بتأجيره لها بعدما دخل في حياتها دون أن تنتبه إلى ما يحمله من أسرار عن إعدام زوجها. “مينه” تنقل “رضا” إلى المستشفى وتساعده بعد إصابته بجروح في رأسه، هذا قبل قتله في المشهد ما قبل الأخير.

السينما الإيرانية وسؤال الأخلاق ..
عادة لا نجد أفضل من نموذج السينما الإيرانية عند استحضار سؤال الأخلاق. جل الأفلام الإيرانية المعروضة في المهرجانات الدولية تتناول قضايا القوانين الجائرة أو المعضلات الأخلاقية. وحتى المخرج الإيراني محمد رسولوف، الذي مازال قيد الإقامة الجبرية، وهو الحاصل على جائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي في دورة العام الماضي، لا يخرج عن هذه القاعدة. هذا العام، تحول رسولوف من مخرج مشارك إلى عضو في لجنة تحكيم المهرجان. لا ندري كيف يرى فيلم “قصيدة بقرة بيضاء”، المفعم بالكثير من العقد الفكرية والقضايا المتناقضة أخلاقياً.

في هذا الشريط، لا يتعلق الأمر بسؤال شرعية عقوبة الإعدام أو عدمها، في حين رأت الصحافة الألمانية أنه يمثل صوتا رافضا ينضاف إلى مجموع الأفلام المناهضة لعقوبة الإعدام والقادمة من إيران. لا يتوقف فيلم ” قصيدة البقرة البيضاء” عند قضية الإعدام في حد ذاتها، بل على العكس من ذلك، يطرح السؤال: كيف يمكن للفرد في المجتمع الإيراني أن يفلت من العقاب في ظل النظام الإيراني؟.

القتل كموقف رمزي..
سؤال التحرر من واقع المجتمع والنظام الإيراني تبلوره علاقة البطلة “مينة” بشخصية “رضا” المحاطة بالكثير من الأسرار.. “رضا”، ذلك الرجل الذي لعب دوره في إعدام زوجها، يقدم نفسه للضحية كملاك أتى من السماء لإنقاذها من محنتها.

هل تستطيع “مينه” أن تتصرف كما يريد أن يفعل النظام؟ أم إنها تظل محاصرة داخل حلقة هذا النظام وأخلاقه وقوانينه الجائرة؟ تتطور دراما الشريط إلى أن تقرر البطلة قتل “رضا”، وكأنها تنتقم من النظام الإيراني الفاسد المتستر على الحقيقة، والذي لا يريد إنصافها..إنها الضحية التي تقتل الجلاد.. في مشهد تقدم بطلة الفيلم السم في كأس الحليب، فيشربه “رضا” قبل أن يسقط على الأرض. تغادر “مينه” الشقة رفقة بنتها في مشهد نهاية درامية. هي رسالة “بهتاش سنيحة” و”مريم مقدم”، وخطابهما السينمائي المرسوم في نهاية الشريط المغلقة. المخرجان لا يفضلان النهاية المفتوحة حتى لا تسقط الحكاية في طي التأويلات، ما قد يفسد جوهر الفيلم. القتل هو موقف رمزي، ووجهة نظر في شريط “قصيدة البقرة البيضاء” .

قد يهمك أيضَا :

أفلام رومانية تتنافس في مهرجان برلين السينمائي الدولي

مسعود أمر الله يفوز بجائزة العام في مهرجان برلين السينمائي

casablancatoday
casablancatoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الضحية تقتل الجلاد في قصيدة البقرة البيضاء الضحية تقتل الجلاد في قصيدة البقرة البيضاء



GMT 15:17 2023 الإثنين ,02 كانون الثاني / يناير

"أنت تشرق. أنت تضيء" رشا عادلي ترسم لوحة مؤطرة

GMT 01:02 2021 الخميس ,15 إبريل / نيسان

مصطفى النحال يترجم «مسألة اللغات في المغرب»

GMT 00:29 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

طه رشدي يكشف أنّ لغة الإعلانات هي لغة مناورات

GMT 07:24 2017 السبت ,16 أيلول / سبتمبر

ابتكار روبوت النانو المصنوع من الحمض النووي

GMT 08:55 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

"مالية الوداد"..

GMT 18:36 2016 الأحد ,27 آذار/ مارس

علاج ثقل الراس والدوخه

GMT 20:30 2015 الخميس ,22 كانون الثاني / يناير

أفضل 10 فنادق تنعش السياحة في مدينة مراكش المغربية

GMT 16:52 2014 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة أحمد الزيدي أكبر خصوم لشكر في "الاتحاد الاشتراكي"

GMT 01:58 2015 السبت ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل مقصورات الدرجة الأولى على الخطوط الجوية العالمية

GMT 02:39 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

"فقهاء دين" يسرقون مجوهرات من مغربية على طريقة "السماوي"

GMT 08:04 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

جامعة نجران تنفّذ دورة "حل المشكلات واتخاذ القرار"

GMT 08:59 2018 الإثنين ,21 أيار / مايو

طالبان تتوعد باستهداف مؤسسات أمنية في كابول
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca