كيف دفَع انتِصار غزّة الجيش الأميركي لإلغاء قراره بشِراء منظومة القُبَب الحديديّة؟

الدار البيضاء اليوم  -

كيف دفَع انتِصار غزّة الجيش الأميركي لإلغاء قراره بشِراء منظومة القُبَب الحديديّة

عبد الباري عطوان
بقلم: عبد الباري عطوان

تتوالى الصّدمات على دولة الاحتِلال الإسرائيلي من الأرجاء الأربعة تقريبًا، ابتداءً من الفشل شِبه المُؤكَّد لزِيارة نفتالي بينيت رئيس الوزراء الإسرائيلي لواشنطن، وانشِغال الرئيس الأميركي بالنّكسات التي تُواجهها بلاده في أفغانستان بسبب قراراته المُرتبكة بالانسِحاب، والفشَل الاستِخباري في تقدير الموقف قبل وأثناء، وبعد، اكتِمال هذا الانسِحاب، انتهاءً بالقرار المُفاجِئ للجيش الأميركي بعدم شِراء نظام القبّة الحديديّة وتفضيل نظام Dynetics “داينتكس” المملوك لشركة Leidos الأمريكيّة.

لنَترُك زيارة بنيت جانبًا مُؤقَّتًا، ليس لأنّ الرئيس الأميركي لا يَملُك الوقت لاستِقباله فقط وإنّما لعدم رغبته في بحث أيّ مَوضوعٍ آخَر، في ظِلّ الكوارث والهزائم التي تلحق بأميركا في الشّرق الأوسط، وقد يكون التَّدخُّل العسكري في أفغانستان آخِرها، لأنّ “الضّيف الثّقيل” بينيت يَحمِل في جُعبته عدّة خطط أبرزها “توريط” أميركا في حَربٍ أُخرى في إيران، والحِفاظ على التّفوّق العسكري الإسرائيلي النّوعي في المِنطقة، ممّا يعني “حلب” عدّة مِليارات إضافيّة من الخزينة الأميركيّة.

رفض الجيش الأميركي شِراء نظام “القبّة الحديديّة” الأميركيّة يُعتَبر أكبر نكسة للصّناعة العسكريّة الأميركيّة ومبيعاتها لدُوَلٍ عديدة من بينها كوريا الجنوبيّة والعديد من الدّول الأعضاء في حِلف النّاتو، لأنّه يعني تراجع الثّقة بمنتوجات هذه الصّناعة، ليس في ميدان الأنظمة الدفاعيّة هذه، وإنّما في ميادين الرّادارات، والدبّابات والعربات المُدرَّعة والتّكنولوجيا العسكريّة في مجالات الرّصد والتَّجسُّس.

صُدور هذا القرار بعد ثلاثة أشهر من حرب غزّة الأخيرة (سيف القدس) يُؤكِّد أنّ فشَل منظومات القُبَب هذه في التّصدّي بفاعليّة لصواريخ فصائل المُقاومة في قطاع غزّة هو من أبرز العوامل التي دفَعت قيادة الجيش الأميركي للتّراجع عن خططها في شِراء هذه المنظومات، وتفضيل أُخرى غيرها.

فإذا كانت حرب تمّوز (يوليو) عام 2006 قد دمّرت سُمعة دبّابة “الميركافا” الإسرائيليّة، ودفعت دُوَلًا عديدة مِثل الهند لإلغاء عُقود بأكثر من مِلياريّ دولار لشِراء دُفْعَةٍ منها، فإنّ صواريخ قطاع غزّة فعلت الشّيء نفسه بمنظومات القبب الحديديّة “فخر” الصّناعة العسكريّة الإسرائيليّة، وهذا الإنجاز اللّافت لحركات المُقاومة في جنوب لبنان وقِطاع غزّة لم تُحَقِّقه أيّ من الحُكومات العربيّة وجُيوشها على مدى سبعين عامًا مُنذ بداية الصِّراع العربي الإسرائيلي، رُغم مِئات المِليارات التي أنفقتها على شِراء صفقات الأسلحة سواءً الأميركيّة أو الروسيّة منها.
البطاريّة الواحدة من هذه المنظومة تُكَلِّف الحُكومة الإسرائيليّة 5 ملايين دولار، بينما تَبْلُغ كُلفَة كُل صاروخ 62 ألف دولار، حسب ما جاء في مجلّة “I.H.S ” جونز الأميركيّة، بينما لا تتجاوز قيمة تكاليف الصّاروخ الواحد المُصَنَّع محَليًّا في مصانع غزّة “الكُبرى” ألفيّ دولار في أفضل الأحوال، إن لم يَكُن أقل لأنّ جميع المواد المُستَخدمة في تصنيعه محليّة.
الحُكومات الأميركيّة تعهّدت بسدّ العجز في مخزونات هذه القُبَب الحديديّة من الصّواريخ التي فَرُغَت أثناء حرب غزّة الاخيرة وأطلقت أثناءها فصائل المُقاومة أربعة آلاف صاروخ، فكيف سيكون الحال لو كانت الحرب مع حزب الله على الجبهة الشماليّة الذي يَملُك 150 ألف صاروخًا في مخازنه في باطِن جِبال الجنوب اللّبناني الشّامخة أو ضدّ إيران التي يُريد بينيت إشعال فتيل الحرب معها لمَنع امتِلاكها أسلحةً نوويّة.

أيّام دولة الاحتِلال الإسرائيلي المُقبلة ستكون صعبةً للغاية وحافلةً بكُلّ أنواع الرّعب والهلع، فأمريكا وبعد هزيمتها المُخجِلَة في أفغانستان ستنطوي على نفسها، ولا تُريد أن تسمع كلمة “الشّرق الأوسط” حتى لا تُصاب بالغثيان والإغماء، فإذا كانت البالونات الحارقة التي يُطلِقها شباب القِطاع تُرهِبها، وتجعلها تهرع إلى القاهرة طالبةً وقفها وتُسارِع بتخفيف حدّة الحِصار في المُقابل فإنّ حجم الرّعب هذا سيتضاعف في حالِ بدأت فصائل المُقاومة تلجأ إلى مخزونها من الصّواريخ الدّقيقة.

نَكتُب هذه المقالة قبل انعِقاد اللّقاء الذي تأجّل بين بايدن وضيفه الإسرائيلي بينيت، وظُهور نتائجه، أو بعضها بالتّالي، ولكنّنا بتنا نُدرِك جيّدًا أنّ الرئيس الأميركي ليس مُستَعِدًّا للاستِماع، أو التّفكير، بأيّ شيء آخر غير كيفيّة تقليص حجم نكباته المُتواترة في أفغانستان، وآثارها السّلبيّة عليه وحزبه الدّيمقراطي، ومن ضِمنها الرّحيل عن البيت الأبيض.. واللُه أعلم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كيف دفَع انتِصار غزّة الجيش الأميركي لإلغاء قراره بشِراء منظومة القُبَب الحديديّة كيف دفَع انتِصار غزّة الجيش الأميركي لإلغاء قراره بشِراء منظومة القُبَب الحديديّة



GMT 09:12 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

الخضرة والماء والوجه الحسن

GMT 09:08 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

اللبنانيّون وقد طُردوا إلى... الطبيعة!

GMT 09:04 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

الضوء الأخضر للإرهاب

GMT 08:57 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

تايوان... «أوكرانيا الصين»!

GMT 08:52 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

أصوات العرب: جوّال الأرض

GMT 18:10 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 03:29 2018 الأربعاء ,24 كانون الثاني / يناير

استبدال رائدة فضاء سمراء فجأة من بعثة "ناسا"

GMT 12:18 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

الغيطي يعترض على قيام سلفي بتحطيم تمثال في روما بلفظ مسيء

GMT 08:10 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

C3 إيركروس بديل مثالي لسيتروين C3 بيكاسو الشعبية

GMT 05:16 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

دراسة تعلن أنّ الأطفال يرغبون في رؤية العقاب العادل

GMT 02:05 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

لفتيت يؤكد ضرورة وضع قانون لتنظيم العمل الإحساني في المغرب

GMT 05:52 2015 الخميس ,22 كانون الثاني / يناير

جيهان العلي تحتفل بعيد زواجها عبر صورة مع علامة

GMT 08:24 2015 الأربعاء ,07 تشرين الأول / أكتوبر

ذوو سوابق يغتصبون فتاة بعد إجبارها على مرافقتهم في إنزكان

GMT 11:18 2014 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

اللاعب عمرو جمال مهاجم الأهلي رقم 23 عالميْا
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca