أخطاء أبناء مسؤولية آباء

الدار البيضاء اليوم  -

أخطاء أبناء مسؤولية آباء

بكر عويضة
بقلم: بكر عويضة

الجمعة الماضي، أقدمت إحدى شخصيات القضاء الأميركي البارزة، على إجراء قانوني سوف يُسجل منذ ذلك اليوم فصاعداً، من منطلق أنه سابقة لم يُعرف مثيلٌ لها من قبل. ملخص الأمر - لمن لم يتابع التفاصيل - هو أن السيدة كارين ماكدونالد، مسؤولة الادعاء العام في مقاطعة أوكلاند، التي تتبع منطقة ديترويت في ولاية ميتشيغان، قررت توجيه الاتهام لأبوين بالإقدام غير الطوعي على المشاركة في ارتكاب جريمة قتل بلا سابق قصد منهما، ولكن بإهمالهما مسؤولية الانتباه لخطورة تصرفات ولدهما، رغم معرفتهما بحيازته سلاحاً استخدمه اليوم السابق (الخميس 2 - 12 - 2021) في إطلاق رصاص عشوائي على زملائه في مدرسة أوكسفورد العليا؛ ما أسفر عن مقتل أربعة منهم. إيثان كرمبلي، المُتهم بارتكاب الجريمة، صبي لم يتعد الخامسة عشرة بعد. والداه، جيمس وجينيفر، لاحظا بعضاً من سلوكيات غريبة له، لكنهما قررا التجاهل؛ الأمر الذي أوصل إلى مجزرة أودت بحياة طالبين (17 و16 عاماً)، وطالبتين (17 و14 سنة)، فأدخل المراهق المتهوّر، بجريمته تلك، كآبة الأحزان إلى قلوب عائلات وأصدقاء الضحايا الأربعة في موسم احتفالات نهاية العام الميلادي.

لم يكن وقع الإجراء عادياً، بالطبع، ذلك أن المجتمع الأميركي، باختلاف طبقاته، وتباين الثقافات التي تجمعه، وتعدد النظم القضائية في الولايات التي يتوحد ضمن إطارها، ورغم قسوة معاناته، عبر مئات السنين، في التعامل مع ما يمكن عده «سرطان» جرائم القتل العشوائي، لم يسمع من قبل شخصية في مثل مكانة كارين ماكدونالد القضائية، تقول بصريح العبارة، وبصوت واضح الغضب، وأمام كاميرات الإعلام الأميركي كله، والعالمي أيضاً، ما مضمونه أن حق امتلاك السلاح يجب أن يترافق مع كامل المسؤولية عن كيفية استخدامه، وإلى ذلك فإن كل أبوين يجب أن يتحملا قدراً من مسؤولية استخدام السلاح الموجود في المنزل من جانب أي من أفراد الأسرة. معروف أن «اللوبي» الأميركي المدافع عن سوق بيع الأسلحة، يملك من النفوذ القوي ما يمكنه من الدفع بعيداً عن التنفيذ، أي تقنين يُشتَم منه احتمال الحد من حرية اقتناء السلاح. أكثر من رئيس أميركي حاول ذلك، وفشل، آخرهم كان باراك أوباما، الذي اعترف، أواخر عام 2016، خلال لقاء تلفزيوني مع جون سوبل، محرر «بي بي سي» المسؤول عن الشؤون الأميركية، أن فشله ذاك كان الأسوأ لفترتي رئاسته.

في حال تمت إدانتهما، ليس من الواضح على وجه التحديد ما ينتظر الأب والأم جيمس وجينيفر كرمبلي. هما رفضا الإقرار بمسؤوليتهما، وترجّح وجهات نظر شخصيات قانونية أن ينجح أي محامٍ ماهر في تخليصهما من الإدانة وبالتالي العقوبة. لكن أهمية الإجراء الذي أقدمت عليه مسؤولة الادعاء العام، كارين ماكدونالد، لن تذهب سدى، ومن ثم فإن صدى ما حصل لن يذهب بعيداً بسهولة، بل الأرجح أن يظل رنين صوتها الغاضب يطن في آذان كل أبوين في الولايات المتحدة، يعلم كلاهما أن أفراداً في بيتهما يملكون سلاحاً ما، وأن من واجبهما الانتباه إلى أي إشارات خطرة قد تنبئ عنها تصرفات أولئك الأفراد، قبل أن تؤدي مستقبلاً إلى ويلات ومآسٍ يتضرر منها أناس آخرون أبرياء.

في سياق متصل، وإنما أبعد من أميركا ذاتها، ومن معاناتها، تحديداً، مع جرائم القتل العشوائي، يمكن القول إن القصة تستدعي أشكالاً ليست أقل خطراً بشأن ما يتعلق بمسؤولية الآباء عن جوانب مما يرتكب الأبناء من أخطاء. لقد قيل منذ أزمان بعيدة، في مختلف الثقافات، أن الآباء والأمهات هم مرايا البنون، خصوصاً في فترات النمو المبكرة، ثم مراحل الصبا، فالمراهقة وبدايات سني النضج والشباب. تُرى، كم من أب، أو أم، أهمل وأهملت، ولو بلا قصد، أهمية التنبّه لما يصدر عنهما من سوء أفعال، أو كلام، على مرأى ومسمع من الأبناء، الأولاد والبنات، ثم إن نتائج ذلك الإهمال ظلت تختبئ في العقل الباطن للنسل، حتى قُدّر لها أن تتجلى بشكل مروّع، وبعد وقوع أمر صادم للجميع. الواقع أن المتأمل في ارتفاع درجات شكوى الذين هم وهن ما بين الأربعين في العمر والخمسين، في مجتمعات العالم كله، تقريباً، إزاء استمرار تراجع مستويات القيّم الأخلاقية بين أجيال ما يُسمى «منصات التواصل الاجتماعي»، قد يجد شيئاً من الإجابات إذا ما تعمق في دراسة سلوكيات الآباء والأمهات أنفسهم في مراحل شبابهم، وخصوصاً ما جرى منها، وقيل، أمام وعلى مسمع ممن كانوا صغارهم، آنذاك.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أخطاء أبناء مسؤولية آباء أخطاء أبناء مسؤولية آباء



GMT 09:12 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

الخضرة والماء والوجه الحسن

GMT 09:08 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

اللبنانيّون وقد طُردوا إلى... الطبيعة!

GMT 09:04 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

الضوء الأخضر للإرهاب

GMT 08:57 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

تايوان... «أوكرانيا الصين»!

GMT 08:52 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

أصوات العرب: جوّال الأرض

GMT 19:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 20:31 2018 الأحد ,30 كانون الأول / ديسمبر

كومباني يعلن جاهزية مانشستر سيتي لمواجهة ليفربول

GMT 11:14 2018 الجمعة ,16 شباط / فبراير

تزيني بمجموعة مميزة من المجوهرات في عيد الحب

GMT 16:31 2016 الأحد ,21 شباط / فبراير

برانت دورتى ينضم لفيلم "Fifty Shades Of Grey"

GMT 01:15 2017 الأربعاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مميّزات جديدة في هاتف "iPhone X" الجديد من أبل

GMT 11:16 2014 الأربعاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة وفيتامينات لعلاج النهايات العصبية للجهاز العصبي

GMT 05:31 2016 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

علماء يتوصَلون لمعرفة مسارات طيور السنونو خلال رحلاتها

GMT 00:27 2017 الأحد ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

مناقشة كتاب "أيام من حياتي" سيرة سعد الدين وهبة

GMT 23:31 2017 الأربعاء ,05 إبريل / نيسان

الريان يخرج حمد الله من "جحيم" الجيش القطري

GMT 05:04 2016 الخميس ,14 كانون الثاني / يناير

ضريح القديس يهوذا وحصنه الشاهق يزيّنان جانسي الهندية

GMT 22:13 2019 الثلاثاء ,05 شباط / فبراير

لمسات مثيرة لرقبة زوجك قبل العلاقة الحميمة

GMT 22:18 2018 الأحد ,30 كانون الأول / ديسمبر

بايرن ميونخ يلتقي فورتونا دوسلدورف 13 كانون الثاني
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca