عن رغد صدام حسين والقذافي

الدار البيضاء اليوم  -

عن رغد صدام حسين والقذافي

على شندب
على شندب

كثيرة هي اللقاءات الملتفزة التي أجرتها رغد صدام حسين إثر خرجها من العراق عام 2003. لقاءات فرضتها ظروف الحرب على العراق واحتلاله، لاسيما بعد استشهاد شقيقيها، واعتقال والدها الرئيس وغالبية القيادة العراقية. لقاءات كان الحديث فيها يدور حول محكمة ومحاكمة صدام حسين.

لكن مقابلتها المتسلسلة الحلقات مع قناة العربية في الأيام الماضية، ورغم سرديتها لبعض المواقف والمحطات السابقة، كانت عن رغد وكتاب مذكراتها المتعثر النشر، وأيضا عن طموحاتها ومستقبلها وأدوارها السياسية المحتملة، وبهذا المعنى بدت المقابلة بتداعياتها المعروفة بمثابة تبشير بـ "رغد جديدة".

ورغم أن المقابلة بدت كذلك، فقد ميّزها كلام مكتوم حول بعض الجوانب الأسرية الخاصة، حيث قدمت رغد وبدون أدنى التباس روايتها لهروبها وزوجها حسين كامل إلى عمّان، وانشقاقه، ثم عودتهم إلى العراق، وتطليقها منه، قبل أن يعدم زوجها حسين كامل بقرار عشائري وموافقة والدها. وبدا مصطلح "الشهيد" الذي أسبغته رغد على طليقها المعدوم محل انتقاد مؤيدين للنظام اسابق الذين يعتبرون أن "خيانة" حسين كامل وإفصاحه عن أسرار برامج أسلحة العراق الاستراتيجية للأميركيين خاصة، ساهمت في اتخاذ قرار احتلال العراق وتقويضه.

وبأسلوب متمكن من الجينات الرئاسية، وبطريقة سلسلة ومبسطة قدمت الابنة البكر للرئيس الراحل روايتها للعراق الذي تعرفه وتتمناه. كما عرضت لبعض جوانب الحرب مع إيران، ولما وصفته بالأخطاء المتبادلة التي أدت لغزو الكويت، وأيضا لحرب 2003 التي انتهت باحتلال الولايات المتحدة للعراق وصولاً إلى اعتقال والدها الرئيس، ومحكمته، ومحاكمته، ثم إعدامه.

وإذ امتدحت رغد صدام حسين مواقف "الأخوة العرب" فقد خصّت الأردن شعباً وملكاً وحكومة بلفتة ولاء ووفاء، تماما كما خصّت الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي وأسرته بلفتة وفاء مماثلة. وإذا كانت لفتة وفائها للأردن هي بسبب استجارتها واحتضانها وتأمين الرعاية والحماية لها طيلة سنوات ما بعد 2003، فما هي أسباب لفتتها تجاه القذّافي الذي استمر دعم بلاده العسكري لإيران الخمينية خلال حربها مع العراق؟

إنها اللفتة المتأتية عن دعم ليبيا القذّافية وإسنادها للعراق عشية الاحتلال وبعده، وقد تجلّى ذلك أولا باحتضان ودعم "هيئة الدفاع عن الرئيس العراقي" خلال محاكمته، وهو الاحتضان الذي كانت ترجمته السياسية والإعلامية في تنظيم "جمعية واعتصموا" برئاسة عائشة معمّر القذافي "المؤتمر الدولي حول انتهاكات حقوق الإنسان تحت الغزو والاحتلال في العراق" والذي حضره إلى رغد صدام حسين وفود تمثل المقاومة العراقية، ورئيس هيئة العلماء المسلمين الشيخ حارث الضاري، وبعض معتقلي سجن أبوغريب الذين قدموا شهاداتهم خلال المؤتمر، بالإضافة لنحو 300 شخصية عربية وأجنبية، وبدا المؤتمر أشبه بتظاهرة قانونية سياسية رافضة للاحتلال الأميركي وانتهاكاته المشينة للمعتقلين خصوصا.


وفي حديث خاص معنا على هامش المؤتمر، عبّرت السيدة رغد يومها عن فرحتها بانعقاد المؤتمر الذي وصفته بالخطوة الشجاعة، وعن تفاؤلها بحكم المحكمة الوشيك الصدور، معربة عن ثقتها بخروج والدها من السجن مهما طال الزمن، وقد حرصت على وصف شباب المقاومة العراقية بالأبطال الذين حرصت عائشة القذافي على تحيتهم أيضا. وقد توّج الموقف الرسمي الليبي يومها أيضا، وفي مناسبة منفصلة، بموقف لافت للعقيد القذافي أعلن فيه عن دعم بلاده للمقاومة العراقية التي أخذ بعض قادة فصائلها ييمّمون وجوههم شطر مضارب القذّافي وخيمته.

عند هذا الحد من الدعم والتأييد بلغت المواقف القذّافية مرحلة متقدمة. ويومها تساءلت عن عواقب تأييد معمّر القذافي ودعمه للمقاومة العراقية ضد الاحتلال الأجنبي، لاسيّما أن بلاده قد خرجت للتوّ من عقوبات وحصار أممي فرض عليها بسبب ما عرف بقضية لوكربي. ولأن الأيام دول، تساءلت في سري أيضا، ترى، بمن ستستجير عائشة القذافي، ومن سيجيرها ذات محنة مشابهة لتلك التي عصفت بالعراق وتعصفت بضيفتها رغد صدام حسين؟

وقد بلغت مواقف ليبيا ذروتها بتنكيسها الأعلام، وإعلانها الحداد ثلاثة أيام على إعدام صدام حسين "القديس"، كما وصفه القذافي الذي أثار قضية إعدامه في القمة العربية وأيضا في الجمعية العامة للأمم المتحدة التي يبدو أنها ما قصدها إلا ليمزّق ميثاقها.

بعد إعدام صدام حسين، وكخطوة تكريمية وجهت ليبيا الدعوة لهيئة الدفاع عن الرئيس العراقي الراحل. يومها التقى القذافي بوفد هيئة الدفاع، ثم انفرد بلقاء مطوّل مع رئيسها المحامي خليل الدليمي الذي أجاب على استفسارات القذافي وأسئلته التفصيلية حول المحكمة والمحاكمة وكواليسها السياسية وغير السياسية.

إجابات الدليمي وشروحه، أذرفت دموع القذافي من تحت نظارته الداكنة، وبنفس القدر ساهمت بترجيح قناعة مستجدة لديه حيال إيران التي دعمها القذافي يوما ضد العراق. وقد بدت دموع القذافي وحرقته ومواقفه السابقة واللاحقة لإعدام صدام حسين، أشبه باستدعاء لحصار جديد، أو استشعار بحرب آتية.

إنها الحرب الناتوية التي انطلقت في آذار/ مارس 2011، والتي سمحت لي الظروف خلالها أن التقي بالعقيد القذافي أمام الكاميرا وخلفها. يومها قلت للقذافي: "لعلّكم الوحيد بين الزعماء العرب من نعى صدام حسين، ونكّس الأعلام وأعلن الحداد عليه"، وبعد استقطاعه لكلامي بـ "هدرة" طويلة، سألت القذافي: أخ معمّر، أنتم في حرب وكلنا تحت ألطاف الله وأقداره، أي من الزعماء العرب تتوقع أن ينعيكم ويعلن الحداد عليكم، بعد عمر طويل، فيما لو تعرضتم للقصف؟
وفيما كانت أنظاره نحو السماء، وبنبرة قاطعة أجاب القذافي: أنت.
قلت: أنا؟
أجاب: أيه.

لقد صدمني العقيد حقيقة، وبدا جوابه الذي كان من كلمة واحدة "أنت"، أشبه برشقات غير متقطعة وغير مكتومة الصوت. في تلك اللحظة، لم أشغل نفسي كثيرا في محاولة تفسير ما عناه الرجل، لكن ظروف مقتله وتداعياتها المتواصلة أجابت على كل الأسئلة وفسّرت كل الحكايا.
وبالعودة إلى مقابلة رغد صدام حسين، فإن حجم ونوعية الردود السياسية العاصفة التي أثارتها كما والمتابعات والتعليقات المتباينة والمتواصلة في وسائل الإعلام والمواقع التواصلية، تجاوز الخبطة الصحافية المتقنة لقناة العربية، التي تناوبت مع شقيقتها الحدث على تنظيم نقاشات تلفزيونية ذهبت بعيدا وعلى ألسنة الضيوف بمشاربهم المختلفة والمتنوعة عراقيا وعربيا وأجنبيا في استعادة حقبة تاريخ العراق منذ الحرب العراقية الإيرانية وانتهاء بما خلفته العملية السياسية البائسة من نهب ثروات ودمار وتهجير وفساد وحروب متناسلة وضعت العراق بكله وكلكه في فم إيران التي استباحته وحوّلته منصة تهديد لجواره العربي تحديدا، ولهذا فالمواقف الأكثر غضبا وقلقا من المقابلة كانت لقناة العالم الإيرانية خاصة، وللشخصيات العراقية المـتأيرنة والإعلام المتأيرن في المنطقة عامة.

بهذا المعنى فقد حركت مقابلة رغد صدام حسين رمال العراق المتحركة أصلا، سيما وأن أجوبتها حول اطلاعها بدور سياسي ما، بدت في دائرة الاحتمالات الواردة والمطروحة، رغم علمها ومعرفتها أن الشعب العراقي بتركيبته العشائرية لا يتقبل أن تقوده امرأة.

لكن من يدري بأحوال العراق الذي تقوده قدرياته الخاصة إلى اللامتوقع على الدوام!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن رغد صدام حسين والقذافي عن رغد صدام حسين والقذافي



GMT 09:12 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

الخضرة والماء والوجه الحسن

GMT 09:08 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

اللبنانيّون وقد طُردوا إلى... الطبيعة!

GMT 09:04 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

الضوء الأخضر للإرهاب

GMT 08:57 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

تايوان... «أوكرانيا الصين»!

GMT 08:52 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

أصوات العرب: جوّال الأرض

GMT 16:07 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

طفل صغير يتفاعل مع فاجعة الصويرة في المغرب

GMT 01:32 2018 الإثنين ,12 شباط / فبراير

غاريدو سعيد بالفوز في أول ديربي له أمام الوداد

GMT 04:50 2018 الإثنين ,05 شباط / فبراير

فندق فيلا هونيغ لقضاء شهر عسل مختلف ورائع

GMT 13:23 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

آرسنال يستغنى عن تشيك بعد أخطائه المتكررة

GMT 23:58 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

جمعية سلا في مجموعة قوية ببطولة دبي للسلة

GMT 05:49 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

منتخب "مصر" لكرة اليد يفوز على هولندا في "دورة لاتفيا"

GMT 15:09 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

بيريز يشيد بقرار مبابي برفض ريال مدريد

GMT 05:15 2017 الجمعة ,08 كانون الأول / ديسمبر

داليا كريم على وشك الحصول على لقب "سفيرة العطاء"

GMT 14:52 2017 الجمعة ,01 كانون الأول / ديسمبر

الرجاء تألق عالميًا قبل مجيء بودريقة

GMT 13:45 2016 الجمعة ,22 كانون الثاني / يناير

أربع نصائح للحمل بولد

GMT 00:46 2016 الأحد ,23 تشرين الأول / أكتوبر

الاعلان عن حقيقة شخصية زوجة أب الأميرة ديانا "رين سبنسر"

GMT 11:39 2017 الأحد ,09 تموز / يوليو

رؤيتك للحياة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca