آخر رواق

الدار البيضاء اليوم  -

آخر رواق

سمير عطاالله
سمير عطاالله

تقول العامة «على رواق»، أي في هدوء، أو «روق»، أي اهدأ، لمن كان غاضباً، أو «روقوا يا شباب»، إذا كانوا يتشاجرون. وحاولت أن أبحث عن أصول استخدام هذا التعبير فلم أجد له سبباً عربياً. أو ثمة عشرون استخداماً للكلمة ليس بينها الهدوء. ففي الأساس تعني «الممر» أو «العامود» أو ما شابه. لكنني عندما قرأت عن الفلسفة الرواقية عند الإغريق والرومان، تساءلت هل يعقل أن تكون قد وصلت إلى العامة، في جملة ما يصل إليها من أفكار؟

جاء الفيلسوف من قرطبة في الأندلس، حيث ولد، إلى روما، في عهد الطاغية الشهير، نيرون. وتقرب الفيلسوف منه وأصبح من كبار مستشاريه، ووضع كتبا ومسرحيات في مديحه والسخرية من خصومه. بعد سنوات اكتشفت مؤامرة لقتل نيرون بالسم، واشتبه بضلوع سينيكا فيها. أمر نيرون فيلسوفه بأن ينتحر بالطريقة السائدة بقطع شرايين يده حتى الموت نزفاً.

لبى سينيكا الأمر دون اعتراض. فلما رأت زوجته «بومبيا» ما يحدث، سارعت إلى قطع شرايين يدها هي أيضاً. غير أن نيرون أمر بتضميد جراحها، ولم تعد تكرر المحاولة. أما سينيكا نفسه فكان نزفه بطيئاً وموجعاً. ولذلك وضع نفسه محاطاً بأصدقائه، في مغطس مياه ساخنة لعل ذلك يسرع في النزف، فلما تأخر بعد ذلك أيضاً، رمي في حمام بخار حتى اختنق، وبعدها جرى إحراق جثته.

طوال تلك الدقائق الصعبة، مارس سينيكا «الرواقية». أي هدوء الأعصاب وعدم الشكوى من الألم، أو طلب أي رأفة، ولفظ أنفاسه وهو صامت. هل من هناك أخذت فكرة «الرواقية»، و«روقوا يا شباب»، أي من الفلسفة وليس من الرواق، أو الممر، الذي كان يتناقش فيه الرواقيون وسميت على اسم تلك الطريقة؟

كان نيرون الروماني الأكثر جنوناً في التاريخ، عاش في خوف دائم من المؤامرات المتخيلة والحقيقية. قتل زوجته وأمه، وأحرق روما وهو يعزف الموسيقى التي أحبها، ثم انتحر.
منذ ذلك الوقت، منتصف القرن الأول الميلادي، ذهب نيرون مثلاً في التاريخ: الطاغي الذي يحرق عاصمته، ويقتل زوجته، ثم يفشل في الهرب فينتحر. ثمة رجل آخر من روما سوف يحاول الهرب بعد سقوطها، لكن أعداء موسوليني من الشيوعيين يقبضون عليه ويقتلونه

حيث يكثر الطغاة في التاريخ تكثر العواصم المحترقة أيضاً. لكن الإمبراطورية التي كانت الأوسع مساحة والأطول عمراً في التاريخ تفردت بأشياء كثيرة، منها أيضاً القيصر غالوس الذي لقب كاليغولا، أو «الجزمة الصغيرة»، وعرف هذا بالجنون والشذوذ الجنسي والقسوة. في المقابل عرف عنه الطموح العمراني الكبير. وفي العام 41م اغتيل في مؤامرة دبرت له في مجلس الشيوخ. نيرون كان ابن شقيقه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

آخر رواق آخر رواق



GMT 09:12 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

الخضرة والماء والوجه الحسن

GMT 09:08 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

اللبنانيّون وقد طُردوا إلى... الطبيعة!

GMT 09:04 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

الضوء الأخضر للإرهاب

GMT 08:57 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

تايوان... «أوكرانيا الصين»!

GMT 08:52 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

أصوات العرب: جوّال الأرض

GMT 05:14 2015 الجمعة ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

تجار الحياة البريّة يشاركون في أكبر معرض للزواحف في العالم

GMT 18:12 2017 الأحد ,15 كانون الثاني / يناير

أفضل تشكيلة مثالية للاعبي "مارسيليا وموناكو"

GMT 05:51 2016 الأربعاء ,12 تشرين الأول / أكتوبر

عائلة باريسية تستعيد لوحة "الراعية تجلب الغنم" المسروقة

GMT 08:42 2017 الأحد ,01 كانون الثاني / يناير

شركة "Accent" تطرح هواتف ذكية ابتداء من 1500 درهم

GMT 03:28 2015 الأربعاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

9 لوحات مأخوذة من الطبيعة لتجميل ديكور منزلك في عيد الميلاد

GMT 16:42 2019 الإثنين ,25 آذار/ مارس

كريسبو يعلن أن الحظ خان "ميسي" مع الأرجنتين

GMT 22:08 2018 الخميس ,27 كانون الأول / ديسمبر

حاريث يرتبط بفتاة مُحجبة وينشر صورتها على"إنستغرام"
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca