هل عادت سورية؟

الدار البيضاء اليوم  -

هل عادت سورية

هاني عوكل
بقلم : هاني عوكل

مباشرةً بعد أن سيطر الجيش السوري على مدينة حلب بالكامل، خصوصاً في ريفها الجنوبي الغربي الذي كان يعرض المحافظة إلى قصف من قبل تنظيمات المعارضة المتطرفة، الآن تعود هذه المدينة إلى حياتها الطبيعية بإتمام السيطرة على الطريق الاستراتيجي «إم 5» الذي يربط شمال سورية بجنوبها.تزامناً مع السيطرة على الطريق الدولي حلب- دمشق ومنها إلى الجنوب نحو الأردن، أعلنت وزارة النقل السورية تشغيل مطار حلب الدولي الذي توقف لأكثر من ثماني سنوات، وهو قرار يحمل أبعاداً سياسية واقتصادية مبنية على الاختراقات العسكرية التي يحققها الجيش السوري.

من الواضح أن الحكومة السورية تعمل على أجندة محددة تقضي باستعادة الأراضي الخارجة عن سيطرتها إلى ما قبل 2021 الذي من المقرر أن يشهد انتخابات عامة، وفي القلب من ذلك بطبيعة الحال تلميع صورتها على الصعيدين المحلي الداخلي والدولي الخارجي.الآن طريق «إم 5» الاستراتيجي أمنه الجيش السوري بالكامل، وكان مصمماً بدعم من روسيا على استعادته، علماً أنه شريان المواصلات الرئيسي بين شمال وجنوب سورية، ويجلب عوائد مالية كبيرة إلى خزينة الدولة، كونه يمر بالعاصمتين السياسية والاقتصادية دمشق وحلب على التوالي، ومنها إلى العالم الخارجي.

فتح هذا الطريق إلى جانب تشغيل مطار حلب يشكّل قيمة مضافة إلى إنجازات الحكومة السورية في ميدان النزاع المتواصل، حيث تستعجل تحقيق اختراقات يمكن البناء عليها في الاستحقاق الانتخابي 2021، من بين ذلك بالتأكيد السيطرة الكاملة على محافظة إدلب.الآن كل تركيز الجيش السوري يصب في هدفين، الأول استكمال النزاع والضغط في إدلب لاستعادتها، وكذلك استعادة طريق «إم 4» الذي يربط بين حلب واللاذقية ويمر بإدلب، وتحقيق هذين الهدفين يحققان الأفضلية المطلقة للحكومة السورية التي تتطلع إلى انتخابات تعيد إنتاج نفس النظام الحالي.

ويتضح أيضاً أن الحكومة تريد استعادة موقعها في النظام الإقليمي العربي الذي فقدته بعد نزاع 2011، إذ على الصعيد الداخلي يمكن القول إن التوجه يقضي بتخفيف العبء الاقتصادي على السوريين وإعادة تشغيل عجلة الإنتاج بدفع محافظة مثل حلب إلى العودة للحياة الطبيعية.كذلك يجوز القول إن حكومة بشار الأسد تحملت تكاليف مادية كبيرة جداً خلال سنوات النزاع وبالتأكيد هي مديونة لدول مثل روسيا وإيران، وتحتاج إلى فتح قنوات اقتصادية لتحقيق عوائد تساعدها على النهوض الاقتصادي من جديد، والتنفيس خصوصاً عن النازحين السوريين بمحاولة إعادتهم إلى منازلهم، وإيجاد الوظائف لهم، وتحسين مستوى الخدمات بعد ورشة إعادة الإعمار التي ابتدأت بالفعل في بعض المناطق وإن بشكل بطيء.

وعلى الصعيد الداخلي تريد الحكومة ترسيخ رسالة للمواطن السوري أنها معه قلباً وقالباً وأنها تحافظ على أمنه واستقراره، وتعمل جاهدةً على بسط نفوذها وربط ذلك بالتأكيد على أن البديل وهو المعارضة السورية، غير صالح ولا ناضج لفهم احتياجات الشعب وقيادته إلى بر الأمن.في المقابل يجوز أن الحكومة السورية ترغب في كسر جبل الثلج في علاقاتها مع محيطها الإقليمي والأوسع منه الدولي، بعودة حركة الصادرات السورية وإعادة توليد العملية الإنتاجية، وهذا قد يكون جزءاً من مشروع أكبر يشي بأن الحكومة السورية ملتزمة بالقضاء على الإرهابيين وهي ضد الإرهاب.

لا بد من الاعتراف بأن هناك تحولات كبيرة تشهدها الدولة السورية، سواء على الصعيد السياسي والمتفرع منه النزاع العسكري، أو على الصعيد الاقتصادي، وكل هذا يأتي بعملية الحسم العسكري التي تتحقق شيئاً فشيئاً، بدعم من روسيا التي تريد هي الأخرى عودة النظام السوري إلى مزاولة حياته الطبيعية.بالتأكيد لروسيا منفعة كبيرة من ذلك، لأنها حينذاك تسوق نفسها على أنها دولة قوية تنافس في إعادة تشكيل النظام الدولي أحادي القطبية الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة الأميركية، هذا أولاً. وأما ثانياً فيمكن القول إن نجاح روسيا في سورية واستعادة الأخيرة كامل أراضيها وطرد الإرهابيين أو القضاء عليهم في دارها، قد يشكل نافذةً لموسكو التي تطمح للنفاد إلى العديد من الدول العربية ومزاحمة واشنطن في حصتها بـ»الكعكة» العربية. وداخلياً هناك استفادة روسية من دعم سورية، لأنه يقدمها على أنها دولة قادرة على تحمل المسؤوليات المنوطة بها، وكذلك يصور رئيسها فلاديمير بوتين على أنه الأقدر على حماية وصون مصالح روسيا في الخارج.
من غير المستبعد بعد كل ما يجري أن نلحظ حركة علاقات عامة سورية- عربية- دولية لتطبيع العلاقات سواء بتبادل الزيارات الدبلوماسية أو بالتبادل التجاري أو فتح سفارات في دمشق، وروسيا سيّد من يستثمر النجاحات التي تحققها ويحققها الجيش السوري في إدلب لتحسين صورته أمام العالم.
أيضاً قد يشهد العام 2021 موعد الاستحقاق الانتخابي عام نهاية النزاع السوري، وكل ذلك مرتبط بالدرجة الأولى بحجم الدعم والضغط الذي تقدمه وتلعبه روسيا على تركيا تحديداً، ذلك أن عقدة المنشار لم تعد الآن في الولايات المتحدة الأميركية ولا في الأكراد، وإنما في تركيا التي لا تزال تصر على أن لها حقاً بالوجود في إدلب.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل عادت سورية هل عادت سورية



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 02:16 2018 الثلاثاء ,25 أيلول / سبتمبر

أحدث صور مطابخ عصرية و إرشادات قبل تصميمها

GMT 23:25 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

الحدادي يكشف عن سر التحاقه بالمنتخب وروسيا

GMT 20:05 2019 الأربعاء ,20 آذار/ مارس

ألبا يدافع عن قرار بيكيه باعتزال اللعب الدولي

GMT 19:36 2018 الأحد ,07 كانون الثاني / يناير

"عاليات الهمة" مخيم دعوي نسائي بمكتب الدعوة في أبوعريش

GMT 15:46 2018 الأحد ,07 كانون الثاني / يناير

رد محتشم من الأمم المتحدة على انتهاكات البوليساريو

GMT 08:09 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

بن عتيق يكشف آخر تطورات أزمة المغاربة العالقين في ليبيا
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca