اللقاح ضد «كورونا» بين الأمل والمخاوف

الدار البيضاء اليوم  -

اللقاح ضد «كورونا» بين الأمل والمخاوف

آمال موسى
آمال موسى

أثار فيروس «كورونا» جدلاً وتحدياً علميين. ولكن الملاحظ أنَّ هذا الجدل تميَّز بالغموض والتناقضات، والتعتيم على أطروحات وتكثيف الضوء على أطروحات مضادة.

طبعاً يبدو الأمر في ظاهره غريباً وغير قابل للتفسير والفهم. ذلك أنَّه غموض لا يناسب الموضوع محل الجدل، ولا طبيعة اللحظة الاتصالية العالمية المفتوحة والمتقاربة، فيجب ألا ننسى أنَّ هذه الجائحة التي أصابت الملايين وأودت بحياة ملايين، إنّما تمثل تحدياً علمياً طبياً حقيقياً لعالم كان يعتقد أنه سحق الطبيعة وانتصر عليها وما عادت تقهره.

ولكن مع ذلك لم نرَ في شاشات التلفزيونات التي تتجاوز الآلاف في العالم حوارات ونقاشات علمية تشفي الغليل، وتجعل الناس يفهمون مع العلم أنَّ الحاجة للمعلومات، ولفهم مدى إمكانية القضاء على هذا الفيروس باتت عامة، وتشمل الجميع على حد السواء.

الأطباء العلماء لم يقتنصوا هذه اللحظة لتأمين نقاشات خارج ما حصل من محاولات تهميش البعض لبعضهم بعضاً.

ماذا نفهم من كيفية إدارة بعض النقاشات العلمية حول فيروس «كورونا»؟ لا شك في أن المشكل ليس شخصياً بين العلماء الأطباء، بل إن الكلام عن الحل والدواء واللقاح المنشود وضرورته ومدى نفعيته... هنا يكمن المشكل لأنَّ هذا الكلام يجب أنْ يكون نفعيّاً ورأسماليَّ الغايةِ والتأثير، وكل كلام يشوّش على جهود الشركات العالمية المنكبة من يناير (كانون الثاني) الماضي على إيجاد لقاح ضد «كورونا» يجب أن يخضع للتعتيم الإعلامي وللتقليل من قيمته، وضرب ما يتضمنه من مصداقية الأطروحة وصاحب الأطروحة معاً.

ما نستنتجه من هذه الممارسات غير الظاهرة أنها تدخل في سياق استراتيجية تمهيد الطريق، والتقبل النفسي العام لما ستنتهي إليه جهود باحثي المخابر الدولية والشركات الكبرى. بل إنَّه حتى الأخبار التي كانت تبث من حين إلى آخر حول أن الفيروس سيستمر لسنوات، وضرورة التكيف مع إجراءات التباعد والحماية يمكن القول إنّها في جزء منها خاصة المبالغ فيه والواثق من دون أدلة، وأنه ينخرط ضمن تهيئة اللحظة المواتية لتلقي خبر التوصل لابتكار لقاح ضد «كورونا»، فيكون الخبر عظيماً ومفرحاً بما يجعل الطلب عظيماً ومحققاً للربح الوافر.

من المهم أن نتذكر ونحن نتعامل مع أخبار اللقاح المبتكر، وخاصة آخر هذه الأخبار التي تقول إن شركتي «بيونتيك» الألمانية و«فايزر» الأميركية على وشك الحصول على تصريح لاستخدام لقاح لفيروس «كورونا» أن تاريخ اللقاحات ومقاومة الفيروسات المستجدة يشير إلى أن العملية تستوجب الوقت والصبر والتريث، وأنَّ هناك مساراً كاملاً يتم على مراحل، وقد يستغرق عقداً من الزمن. في حين أنَّ هذا الفيروس الخطير الذي قهر الإنسان الحديث لم يتجاوز الباحثون حتى الآن العشرة شهور من الأبحاث والاختبارات.

أيضا أهمية الوقت في اختبار اللقاحات عامل لا غنى عنه؛ لأنه لا يكفي تطبيق اللقاح على الآلاف كما حصل في الشركتين المشار إليهما، بل أيضاً الانتظار طويلاً، ومتابعة دقيقة لأن الأعراض ليست دائماً سريعة الظهور، إضافة إلى أن اللقاح بشكل عام ليس بالدواء العرضي، بل يتجذر في البنية الفيزيولوجية، ويؤثر على البعد الجيني الوراثي.

وبالنظر إلى هذه الاحترازات نتساءل: بناءً على ماذا تتحدث شركتا «بيونتيك» و«فايزر» عن أن اللقاح فعال بنسبة 90 في المائة؟ هل يسمح العلم وصرامته بإطلاق مثل هذه النسبة، أم أننا أمام حملة ترويج تتعامل مع اللقاح بوصفه سلعة كما تنص ثقافة ومبادئ السوق؟ المشكل أنه حتى وسائل الإعلام انخرطت في الدعاية والترويج بعلم منها ومن دونه.

لا شك في أنَّ كل خبر يبشر بوجود دواء أو لقاح هو أمل ومبعث فرح، ولكن بما أن هذا اللقاح تنتظره مليارات من الناس في العالم، وبما أن المسألة تتعلق بصحة الإنسان، وبالنظر إلى السرعة التي عرفتها الأبحاث واللقاحات، فإنَّ المطلوب ليس التعامل الانفعالي الأعمى والانقيادي المحض مع هذه الأخبار والإنجازات، بل من واجب وسائل الإعلام تأمين خطاب عقلاني استدلالي حول الموضوع، ومكافحة الباحثين والشركات بالأطروحات المضادة والمخاوف والشكوك، وننصت لمستندات الدفاع عن اللقاح بشكل واضح ومباشر.

إنَّ فكرة أنَّ مليارات من الناس سيستعملون آجلاً أم عاجلاً لقاحاً لفيروس خطير سريع التغيير ويتشكل على نحو مختلف، والحال أنه أقصر لقاح في الوقت الذي استغرقته الأبحاث للتوصل إليه هي فكرة مخيفة، وتحتاج إلى الحذر، وإلى الفهم وإعطاء الكلمة للمشككين بشكل علمي وبرهاني وعقلاني في اللقاح؛ لأنَّ خلق هذا الجدل العلمي يقمع جشع السوق ويسهم في تطور العلم.
إذا ظهرت أعراض غير متوقعة للقاح المروج له، فإنَّ هؤلاء الباحثين لا أحد سيحاسبهم، فهم مجتهدون وغير مطالبين بالنتائج. في حين أنَّ معاهد البحوث الطبية المختصة ومنظمة الصحة العالمية وأيضاً وسائل الإعلام مطلوب منها ممارسة الوظيفة النقدية: تشجيع الأبحاث والاستبشار بالحلول والابتكارات الطبية، ولكن مع ممارسة النقد وتمرير محاذيرها، والحرص على نشر هذه المحاذير. والمستفيد طبعاً هو الإنسان.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اللقاح ضد «كورونا» بين الأمل والمخاوف اللقاح ضد «كورونا» بين الأمل والمخاوف



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 00:29 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

طه رشدي يكشف أنّ لغة الإعلانات هي لغة مناورات

GMT 07:24 2017 السبت ,16 أيلول / سبتمبر

ابتكار روبوت النانو المصنوع من الحمض النووي

GMT 08:55 2016 الجمعة ,23 كانون الأول / ديسمبر

"مالية الوداد"..

GMT 18:36 2016 الأحد ,27 آذار/ مارس

علاج ثقل الراس والدوخه

GMT 20:30 2015 الخميس ,22 كانون الثاني / يناير

أفضل 10 فنادق تنعش السياحة في مدينة مراكش المغربية

GMT 16:52 2014 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة أحمد الزيدي أكبر خصوم لشكر في "الاتحاد الاشتراكي"

GMT 01:58 2015 السبت ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل مقصورات الدرجة الأولى على الخطوط الجوية العالمية

GMT 02:39 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

"فقهاء دين" يسرقون مجوهرات من مغربية على طريقة "السماوي"

GMT 08:04 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

جامعة نجران تنفّذ دورة "حل المشكلات واتخاذ القرار"
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca