زنيبر : حكاية مكناسية للذواقيين فقط !

الدار البيضاء اليوم  -

زنيبر  حكاية مكناسية للذواقيين فقط

بقلم : المختار الغزيوي

متى سمعت إسم زنيبر أول مرة؟
كنت في السادسة أو السابعة من العمر وقال مكناسي لمكناسي أمامي في قبة السوق داخل المدينة القديمة وهما يتشاجران “شكون بغيتي تكون؟ واخا تكون نتا هو زنيبر”.
رن الإسم في الذهن مني رنينا خاصا، وتساءلت بعقل الصغر يومها “ترى من يكون هذا الإسم الذي جعله شخص في مواجهة شخص قمة مايمكن أن يكونه الإنسان في مكناس في نهاية السبعينيات من قرن الناس الماضي ذلك؟”
نسيت الحكاية أو تخيلت أنني نسيتها، لكن إسم زنيبر ظل ملاحقا لي طيلة حياتي في المدينة التي أنجبتني وربتني وعلمتني وأحببتها وخرجت منها هاربا منذ علمت أنها سقطت بين أيدي من لا قلب لهم عليها، وتلك حكاية أخرى ذكرها وأوانها وتبيان فصولها وتفاصيلها قد يأتي يوما، وقد لا يأتي إذا ما أراد له اللاشعور أن يبقى حبيس الكتمان، وحبيس عديد الخيبات الفردية والجماعية التي تجمعنا نحن مكناسيي الشتات كلما التقينا حول طعام أو مأكل أو مشرب أو مرقص وكلما استلت لنا الذكريات حنين الحديث عن الحاضرة الأم التي ولدتنا جميعا والتي أصبحت على ماهي عليه اليوم: بالكوديم في قسم الهواة وببوانو مرشحا فوق العادة عليها ولها وبكثير الإخفاقات…
بعد التقدم في السن قليلا عرفت الحاج ابراهيم زنيبر. عرفت أنه صاحب ضيعات الكرم الممتدة على مكان من الضاحية الجنوبية حتى الأخرى الشرقية، وأنه الرجل الذي يرعى نبيذ مكناس ويوصله إلى كل مكان في العالم
لم أحتفظ في يوم من أيام حياتي بموقف سلبي من الحكاية. اعتبرت أن الأرض جادت وتجود على المكناسيين بالمياه الحلوة، وبالماء العذب وتسقي أراضيهم الطيبة بما لايمكن أن يتوفر في أي أرض أخرى فتنجب تلك التربة عنبا نادرا من النوع الرفيع هو الذي يعطي في ختام المطاف من يسميها القدامى “بنت الكرم” ومن يسميها الندامى “الأحمر العتيق” أو “الروج” أو ما شئت من المسميات
لزنيبر حكاية مقاومة في هذا المجال لابد من ذكرها. بعد أن شرع في استثمار أراضيه كان الوحيد ربما الذي واصل. العديدون قرروا أن الأرض التي تنجب ذلك العنب يجب أن تموت، وأنه من غير اللائق إنتاج الشراب الحرام في بلاد لا يجوز فيها – حسبما تقول الأسطورة – أن يباع الخمر إلا لغير المسلمين
سبق زنيبر وقته، وسأل نفسه والمحيطين “من أكبر مستهلك لما نصنعه من بنات الكرم؟”
كان الجواب واضحا: المسلمون المغاربة أولا، بعض اليهود المغاربة ثانيا، قلة من المسيحيين المقيمين في المغرب ثالثا، ثم ما يستهلكه الأجانب في البلدان الأخرى رابعا”. لذلك كان الاستمرار في الحكاية كلها
بمنطق الأرقام كان زنيبر يشغل أكثر من ‪ثلاثة آلاف مغربي يتلقون رواتبهم ورواتب عيش أسرهم منه، وكان يشغل في موسم الجني رقما أكبر من ذلك بكثير ‬
‪التقيت على امتداد سنوات عيشي في المدينة التي ولدت فيها بأسر كثيرة تشتغل لدى زنيبر وضيعاته.‬
‪ كنت أجدني وأنا ابن الفقيه الإمام الذي يعيش حياته كلها بمنطق الحلال والحرام، مضطرا دوما إلى طرح السؤال عن الحلال والحرام حقا في المسألة. كان الرد يأتيني عاديا على لسان مغاربة بسطاء كانوا بالتأكيد أدرى مني بالأشياء “ربي غفور رحيم”. ‬
‪كانوا يختزلون بالجملة عديد النقاشات الفارغة، التي ينخرط فيها أولئك الذين لا يخطئون، والتي يروجها أولئلك الذين لا يزلون، من يشبهون الملائكة التي تحيا بيننا، التي تحترم الحلال وتحياه، والتي ترفض الحرام وتتجنبه والتي لا ترتكب أبدا أي معصية ولا تأتي أي لمم ولا تخطئ على إطلاق الإطلاق ‬
‪علمني أولئك المغاربة يومها ومنذ ذلك الحين أن الأشياء كلها تقريبية، وأن ماقد يبدو لك أنت واضحا تستل يقينياتك الزائفة لكي تواجهه بها، قد يبدو لآخر شيئا قابلا للنقاش‬
‪لذلك بقيت على حيادي من الحكاية لم أتعرف على تفاصيلها إلا بعد أن علمت أن الرجل مستثمر كبير في مجال الصناعة الفلاحية في الوطن، وأنه يوفر مناصب شغل عديدة لأبناء هذا الوطن، وأنه يدخل إلى خزينة الحكومة المغربية مئات الملايين من الدراهم لكي يستطيع ابن كيران أن يجول في كل مكان من المغرب اليوم ويقول للمغاربة “صوتوا على الحزب الإسلامي الوحيد الذي يواجه التحكم”.‬
‪ليلة الخميس/الجمعة، أتاني هاتف حزين من مكناس، قال لي “الجمعة لن تكون إلا بطعم كئيب، لن ترفع أنخاب، ولن يقرع أي كأس نظيره. الحاج ابراهيم زنيبر في لحظات العيش الأخيرة من الحياة. أطلب له الفرج”‬
‪بيني وبين خالقي رددت كثيرا من كلمات الدعاء بالرحمة والغفران، وأنا المتأكد أن الرحمان الرحيم وهو الذي قال لنا في المحكم من كلمه “ورحمتي وسعت كل شيء” سيشملنا جميعا ‬  بهاته الرحمات ‬
‪فقط يجب أن نتحلى نحن كآدميين خطائين ببعض من هاته القدرة على الرحمة، وببعض من قدرة على عدم القطع بغباء مع كل الأشياء…‬

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زنيبر  حكاية مكناسية للذواقيين فقط زنيبر  حكاية مكناسية للذواقيين فقط



GMT 04:18 2017 الجمعة ,04 آب / أغسطس

الملك والشعب…والآخرون !

GMT 04:27 2017 الجمعة ,28 تموز / يوليو

أطلقوا سراح العقل واعتقلوا كل الأغبياء !

GMT 06:11 2017 الخميس ,01 حزيران / يونيو

ولكنه ضحك كالبكا…

GMT 05:21 2017 الإثنين ,01 أيار / مايو

سبحان الذي جعلك وزيرا ياهذا!

GMT 15:10 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

رئيس الرجاء يحاول اقتناص لاعبين أحرار بدون تعاقد

GMT 05:33 2017 الخميس ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن موقع هبوط يوليوس قيصر لغزو بريطانيا

GMT 09:33 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

عهد التميمي

GMT 10:19 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الروسي يعلن وصول أول كتيبة من سورية إلى موسكو

GMT 11:50 2016 الثلاثاء ,20 أيلول / سبتمبر

مقتل 4 من عناصر "بي كا كا" في قصف تركي شمالي العراق

GMT 06:09 2017 الجمعة ,01 كانون الأول / ديسمبر

8 معلومات مهمة عن "جسر العمالقة" تزيد الفضول لزيارته

GMT 17:21 2016 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

مدرب الأرجنتين يعلن عن تشكيلته لمواجهة البرازيل

GMT 00:21 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

صحيفة بريطانية تكشف أفضل 10 فنادق في مدينة روما

GMT 22:46 2017 الخميس ,28 أيلول / سبتمبر

حسن الفد يعيد شخصية كبور من خلال عرضه " سكيتش"

GMT 16:29 2017 الثلاثاء ,03 كانون الثاني / يناير

2016 عام حافل بالأنشطة والعروض في الدار العراقية للأزياء

GMT 04:38 2015 الثلاثاء ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

مرضٌ خطير يصيب الأبقار ويعزل عشرات القرى في سطات

GMT 21:21 2015 الأربعاء ,11 آذار/ مارس

وفاة الممثل المسرحي المغربي إدريس الفيلالي
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca