نوستالجيا.. «التفسير الواضح»

الدار البيضاء اليوم  -

نوستالجيا «التفسير الواضح»

بقلم - جمال بودومة

كنّا أشقياء أيّام الدراسة، وكان امتحان الشهادة الابتدائية يشبه الصراط المستقيم. بالإضافة إلى المسائل الرياضية و«الإيكْسبريسيون إيكْريت» والسدود والحدود ومنْ أسّس مدينة وجدة؟ وفي أي سنة؟ كان هناك القرآن الكريم. سوَر طويلة جدّا. أو هكذا كانت تبدو لنا، ممدّدة على صفحات كرّاس يسمّى -رغم غموضه الشديد- «التفسير الواضح»: «الرحمان علّم القرآن» و«سبّح باسم ربّك الأعلى» و«الواقعة» وما أدراك ما الواقعة. كان عليك أن تحفظ هذه السور الطويلة إذا أردْت أن تنجح في امتحان العبور إلى الثانوية والمراهقة والفحولة، وكان المدرّسون يخصصون حصصا مكثّفة لاستظهار القرآن، إعدادا للامتحان الكبير. المدارس، وقتها، كانت تشبه معتقلات سرية تمارس فيها كل أنواع التعذيب، وكانت للمعلم عصا لا تفارق يده، يهشّ بها علينا وله فيها مآرب أخرى.

كان يتلذذ بـ«سلخنا» أثناء حصة الاستظهار بمنتهى السادية. نستظهر السور بالتتابع. حينما يأتي دورك تقف وتشرع في تمتمة ما حفظته من آيات بيّنات. إذا أخطأت أو بالغت في التلعثم يناديك إلى مكتبه لتذوق طعم السفرجل، أقصد عصا السفرجل التي تترك آثارا فتاكة على الجسد. كان الروبيو أكثرنا قدرة على الوقاحة وزرع البلبلة، وعلى الابتكار أيضا. عندما يأتي دوره، يكون قد وضع مسبقا نسخته من «التفسير الواضح» على الأرض، مفتوحة على الآية المطلوبة، ثم يشرع في القراءة، بصوت رخيم أقرب إلى البكاء، كأنّه عبد الباسط عبد الصمد. حينما ينهي الصفحة التي أمامه، يلجأ إلى تكرار المقطع الأخير في انتظار أن يزحف التلميذ الذي يجلس وراءه كي يقلب الورقة، في غفلة عن المعلم السادي وعصاه السفرجلية. وقد يحدث أن يعاقبنا نحن الأبرياء الذين نغالب ضحكاتنا، عوض الغشّاش البارع. لم يكن يخالجه شك في أنه تلميذ مجتهد وفقيه واعد… بمجرد ما نغادر المدرسة، ننسى الآيات البينات والعقاب والدروس وعصا المعلم. نهرع إلى البيت كي لا تفوتنا حصة اليوم من الرسوم المتحركة.

كانت هناك قناة واحدة تبدأ في السادسة مساء، بدائرة مزركشة وأغان مسجلة، قبل أن تظهر مذيعة الربط بابتسامتها الصفراء وتسريحتها العتيقة. نجري كي لا يفوتنا الصحن الدوار والسندباد البحري والليث الأبيض والنسر الذهبي وجزيرة الكنز… وفي صباح الأحد، نغادر فراشنا باكرا كي نشاهد طوم صويور ومغامراته التي تشبه كثيرا مغامراتنا، رغم أنه عاش في القرن التاسع عشر. كان التلفزيون بالأبيض والأسود والعالم أيضا. كان المغرب يعيش في عصر سحيق. إذا تكلمت في السياسة تسمعك الجدران. المقاهي مملوءة عن آخرها بالمخبرين الذين يقرؤون الجرائد بالمقلوب ويتنصتون على أحاديث الناس. كان الخوف واحدا من أفراد العائلة. ربيناه في صدورنا وبيوتنا ورأيناه يكبر، مثلما ربينا التكتم والاحتيال، وكثيرا من العقد التي صارت اليوم تعيق تقدّم البلاد، بعدما أصبحنا جيلا يدبّر الحاضر والمستقبل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نوستالجيا «التفسير الواضح» نوستالجيا «التفسير الواضح»



GMT 04:10 2017 الجمعة ,01 أيلول / سبتمبر

هل يثق العرب فى بعضهم؟

GMT 05:22 2017 الخميس ,31 آب / أغسطس

من قتل ناجي العلي؟

GMT 05:19 2017 الخميس ,31 آب / أغسطس

جلب وليد الكردي.. وقرار الثلاثاء المفاجىء

GMT 05:17 2017 الخميس ,31 آب / أغسطس

لا تقل هذا خطأ وتصمت قل لنا ما هو الصواب

جورجينا تثير اهتمام الجمهور بعد موافقتها على الزواج وتخطف الأنظار بأجمل إطلالاتها

الرياض - الدار البيضاء اليوم

GMT 08:07 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الميزان الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 07:30 2018 الإثنين ,10 أيلول / سبتمبر

تسيبراس يعد المواطنين بخفض معدلات البطالة

GMT 22:59 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

شركة تويوتا تكشف عن سيارتها "كورولا 2020" الجديدة كليًا

GMT 12:45 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

تنظيم حملة للتبرع بالدم في مدينة وجدة

GMT 18:56 2015 الإثنين ,22 حزيران / يونيو

عامر يتأهل لنصف نهائي البطولة الأفريقيَّة للسلاح

GMT 11:21 2017 الجمعة ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدي لاستقبال فصل الشتاء بخطوات بسيطة في المنزل

GMT 21:57 2016 الخميس ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

النجمة الهندية دراتشي دهامي تنشر صور زواجها على "إنستغرام"

GMT 23:37 2019 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

توقيف شخصين رفقة شابتين في أوضاع مخلة في أغادير

GMT 03:45 2019 الأربعاء ,20 آذار/ مارس

ماديسون بير تتألق باللون الأبيض في لوس أنغلوس

GMT 04:55 2019 الأربعاء ,16 كانون الثاني / يناير

طرح منزل بسيط في ملبورن للبيع مقابل 2 مليون دولار

GMT 17:30 2018 الأربعاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

إدارة سجن وجدة تنفي دخول معتقلي "جرادة" في إضراب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
RUE MOHAMED SMIHA,
ETG 6 APPT 602,
ANG DE TOURS,
CASABLANCA,
MOROCCO.
casablanca, Casablanca, Casablanca