من يملأ الفراغ الأميركي...

الدار البيضاء اليوم  -

من يملأ الفراغ الأميركي

خيرالله خيرالله
خيرالله خيرالله

لا توحي ردود فعل إدارة جو بايدن على اجتياح "طالبان" لأفغانستان، بما في ذلك كابول، بكثير من الثقة في هذه الإدارة. نفذّت "طالبان" ما ارادته بعدما اوحت الى الاميركيين الذين تفاوضت معهم، في الدوحة وغير الدوحة، بأنّها على استعداد للتعامل بطريقة هادئة وعقلانيّة مع الانسحاب العسكري الأميركي من البلد. من يشاهد ما يحدث في مطار كاوبل يترحّم على الانسحاب الأميركي من فيتنام في نيسان – ابريل من العام 1975 لدى مغادرة آخر أميركي سايغون في طائرة هليكوبتر أقلعت من سطح السفارة الاميركية...

حسناً، قدمت إدارة بايدن كل المبرّرات التي تجعل الانسحاب العسكري من افغانستان منطقيّا وذلك في ضوء الفشل في إقامة نظام سياسي قابل للحياة وجيش قويّ متماسك. بين المبررات ايضا حجم الأموال التي صرفت في أفغانستان والخسائر البشريّة التي لم تخدم المشروع السياسي الأميركي الذي بدأ تنفيذه في العام 2001 في عهد الرئيس بوش الابن. لكنّ كلّ هذه المبررات تسقط امام ما يجري على ارض الواقع واستعجال "طالبان" دخول كابول.

توحي ردود فعل الإدارة بوجود نوع من السذاجة او عدم الاكتراث بمستقبل أفغانستان وشعبها. ليس صحيحا ما قاله وزير الخارجية الأميركي انطوني بلينكن عن ان اميركا حققت أهدافها في أفغانستان، إذ كانت تريد فقط القضاء على الإرهاب. لم يأخذ بلينكن في الاعتبار ان إرهاب "طالبان" يتجاوز العلاقة التي اقامتها مع "القاعدة" وايواء الإرهابي أسامة بن لادن الذي كان وراء "غزوتي نيويورك وواشنطن". تجاهل كلّيا انّ إرهاب "طالبان" يمارس على الشعب الافغاني وعلى المرأة خصوصا. اليس حرمان المرأة من التعليم إرهابا؟ اليس حجرها في بيتها إرهابا؟ اليس فرض زيّ معيّن على النساء إرهابا؟

كشفت إدارة بايدن ضعفا اميركيا ليس بعده ضعف لا يشبه سوى ضعف إدارة جيمي كارتر التي لم تعرف ماذا تعني اطاحة نظام الشاه في ايران وعودة آية الله الخميني ليقيم "جمهورية اسلاميّة" على مقاسه. كان احتجاز دبلوماسيي السفارة الأميركية في طهران 444 يوما ابتداء من تشرين الثاني – نوفمبر 1979 نقطة تحوّل على صعيد السياسة الأميركية في تعاطيها مع ايران. كشف احتجاز الدبلوماسيين رهائن عجز الولايات المتحدة على الرد الفعّال على ما قامت به السلطة الجديدة في ايران التي نجحت في اوّل اختبار لها للنيّات الاميركيّة. في الواقع كشف كارتر، الذي كان ساذجا الى حدّ كبير، أنّ ادارته ما زالت تعاني من عقدة فيتنام.  

ما يثير مخاوف كثيرة في المنطقة الممتدة من أفغانستان الى موريتانيا، مرورا بالخليج والشرق الأوسط، إننا أمام إدارة أميركية يبدو انّها لا تَفقَه بألِف باء المنطقة والشرق الأوسط وتعقيداتهما. الخوف، كلّ الخوف، ان تكون إدارة بايدن امتدادا لادارة باراك أوباما التي سقطت امام ايران سقوطا ذريعا. كان السقوط الاميركي في الامتحان السوري مدوّيا، وذلك بعد استخدام بشّار الأسد السلاح الكيميائي في حربه على شعبه في مثل هذه الايّام من العام 2013. وفّر هذا السقوط الاوبامي دليلاً على أنّ ليس أمام العرب بعد الآن غير أخذ أمورهم بيدهم. فلو إتَّكل العرب، على سبيل المثال فقط، على حسن نيّة الإدارة الأميركية لكانت مصر في خبر كان... لكانت مصر الآن في يد الإخوان المسلمين الذين على استعدادٍ لعقد كل نوع من الصفقات مع ايران ومع غير إيران من أجل البقاء في السلطة والمساهمة في تفتيت المنطقة.

من كارتر الى جو بايدن، مرورا بباراك أوباما، هناك سوابق لا تشجّع على الوثوق بالإدارة الأميركية الحالية، خصوصا انّ كلّ الكلام الذي قاله الرئيس الأميركي عن "طالبان" قبل الاستسلام امامها لم يكن صحيحا. اكّد بايدن اخيرا ان "طالبان" ليست جيش فيتنام الشمالية الذي بلغ سايغون في نيسان – ابريل 1975. سيكتشف عاجلا ام آجلا ان "طالبان" لم تتغيّر ولا تستطيع ان تتغيّر وانّها منظّمة تنظيما جيّدا.

قد تكون الحسنة الوحيدة للانسحاب الأميركي من أفغانستان وما آلت اليه الأوضاع في البلد انكشاف إدارة بايدن. ليس منطقيا ان تكون هذه الإدارة جاهلة الى هذا الحدّ بما يدور داخل أفغانستان وبالقدرات التنظيمية لدى "طالبان" الابن الشرعي للمخابرات العسكريّة الباكستانيّة. ليس منطقيا أيضا الّا يكون هناك اطلاع أميركي على ما يدور داخل المؤسسة العسكرية الأفغانية التي اشرف على إعادة بنائها منذ 2001 ضباط اميركيون وآخرون من حلف شمال الأطلسي. نظريا، كان هناك 300 الف جندي أفغاني. تبخّر هؤلاء بمجرّد اعلان الرئيس الأميركي أنّ بلاده ستنسحب من أفغانستان عسكريّا قبل حلول الذكرى العشرين على 11/ 9 /2001. تبيّن بكل وضوح ان النظام القائم في أفغانستان والذي على رأسه اشرف غني كان نظاما فاسدا وانّ الرئيس الافغاني، تماما مثل سلفه حامد كرزاي، ليس اهلا لتولي مسؤولية البلد. سارع غني الى الهرب بمجرد ان قرع مقاتلو "طالبان" أبواب كابول...

في كلّ الأحوال، ان السؤال الذي سيطرح نفسه بعد وضع "طالبان" يدها على كابول، من سيملأ الفراغ الأميركي في أفغانستان والمنطقة كلّها. الأكيد ان استسلام اميركا امام "طالبان" ليس خبرا جيّدا، لكنّ الأكيد أيضا انّ الحركة أظهرت من خلال طريقة دخولها كابول انّها حركة منظّمة تنظيما جيّدا وانّ هناك قيادة لها تعرف تماما ماذا تريد.

ليس معروفا بعد هل الاستسلام الأميركي امام "طالبان" نهائي. كلّ ما هو معروف ان الشعب الافغاني امام معضلة كبيرة اسمها حكم "طالبان" التي لن تتردّد في فرض ثقافة الموت على بلد راح يتراجع داخليا منذ سقوط الملكيّة فيه في منتصف سبعينات القرن الماضي.

جرّبت اميركا حظّها مع أفغانستان. قبلها، جرّب الاتحاد السوفياتي حظّه وفشل فشلا ذريعا. كان التدخل السوفياتي في أفغانستان من أسباب انهيار القوة العظمى الثانية في العالم. نجحت "طالبان" حيث فشلت اميركا والاتحاد السوفياتي... المشكلة ان ليس لديها مشروعها السياسي والاقتصادي. تشبه "طالبان" الحوثيين في اليمن. كلّ ما تستطيعه اخذ أفغانستان الى المجهول بعدما نجحت في كشف مدى ضعف إدارة بايدن التي تقول ان لديها هموما أخرى غير أفغانستان.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من يملأ الفراغ الأميركي من يملأ الفراغ الأميركي



GMT 09:12 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

الخضرة والماء والوجه الحسن

GMT 09:08 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

اللبنانيّون وقد طُردوا إلى... الطبيعة!

GMT 09:04 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

الضوء الأخضر للإرهاب

GMT 08:57 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

تايوان... «أوكرانيا الصين»!

GMT 08:52 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

أصوات العرب: جوّال الأرض

جورجينا تثير اهتمام الجمهور بعد موافقتها على الزواج وتخطف الأنظار بأجمل إطلالاتها

الرياض - الدار البيضاء اليوم

GMT 00:01 2018 الأربعاء ,16 أيار / مايو

دجاج على الطريقة الصينية "دجاج كانتون"

GMT 22:00 2017 الأربعاء ,19 تموز / يوليو

الارشيف الوطني ومشجب أسرار الدفاع الوطني

GMT 03:34 2017 الثلاثاء ,10 كانون الثاني / يناير

طرح منزل الكشافة بادن باول للبيع مقابل 3.5 مليون استرليني

GMT 16:43 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

متشرد يوقف "طرامواي’" الدارالبيضاء في الحي المحمدي المغربي

GMT 11:24 2018 الجمعة ,14 كانون الأول / ديسمبر

وفاة الفنان حسن كامي والفنانون ينعوه برسائل مؤثرة

GMT 06:35 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

سعر نفط عُمان يرتفع الى 71.14 دولار الخميس

GMT 12:44 2018 الأحد ,14 تشرين الأول / أكتوبر

هوجو جاستون يحرز ذهبية التنس في أولمبياد الشباب

GMT 07:00 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

ألوان ظلال الجفون "الصارخة" تسيطر على موضة الخريف

GMT 22:22 2018 السبت ,14 تموز / يوليو

اكتشفي طرق سهلة و مريحة لتنظيف أواني الطهي

GMT 07:08 2018 الجمعة ,06 تموز / يوليو

تعرف على سبب تسمية الجامع الأزهر

GMT 04:42 2018 الخميس ,14 حزيران / يونيو

حجز أدوية مهربة وغير مرخصة في بني ملال
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
RUE MOHAMED SMIHA,
ETG 6 APPT 602,
ANG DE TOURS,
CASABLANCA,
MOROCCO.
casablanca, Casablanca, Casablanca