النظام الجزائري... وعقدة المغرب!

الدار البيضاء اليوم  -

النظام الجزائري وعقدة المغرب

خيرالله خيرالله
خيرالله خيرالله

مع وجود نظام مثل النظام الجزائري، يصعب التكهّن اين يمكن ان يتوقّف التصعيد الذي يلجأ اليه هذا النظام وذلك في ضوء خطوة قطع العلاقات الديبلوماسيّة مع المملكة المغربيّة. حشر النظام الجزائري خياراته كلّها في التصعيد بسبب ازمته الداخلية العميقة اوّلا وعجزه عن الاستجابة لليد المغربيّة الممدودة ثانيا واخيرا. من يحشر نفسه في مثل هذا الخيار يكشف مرّة أخرى المعاناة من عقدة المغرب...

في ظلّ مثل هذا الوضع الذي يعكس تخبّطا جزائريا، ثمّة ما يدعو فعلا الى القلق. في اساس القلق عمق المأزق الداخلي الذي يعاني منه نظام بدّد أمواله على كلّ شيء باستثناء رفاه الشعب الجزائري وهمومه. لا يمتلك هذا النظام حدّا ادنى من الجرأة للاعتراف بانّه مرفوض من شعبه اوّلا. يرفض النظام مصارحة نفسه بغية اخذ العلم بانّ التصعيد مع المغرب لا يمكن ان يأتي له بشرعيّة. لا يريد ادراك أنّ عهد النفط والغاز واموالهما ولّى منذ خريف العام 1988 عندما حصلت الانتفاضة الأولى للشعب الجزائري في عهد الشاذلي بن جديد. سقطت وقتذاك الشرعيّة عن النظام الجزائري، نظرا الى انّها في الأصل شرعيّة مزيّفة تقوم على استخدام العسكر أموال النفط والغاز لتهدئة الداخل والتدخّل في الخارج.

الامر الوحيد الذي يمكن ان يأتي بأيّ شرعية للنظام يتمثّل في إعادة النظر في الأسس التي قام عليها، أي على مجموعة أوهام ولا شيء آخر. هذه أوهام، يفترض بالنظام الجزائري التخلّص منها عاجلا ام آجلا بدل متابعة سياسة الهرب الى خارج حدوده ورفع شعارات فضفاضة لا ترجمة لها على ارض الواقع من نوع حقّ تقرير المصير للشعوب.

لو كان النظام الجزائري يؤمن حقيقة في حقّ تقرير المصير للشعوب، وهو الشعار الذي يبرّر به حرب الاستنزاف التي يشنّها على المغرب، لكان سارع الى إعطاء حق تقرير المصير للشعب الجزائري نفسه بكلّ مكوناته. كلّ ما في الامر، ان النظام الجزائري حاقد على المغرب كونه استعاد سلما في العام 1975، بواسطة "المسيرة الخضراء"، اقاليمه الصحراويّة التي كانت تحت الاحتلال الاسباني. استخدم النظام الجزائري، الذي لا يزال يعيش في ايّام الحرب الباردة، أداة اسمها "بوليساريو" في حربه على المغرب واعترف بقيام "الجمهوريّة الصحراويّة" التي بقيت جمهوريّة فضائية لا وجود لها على الأرض.

لعلّ اخطر ما في الامر ان النظام الجزائري يؤمن بانّ في استطاعته اختلاق خطر خارجي يغطّى به الرفض الشعبي له. هذا الرفض الشعبي القديم تجلّى بأبهى صوره في السنتين الماضيتين في مناسبات عدة. في مقدّم هذه المناسبات الانتخابات الرئاسيّة التي أتت أواخر العام 2019 بعبدالمجيد تبّون، خيار العسكر، رئيسا للجمهوريّة. لم يجبر الجزائريون عبدالعزيز بوتفليقة، الرئيس المقعد، على الاستقالة في العام 2019، كي يأتي العسكر ببديل منه يكون مجرّد موظّف لديهم. فقد قاطع معظم الجزائريين، خصوصا في المناطق القبائلية، الانتخابات الرئاسية. قاطع الجزائريون بعد ذلك الاستفتاء على الدستور وقاطعوا الانتخابات النيابيّة. لا يريد المواطنون الجزائريون السماع بنظام يظنّ ان في استطاعته التذاكي عليهم كلّ الوقت بغية تبرير تقصيره على كلّ صعيد بدءا برفض المساعدة المغربيّة في إطفاء الحرائق وذلك كي لا يكتشف المواطنون ان المملكة الجارة جهّزت نفسها للحرائق ولديها طائرات خاصة لمكافحتها، فيما ليس لدى الجزائر سوى اتهام المغرب بالوقوف وراء الكارثة.

لم يعد امام النظام الجزائري سوى اتهام المغرب بانّه وراء فشل "الثورة الزراعيّة" او "الثورة الصناعيّة" او حملة التعريب، على يد اخوان مسلمين مصريين او بعثيين سوريين وعراقيين، وهي حملة انست الجزائريين اللغة الفرنسية ولم تعلّمهم العربيّة!

لم يكن ينقص سوى اتهام المغرب بانّه وراء انتشار "كوفيد – 19" في الجزائر وانكشاف حقيقة هزالة النظام الصحّي فيها، خصوصا بعدما اضطر رئيس الجمهوريّة نفسه الى الذهاب الى المانيا لتلقي علاجا فيها.

يشنّ النظام الجزائري منذ العام 1975 حرب استنزاف بالوكالة على المغرب عن طريق افتعال قضيّة اسمها قضيّة الصحراء. خسر النظام هذه الحرب، التي هي باب استرزاق لبعض المجموعات العسكرية في الجزائر، عسكريّا وسياسيّا. لم يدر منذ البداية انه يجب وقفها، خصوصا ان المغرب مستعد لتفاهمات تضمن للجزائر الوصول الى المحيط الأطلسي وانّما من دون تخليه عن سيادته على اقاليمه الصحراويّة. اكثر من ذلك، إن المغرب الذي دعم الجزائريين منذ حرب الاستقلال لم يتردّد يوما في الوقوف الى جانب الشعب الجزائري وكان اوّل من هب لمساعدته لدى وقوع احداث 1988 بكلّ ما تضمنّته من خطورة.

عندما يرفض النظام الجزائري كلّ العروض المغربيّة، بما في ذلك التفاوض من اجل إعادة فتح الحدود المغلقة منذ 1994 وعندما يتابع التحرش بالمغرب في اقاليمه الصحراوية، على نسق التحرّش الأخير في الكركرات، وعندما يرفض الاعتراف بان قضية الصحراء، من الفها الى يائها، قضيّة مفتعلة، لا يعود مستغربا ان يتابع سياسة الهرب الى امام... أي الى التصعيد.

تعني سياسة الهرب اوّل ما تعنيه انّ الصدام هو بين النظام والشعب الجزائري. يستأهل الجزائريون نظاما افضل يعرف على الاقلّ ما هو المغرب وما اهمّية التعاطي، مع "دولة عريقة " اسمها المغرب بغية الاستفادة من تجربتها ومما قال الملك محمّد السادس. قال العاهل المغربي قبل ايّام في الذكرى الـ68 لذكرى ثورة الملك والشعب: "المغرب مستهدف، لأنه دولة عريقة، تمتد لأكثر من إثني عشر قرنا، فضلا عن تاريخها الأمازيغي الطويل، وتتولى أمورها ملكية مواطنة، منذ أزيد من أربعة قرون، في ارتباط قوي بين العرش والشعب. المغرب مستهدف أيضا، لما يتمتع به من نعمة الأمن والاستقرار، التي لا تقدر بثمن، بخاصة في ظل التقلبات التي يعرفها العالم".

لا يستطيع النظام الجزائري، المصاب بعقدة المغرب، سوى اختلاق الحجج لنقل ازمته الى خارج حدوده. لم يحقق المغرب أي نجاح على حساب احد. لم يأخذ من درب احد. استطاع المحافظة على وحدته الترابية واستطاع الحصول على اعتراف أميركي بمغربيّة الصحراء. استقبلت الرباط إسماعيل هنيّة رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" واستقبلت بعد ذلك وزير الخارجيّة الإسرائيلي يائير لابيد. يلعب المغرب من فوق الطاولة وليس من تحتها. إنّه بلد متصالح مع نفسه، مع مواطنيه المسلمين واليهود قبل ايّ شيء آخر. الأكيد انّ المملكة المغربيّة في غنى عن مزايدات تصدر عن نظام يحتاج الى التصالح مع شعبه قبل أي شيء آخر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

النظام الجزائري وعقدة المغرب النظام الجزائري وعقدة المغرب



GMT 09:12 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

الخضرة والماء والوجه الحسن

GMT 09:08 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

اللبنانيّون وقد طُردوا إلى... الطبيعة!

GMT 09:04 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

الضوء الأخضر للإرهاب

GMT 08:57 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

تايوان... «أوكرانيا الصين»!

GMT 08:52 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

أصوات العرب: جوّال الأرض

GMT 19:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 20:31 2018 الأحد ,30 كانون الأول / ديسمبر

كومباني يعلن جاهزية مانشستر سيتي لمواجهة ليفربول

GMT 11:14 2018 الجمعة ,16 شباط / فبراير

تزيني بمجموعة مميزة من المجوهرات في عيد الحب

GMT 16:31 2016 الأحد ,21 شباط / فبراير

برانت دورتى ينضم لفيلم "Fifty Shades Of Grey"

GMT 01:15 2017 الأربعاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مميّزات جديدة في هاتف "iPhone X" الجديد من أبل

GMT 11:16 2014 الأربعاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة وفيتامينات لعلاج النهايات العصبية للجهاز العصبي

GMT 05:31 2016 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

علماء يتوصَلون لمعرفة مسارات طيور السنونو خلال رحلاتها

GMT 00:27 2017 الأحد ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

مناقشة كتاب "أيام من حياتي" سيرة سعد الدين وهبة

GMT 23:31 2017 الأربعاء ,05 إبريل / نيسان

الريان يخرج حمد الله من "جحيم" الجيش القطري

GMT 05:04 2016 الخميس ,14 كانون الثاني / يناير

ضريح القديس يهوذا وحصنه الشاهق يزيّنان جانسي الهندية

GMT 22:13 2019 الثلاثاء ,05 شباط / فبراير

لمسات مثيرة لرقبة زوجك قبل العلاقة الحميمة

GMT 22:18 2018 الأحد ,30 كانون الأول / ديسمبر

بايرن ميونخ يلتقي فورتونا دوسلدورف 13 كانون الثاني
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca