هموم مغربيّة لا يفهمها المزايدون

الدار البيضاء اليوم  -

هموم مغربيّة لا يفهمها المزايدون

خيرالله خيرالله
خيرالله خيرالله

مضحكة، بل سمجة، المزايدات التي تصدر عن بعض الجهات العربيّة أو عن فلسطينيين تنتقد استقبال المغرب لوزير الدفاع الإسرائيلي بني غانتس... كما لو انّ المغرب منع أحدا في يوم من الايّام من تحرير فلسطين. يضع المغرب مصلحته فوق أيّ مصلحة أخرى. مصلحته هي مصلحة الشعب المغربي ورفاهه وتحوّل المغرب الى بلد متقدّم يمتلك بنية تحتيّة في مستوى أي دولة اوروبيّة محترمة. يحترم المغرب نفسه. لا يحتاج الى دروس من احد، خصوصا من ذوي العاهات المزمنة الذين ما زالوا يعيشون في زمن الاعجاب بالهزائم والمخططين لهذه الهزائم.

تنمّ هذه المزايدات، قبل ايّ شيء آخر، عن جهل بالمغرب. إنّه جهل يقع على كلّ المستويات ببلد ذي موقع خاص من جهة وهموم من نوع آخر من جهة أخرى. في مقدّم هذه الهموم الانتماء الى القرن الواحد والعشرين ومتابعة الحرب على الفقر والتخلّف وتحصين المملكة في وجه التحدّيات التي تواجهها.

تؤكّد المزايدات التي تستهدف المغرب هذه الايّام وجود عالمين عربيين. عالم يسعى الى ربط نفسه بالمستقبل والثورة التكنولوجية وآخر اسير الماضي وكلّ ما له علاقة بالتخلّف. لا يمتلك المزايدون على المغرب أيّ ذاكرة، بما في ذلك الحقيقة المتمثّلة بأن مصر، أكبر دولة عربيّة، وقعت معاهدة سلام مع إسرائيل في آذار – مارس 1979. لم يوقّع الاردن مثل هذه المعاهدة في تشرين الأول – أكتوبر 1994، إلّا بعد توقيع ياسر عرفات رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية اتفاق أوسلو. وقّع "أبو عمّار" اتفاق أوسلو في حديقة البيت الأبيض بحضور الرئيس بيل كلينتون. لم يوقّع "أبو عمّار" مع اشباح، بل مع اسحق رابين الذي كان يشغل موقع رئيس الوزراء الإسرائيلي. ليس من معنى حقيقي لاتفاق أوسلو، الذي وقّعه الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني من دون ان يقرأ نصه بتمعّن، غير الاعتراف المتبادل بين حكومة إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. اين مشكلة المغرب في استقبال مسؤول إسرائيلي او في الحصول على تكنولوجيا إسرائيلية عندما تكون منظمة التحرير معترفة بإسرائيل وعندما يكون ايّ مسؤول فلسطيني في الضفّة الغربيّة في حاجة الى اذن إسرائيلي للخروج منها والى إذن خاص للعودة اليها...

يفوت المزايدين أنّ منظمة التحرير صارت "الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني" في قمة عربيّة. انعقدت القمّة في المغرب، في الرباط تحديدا في العام 1974، وليس في ايّ مكان آخر.

المهمّ انّ القافلة المغربيّة تسير من دون الالتفات الى ما يصدر عن الصغار الذين امتهنوا المتاجرة بالقضيّة الفلسطينية. هؤلاء لا يعرفون المغرب وتاريخه الحضاري. لا يعرفون ان المغرب يتقدّم لانّه يرفض المتاجرة بالفلسطينيين وقضيّتهم. على العكس من ذلك، يعمل المغرب على دعم هذه القضيّة بطرقه الخاصة، خصوصا انّ في إسرائيل مليون مواطن من اصل مغربي. ما زالت لهؤلاء علاقة ببلدهم الأصلي ولديهم ولاء له.

ركّز المغرب على تطوير نفسه. استطاع إقامة بنية تحتيّة متطورة تربط بين كلّ مدنه وبلداته ومناطقه. مثل هذه البنية التحتية، التي يستطيع أي زائر للمغرب التأكّد من وجودها، هي في أساس النمو الذي تشهده المملكة. الاهمّ من ذلك كلّه أن المغرب بلد يسوده فكر التسامح وان الملك محمّد السادس يحمل لقب امير المؤمنين، وهو مسؤول عن كلّ مواطن مغربي، اكان مسلما او يهوديا، كما هو مسؤول عن كلّ مقيم على ارض المغرب.

قبل سنة، قبل خروج دونالد ترامب من البيت الأبيض، اعترفت الإدارة الاميركيّة بمغربيّة الصحراء. في الوقت ذاته، أعاد المغرب العلاقات مع إسرائيل، وهي علاقات جمّدت في ضوء الانتفاضة الفلسطينية في أواخر العام 2000. كان هناك رهان لدى أعداء المغرب على أن الادارة الأميركية الجديدة ستعيد النظر في القرار الذي اتخذته إدارة ترامب. جاء اللقاء الذي عقده وزير الخارجيّة المغربي ناصر بوريطة مع وزير الخارجية الأميركي انطوني بلينكن ليكشف ان لا تغيير اميركيا في ما يتعلّق بالصحراء. تفسّر تلك الخيبة، التي تعرّض لها أعداء المغرب، الحملة المتجددة على المملكة من بعض الصغار الذين ازعجهم اقتناع الإدارة الأميركية بانّ لا وجود للعبة أخرى في المدينة، كما يقول الاميركيون، غير الطرح المغربي في ما يخصّ الصحراء. هناك تأييد أميركي ودولي متزايد لمشروع الحكم الذاتي الموسع، في اطار السيادة المغربيّة، الذي طرحته الرباط منذ سنوات عدّة.

تبقى اولويّة الأولويات الدفاع عن المصلحة المغربيّة. تقضي المصلحة الغربيّة بالاستعداد التام لايّ مفاجآت، اكان مصدرها الجزائر او غير الجزائر التي تعمل منذ فترة لا بأس بها على التصعيد مع جار مسالم لم يعتد على احد يوما. اذا كانت الأسلحة، مثل الطائرات المسيّرة التي مصدرها إسرائيل تخدم المصلحة المغربيّة، أين المشكلة في ذلك؟ المهمّ فعاليّة هذه الأسلحة في حال حصول اعتداء على المغرب. مثل هذا الاعتداء ليس مستبعدا في ظلّ التصريحات التي تصدر عن قادة جبهة "بوليساريو" التي ليست سوى أداة جزائريّة لا اكثر. الأكيد ان التصعيد مع المغرب لن يساعد في خروج النظام الجزائري من المأزق الذي وجد نفسه فيه. لن يحل التصعيد أي مشكلة لنظام تسيطر عليه المؤسسة العسكريّة لا يبدي استعدادا للتصالح مع شعبه اوّلا.

نعم، هناك عالمان عربيان في الوقت الحاضر. عالم يبحث عن ان يكون مرتبطا بالمستقبل، عالم يعتبر المغرب من بين ابرز رموزه... وعالم مصرّ على البقاء في اسر عقد الماضي وهزائمه. ليس المغرب وحده الذي يتطلع الى المستقبل. يُفترض بالمزايدين ادراك أنّ المنطقة كلّها تتغيّر. من كان يتصوّر ان الأردن وإسرائيل ستوصلان برعاية إماراتية الى اتفاق في شأن الطاقة الشمسيّة في مقابل تحلية المياه. ينتج الأردن الطاقة الشمسيّة، وهي طاقة نظيفة، على ان تستخدمها إسرائيل في تحلية كميات من المياه تحتاج المملكة الهاشميّة اليها بشدّة. يعتبر الأردن من افقر بلدان العالم مائيا. ما الذي يمنع ايجاده طريقة عمليّة للحصول على الماء من اجل وضع حدّ لمعاناة مواطنيه؟ هل موت الزراعة في الأردن حلّا... أم الحل بالبحث عن وسائل مجدية توفر الامل بمستقبل افضل للاردنيين؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هموم مغربيّة لا يفهمها المزايدون هموم مغربيّة لا يفهمها المزايدون



GMT 09:12 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

الخضرة والماء والوجه الحسن

GMT 09:08 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

اللبنانيّون وقد طُردوا إلى... الطبيعة!

GMT 09:04 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

الضوء الأخضر للإرهاب

GMT 08:57 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

تايوان... «أوكرانيا الصين»!

GMT 08:52 2022 الأحد ,07 آب / أغسطس

أصوات العرب: جوّال الأرض

GMT 17:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدًا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 06:25 2018 الأحد ,29 إبريل / نيسان

أفكار متنوعة وراقية لديكور حفلات الزفاف

GMT 03:33 2018 الثلاثاء ,27 آذار/ مارس

الهاتف Huawei Y7 2018 يظهر في صورة رسمية مسربة

GMT 13:31 2018 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

حسام عاشور على بُعد 3 خطوات مِن الأكثر تتويجًا في العالم

GMT 05:33 2018 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

التحقيق مع مدير بنك اختلس 600 مليون سنتيم في الجديدة

GMT 13:54 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

أبرو يحرز رقمًا قياسيًا في عدد الأندية التي لعب لها

GMT 02:55 2017 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

الأصفر يعتبر لونًا مبهجًا يجلب السعادة إلى المنزل
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca