المبادرة السعودية كشفت ايران

الدار البيضاء اليوم  -

المبادرة السعودية كشفت ايران

خيرالله خيرالله
خيرالله خيرالله

لا تفسير للتصعيد الإيراني على مختلف الجبهات، خصوصا الجبهة اليمنية، سوى التضايق الشديد من استمرار العقوبات الأميركية. كانت هناك حسابات إيرانية خاطئة تقوم على ان مجرد فوز جو بايدن على دونالد ترامب سيؤدي الى رفع فوري للعقوبات التي فرضتها الإدارة السابقة والعودة الى الاتفاق في شأن الملف النووي الإيراني الموقع في عهد باراك اوباما.

لم تأخذ "الجمهورية الاسلامية" في الحسبان ان العام كله تغير منذ العام 2015، لدى توقيع الاتفاق في شأن الملف النووي الإيراني، والسنة 2021. بات ضروريا في ايامنا هذه توسيع الاتفاق وجعله اكثر شمولا. لم يعد في الإمكان تجاهل الصواريخ الباليستية الإيرانية ولا الطائرات المسيرة ولا السلوك الإيراني في المنطقة. صحيح ان قسما لا بأس به من كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية الجديدة عملوا مع باراك أوباما، بمن في ذلك جو بايدن نائب الرئيس لمدة ثماني سنوات، لكن إدارة بايدن ليست نسخة طبق الأصل عن إدارة سلفه الذي لم يكن يرى سوى بعين واحدة. لم يكن يرى المنطقة كلها الا من خلال الملف النووي الإيراني مع ما يعنيه ذلك من استرضاء لـ"الجمهورية الاسلامية" وغض الطرف تماما عن كل ما ترتكبه ميليشياتها المذهبية في العراق وسوريا ولبنان واليمن. رفض أوباما، بكل بساطة، رؤية المآسي التي تتسبب بها ايران حيثما حلت مباشرة او بالواسطة...   

طرحت المملكة العربية السعودية مبادرة لتسوية الازمة في اليمن. جاء الرد الإيراني سريعا عبر ممثل ايران لدى الحوثيين حسين ايرلو الذي يعتبر الحاكم العسكري الفعلي لصنعاء. كان لافتا ان ايرلو، وهو ضابط في "الحرس الثوري" الإيراني لم ينتظر انعقاد اجتماع للقيادة الحوثية وإعلان موقفها، ولا الجهود التي تبذلها سلطنة عمان من اجل التوفيق بين اليمنيين وبين الأطراف المعنية بالموضوع اليمني إقليميا ودوليا. وزع ايرلو تغريدة في غاية السلبية تجاه المبادرة السعودية.

مما جاء في التغريدة "أن مبادرة السعودية في اليمن مشروع حرب دائم (يقصد دائمة) واستمرار للاحتلال وجرائم حرب وليس انهاء للحرب". حدد شروط ايران من اجل فرض سيطرتها على اليمن بقوله: "المبادرة الحقيقية تعني: وقف الحرب بشكل كامل، رفع الحصار بشكل كامل، انهاء الاحتلال السعودي وسحب قواته العسكرية وعدم دعم المرتزقة التكفيريين بالمال والأسلحة، وحوار سياسي بين اليمنيين دون اي تدخلات خارجية".

ما طرحه الحاكم العسكري لصنعاء مجموعة من الشروط يفرضها عادة المنتصر على المهزوم. اذا كان من انتصار حققه الحوثيون الذين تدعمهم ايران بصفة كونهم أداة من ادواتها، فإن هذا الانتصار هو على اليمنيين المقيمين في مناطق معينة مثل صنعاء، بل وعلى الزيود انفسهم الذين يعتقد الحوثيون انهم يتكلمون باسمهم وباسم العائلات الهاشمية الكبيرة. خرج من هذه العائلات عدد لا يحصى من خيرة الشخصيات اليمنية المثقفة والدمثة وذات الاخلاق الرفيعة المستوى، شخصيات سياسية ودينية على علاقة بكل ما هو حضاري ومتطور في هذا العالم، شخصيات بعيدة كل البعد التزمت والتخلف اللذين يميزان الحوثيين، أي جماعة "انصار الله".

تفتح المبادرة السعودية الأبواب امام تسوية في اليمن نظرا الى انها تأخذ في الاعتبار وقف النار والمباشرة في إعادة تشغيل مطار صنعاء وان ضمن حدود معينة. تؤسس المبادرة لمشرع حل أوسع واكثر شمولا يصب في خدمة إعادة الوضع اليمني الى طبيعته، بما يسمح بمعالجة المأساة الناجمة عن الجوع والمرض والفقر.

الواضح ان الهدف من طرح المبادرة السعودية يعود ايضا الى رغبة لدى المملكة في طي ملف موضوع اضطرت فيه الى استخدام ما لديها من أسلحة بعدما وجدت نفسها مضطرة الى ذلك. لا بد من التذكير في كل وقت بان "عاصفة الحزم"، التي انطلقت في مثل هذه الايام من العام 2015، جاءت ردا على سلسلة من الاستفزازات مارسها الحوثيون (انصار الله) مباشرة بعد وضع يدهم على صنعاء في 21 أيلول-سبتمبر 2014. كان اول نشاط مارسه الحوثيون وقتذاك تبادل الزيارات بين صنعاء وطهران من اجل فتح خط جوي بين المدينتين. تلت تبادل الزيارات مناورات اجراها الحوثيون عند الحدود السعودية في تحد مباشر للمملكة.

ماذا تريد ايران حاليا من التصعيد؟ هل تخشى نجاح سلطنة عمان في مساعيها الهادفة الى خلق بداية لحل سياسي في اليمن؟ ليس سرا ان المبعوث الأميركي تيموثي كيندرلينغ امضى حديثا وقتا طويلا في مسقط حيث كان يلتقي ممثلين للحوثيين. كان في الواقع يجري مفاوضات غير مباشرة بين "انصار الله" والرياض التي زارها مرات عدة والتقى فيها المسؤولين عن الملف اليمني.

عمليا، رفضت ايران، عبر ممثلها في صنعاء، المبادرة السعودية. تعتقد بذلك ان التصعيد الذي تمارسه من خلال اليمن سيمكنها من متابعة حربها غير المباشرة على المملكة العربية السعودية من جهة وسيجبر الإدارة الأميركية من جهة اخرى على رفع العقوبات التي فرضتها الإدارة السابقة، وهي عقوبات يبدو انها أدت مفعولها وانهكت الاقتصاد الإيراني.

استطاعت المملكة العربية السعودية، عبر مبادرتها اليمنية، كشف الدور الإيراني في اليمن. كذلك، استطاعت اثبات ان ما تحدث عنه مسؤولون اميركيون في ما يخص سياستها اليمنية ليس صحيحا. المشكلة في ايران وليست في السعودية. هناك، ايضا جانب آخر من المشكلة مرتبط بالتعقيدات اليمنية نفسها، بما في ذلك وضع الجنوب اليمني وضعف ما يسمى "الشرعية" التي تحتاج اكثر من اي وقت الى إعادة تشكيل وفق أسس جديدة.

يفترض بهذه الأسس ان تعيد الاعتبار الى شخصيات واطراف وازنة لعبت في الماضي دورا في التصدي للحوثيين. في النهاية، إن أسوأ ما فعلته "الشرعية" منذ خلف عبد ربه منصور هادي، كرئيس مؤقت، الرئيس علي عبدالله صالح في شباط – فبراير 2012 تمثل في القضاء على الجيش اليمني والإصرار على فرض عقوبات، بموجب قرار صدر عن مجلس الامن، في حق شخصيات عدة. مفهوم فرض عقوبات على الرئيس السابق وعلى حوثيين. ما ليس مفهوما لماذا التركيز على احمد علي عبدالله صالح الذي كان يمكن في مرحلة معينة، في ضوء خبرته الطويلة، لعب دور مهم وحيوي في إعادة بناء الجيش اليمني على أسس حديثة.

يمكن ان تكون المبادرة السعودية فرصة لإعادة نظر أميركية في الوضع اليمني، اقله التأكد من ان ايران تصعد في كل مكان متجاهلة انها لم تحقق انتصارا في اليمن كي تفرض شروطها على السعودية..

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المبادرة السعودية كشفت ايران المبادرة السعودية كشفت ايران



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 19:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 20:31 2018 الأحد ,30 كانون الأول / ديسمبر

كومباني يعلن جاهزية مانشستر سيتي لمواجهة ليفربول

GMT 11:14 2018 الجمعة ,16 شباط / فبراير

تزيني بمجموعة مميزة من المجوهرات في عيد الحب

GMT 16:31 2016 الأحد ,21 شباط / فبراير

برانت دورتى ينضم لفيلم "Fifty Shades Of Grey"

GMT 01:15 2017 الأربعاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مميّزات جديدة في هاتف "iPhone X" الجديد من أبل

GMT 11:16 2014 الأربعاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة وفيتامينات لعلاج النهايات العصبية للجهاز العصبي

GMT 05:31 2016 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

علماء يتوصَلون لمعرفة مسارات طيور السنونو خلال رحلاتها

GMT 00:27 2017 الأحد ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

مناقشة كتاب "أيام من حياتي" سيرة سعد الدين وهبة

GMT 23:31 2017 الأربعاء ,05 إبريل / نيسان

الريان يخرج حمد الله من "جحيم" الجيش القطري

GMT 05:04 2016 الخميس ,14 كانون الثاني / يناير

ضريح القديس يهوذا وحصنه الشاهق يزيّنان جانسي الهندية

GMT 22:13 2019 الثلاثاء ,05 شباط / فبراير

لمسات مثيرة لرقبة زوجك قبل العلاقة الحميمة

GMT 22:18 2018 الأحد ,30 كانون الأول / ديسمبر

بايرن ميونخ يلتقي فورتونا دوسلدورف 13 كانون الثاني
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca