الطائشون والعقلاء

الدار البيضاء اليوم  -

الطائشون والعقلاء

بقلم: المهدي الحداد

المال نعمة قد تتحول إلى نقمة، وأداة للتصرف وتلوين الحياة، لكن بالعقلانية والرشد، والإيمان بأن خير اليوم قد يصبح شر الغد، في سيناريو أسود لطالما تكرر مع ملايين الأفراد.

 بعض الرياضات الشعبية ككرة القدم أمست اليوم مجالا للربح الخرافي، والأرقام المحيرة للعقول، وإحدى المهن التي تدر على أصحابها الملايير سنويا، لكن ليس الكل يستفيد ويعرف كيف يستغلها، وفقط القلة هم من يحسنون إستثمار ما يربحونه.

الأفارقة واللاتينيون عموما يتميزون عن الجميع بطيشهم وعقليتهم وهوايتهم في الميدان كما في الحياة، فترى الكثير منهم غرقى في الصخب واللهو وتلذذ اللحظة، دون تفكير في المستقبل وما سيحمله من مفاجآت ومنعرجات، ودون إدراك ووعي بأن الرصيد البنكي قد يصل إلى الصفر، بعدما كان مثقلا ببعض الأرقام وعلى يمينها الكثير من الأصفار.

للأسف، يعتبر اللاعبون المغاربة وخاصة الشباب من أبرز الطائشين والمغترين بشهرتهم، وأموالهم التي أمطرتها فوق رؤوسهم السماء في مقتبل عمرهم، والهواية و«التبرهيش» سمة ملتصقة بفئة مهمة من أولئك الذين رأوا النور سواء بالمملكة أو خارجها، خصوصا الذين كبروا وترعرعوا في كنف الفقر والحرمان والمعاناة.

 عديدة هي المواهب التي دمرها الطيش والمال وسوء التأطير، بداية ببعض «نجوم وأساطير» السبعينيات من القرن الماضي والذين لا يجدون اليوم بيتا يأويهم وقوتا يسد رمقهم، ووصولا إلى الجيل الحالي والجواهر التي ما إن تلمع لشهور حتى تنطفئ للأبد.

السلف ربح ما ربح، وخسر ما خسر من الكرة رغم الرواتب الضعيفة والصفقات الهزيلة، والخلف يجني أضعافهم مئات المرات، دون أن يعرف البعض قيمة الهدايا والأرباح، والأرزاق التي أنعم بها عليهم الله عز وجل، بعدما فضلهم على الكثير من اللاعبين والمواهب الحقيقية التي تقضي عمرها كله تطرق الأبواب، وتبحث عن من يمنحها فرصة للظهور وطوقا للنجاة.

المغاربة باتوا ينافسون البرازيليين في التهور والطيش، ويزاحمونهم في الملاهي والعلب الليلية، ويتسابقون معهم نحو الفضائح والجرائم والكوارث، والأمثلة غزيرة ومتعددة في السنوات الماضية وخلال الأشهر والأيام السالفة، حيث ضُبط هذا متلبسا بالسهر في «كاباريهات» لشبونة وباريس، وشوهد الآخر مخمورا في حانات لندن، وكُشف أمر ذاك المدمن على القمار في «كازينو» دويسبورغ الألمانية، ورُمي آخرٌ في سجن بروكيسيل البلجيكية بسبب السطو المسلح..، والمؤسف أن جميع هؤلاء اللاعبين المغاربة شباب تجاوزا بالكاد ربيعهم الثاني، ومعروف عنهم الموهبة الكروية الخارقة والإستثنائية.

اللاعب الواعد بالعقلية الإفريقية أو اللاتينية، وما إن يغتني ويكسب الثروة وهو في سن 20، يُصدم ويصاب بالجنون، ولا يعرف كيفية التدبير، فيسقط في المحظورات والتبدير، وتنطبق عليه مقولة «لمشْتاق إلى ذاقْ»، فيشرع في الإنتقام من الماضي البئيس بلا فرامل ولا تأطير، ولا مرافقة عائلية ولا فريق عمل ومستشارين، فتأتي العواقب وخيمة وتؤثر الحياة الشخصية على المهنية والمسار الإحترافي، وتشوَّه السمعة ويأفل القمر، ويصبح في النهاية هذا الشاب الموهوب والأسد الواعد، في خبر كان وسجين قفص النسيان، يعض أنامل الندم والحسرة، والبكاء على الملايير التي تبخرت في غفلة.

الأندية والمنتخبات الوطنية فقدت عدة مواهب إنتحرت برصاصة المال وسوء الإستغلال، وبعض الأسود في طريق الضياع حاليا، وتدمير المشوار من قلب حلبات الألمان والإسبان والطاليان، وعدم الإقتداء بلاعبين مغاربة وعرب وأفارقة يقلون عنهم موهبة، لكن كسبوا الرهان ونجحوا، بعدما تفوقوا بالعقلانية والذكاء والرشد.

الحياة أفعى غدارة لا يسلم منها إلا العقلاء، وحبل الكرة قصير يشنق الطائشين الجبناء.


عن صحيفة المنتخب المغربية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الطائشون والعقلاء الطائشون والعقلاء



GMT 10:25 2019 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

الدفاع في الريادة

GMT 10:22 2019 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

"وشكون عرف؟"..

GMT 15:07 2019 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

"كلمة حق"..

GMT 13:45 2019 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

منتخبات مجنونة

جورجينا تثير اهتمام الجمهور بعد موافقتها على الزواج وتخطف الأنظار بأجمل إطلالاتها

الرياض - الدار البيضاء اليوم

GMT 19:30 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تحمل إليك الأيام المقبلة تأثيرات ثقيلة

GMT 19:58 2018 السبت ,28 إبريل / نيسان

امحمد فاخر يفرض شروطه على الأيوبي

GMT 12:52 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

تحدي جديد يجتاح مواقع التواصل الاجتماعي بعد رقصة "كيكي"

GMT 13:39 2018 الأحد ,23 أيلول / سبتمبر

الكشف عن جنس مولود الفنانة نانسي عجرم الجديد

GMT 16:55 2018 الخميس ,02 آب / أغسطس

"فن ترجمة الشعر" محاضرة في فنون أبها

GMT 18:00 2012 الإثنين ,17 كانون الأول / ديسمبر

علماء فرنسيون يكتشفون علاقة النباتات بالجاذبية الأرضية

GMT 18:12 2017 الأحد ,01 تشرين الأول / أكتوبر

دينا الشربيني تحل ضيفة على "تعشب شاي" الإثنين

GMT 07:54 2016 الخميس ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة تحافظ على شباب المخ وتعزّز التركيز وتقاوم ألزهايمر

GMT 07:37 2016 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة الجزائرية تكشف زيادة أسعار شراء مساكن البيع بالإيجار

GMT 20:33 2016 السبت ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

صدور كتاب "الجبل العميق" لإجي تملكران عن دار صفصافة

GMT 18:45 2016 السبت ,30 كانون الثاني / يناير

أحمد السيسي يغني "دار يادار" في ذا فويس كيدز

GMT 00:11 2016 الجمعة ,22 تموز / يوليو

يوميات حامل بين مواقف مضحكة وأخرى محرجة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
RUE MOHAMED SMIHA,
ETG 6 APPT 602,
ANG DE TOURS,
CASABLANCA,
MOROCCO.
casablanca, Casablanca, Casablanca