آخر تحديث GMT 18:37:04
الدار البيضاء اليوم  -

رواية حول تاريخ من البطش المخزني والثورات الموؤودة

الدار البيضاء اليوم  -

الدار البيضاء اليوم  - رواية حول تاريخ من البطش المخزني والثورات الموؤودة

رواية ” المغاربة ”
الرباط - المغرب اليوم

رواية ” المغاربة ” نص متخن بالجراح يحمل جروح المغربي وهو ينظر إلى ذاته نهارا ويتأملها ليلا.. نص روائي مركب..مكثف..من حيث اللغة و الإيحاءت والتركيب والدلالات الرمزية.. بسؤال مركزي ما المعنى أن تكون مغربيا؟ استخدم عبد الكريم جويطي طرائق سردية متعددة وبنى الكثير من الخيارات السياسية والمواقف عن علاقات الذات بالمجتمع وعن الحاضر بالماضي وعن الراهن المغربي وعن قرائن التاريخ… يمتزج كل هذا في نصوص وحكايا وتضارب للأزمنة في نص شديد التركيب والتعقيد على امتداد (400 صفحة) … يبتعد عن نمطية السرد الكلاسيكي وتصبح النهاية مقدمة في متواليات سردية أقرب منه لكتابة المخرج الأمريكي ترانتينو.

العاهات.. الحماقات.. ونزوات المغاربة وضيقهم وتناقضاتهم الصارخة لا يتردد الكاتب في الإمساك بها وتعريتها وصوغها عبر أسئلة عميقة بآليات فنية في الكتابة الروائية عمن أوصل المغاربة إلى هذه الخيبات من تراجع وإخفاقات على أكثر من مستوى وعبر هذه الهشاشات المتعددة وعبر الكثير من الحالات النفسية والإحاطات التاريخية تمتزج فيها الأسطورة بالمتخيل وبالحكائي وبالواقعي وبالسخرية من كل شيء.

 يضع الكاتب نفسه بين النقيض والنقيض ..بين كتابة الشذرية التي تعري كل شيء بروح قلقة متقلبة ” أحفظ لنفسي الحقّ في أن أكون متناقضاً، وأن أحطِّم الأنساق التي نسجن أنفسنا بداخلها. أكتب متناقضاً، أكتب الشيء ونقيضه في الآن نفسه. إنها كتابة ما بعد الكارثة حين ينهار كل شيء بداخلك ويتمزّق، ويفقد معناه، وحين تصير أنت نفسك شذرات لكلية كُنتها ولكتابٍ تناثرت أوراقه في الريح. هي كتابة الصدوع والدويّ الهائل للانهيار، والجلبة البعيدة لحياة تمضي بعيداً عني”..(ص144). ما المعنى أن يتمزق كل شيء كل بذات الكاتب ويحوله إلى كتابة شذرية؟. متسائلا بنوع من الاستنكار المبطن ” قلتُ بصوت خفيض كَمَن يلقي بحجرة صغيرة في بركة هادئة، وعن ماذا تكتب؟ (ص 144). ومن هم المغاربة؟ وهل يعرفون أنفسهم بشكل جيد عبر التاريخ النفسي لتكوينهم وانحداراتهم وخيباتهم القاسية.

يصف المغاربة انطلاقا من الجغرافيا والتاريخ وعلاقتهم بالأخر في بعدهم السيكولوجي قائلا ” بلد كطاولة نردٍ حكمه الطاعون والمجاعات أكثر مِمَّا حكمته الأسر المتعاقبة. بضربةٍ خاطفة كانوا يهزؤون بالجيش والعصبية القبلية، ويحوِّلون الديار إلى أطلال ودمن ” (ص122).

يضيف ” بلد ببحرين وأنهار جارية وأراضٍ خصبة وغاباتٍ، حَكَمَتْه الصحراء، ومنحته قادَة وزعماء ومنظّرين أشدّاء، محتدِّين دوماً، وضائعين بين النقائض، لكنهم بلا خيال ولا طموح « (ص 123) ويتساءل في كل مرة ” شعب هذا حاله كيف سيعرف النهضة ؟ “.

من الشخصيات المركزية في الرواية الأعمى والعسكري وهما شخصان معطوبان ذاقا مرارة الحياة، وهما محورا السرد وركيزته وعلى لسانهما تعدد الحكايا و يعيد الكاتب صياغة تاريخ المغاربة بألوان رمادية.. ليس التاريخ الرسمي بل تاريخ الدسائس المغطى بالسواد والدم والذي أحيط بالعتمة من قبل اليد القابضة والمتحكمة في تاريخ المغاربة…
ففي نظر الكاتب أن ما يميز الناس هو درجة الشقاء.. وهو الذي يمتزج بعمى البصر والبصيرة.. ” وكنت أشغل نفسي بجدال داخلي رهيب، ما الأرحم والأفضل لي: لو كنتُ قد ولدت أعمى. أو عماي وقد بلغت الحادية والعشرين من العمر! ومن الأفضل، أن تولد مثل آلاف الكائنات غير المبصرة التي لا تتعذب بما فقدته، أو تصاب بالعمى بعد أن تكون قد أخذت نصيباً ولو قليلاً من العالم”.

ويفضل الكاتب الليل عن النهار على اعتبار ان النهار متاح للجميع و الليل ليل الدسائس والاشتهاء والشهوة ” فإن كان النهار مشاعاً للجميع، فالليل انتقائي وأناني يصطفي خيرة الناس، فالبشرية بأرقيها ومتسكِّعِيها في الأزقة الخالية، ومشرَّديها في الحانات والمَراقص، ومتهالكيها على حاجات أجسادهم، تدين له بأفضل وأسوأ ما فيها. العتمة تحرّر وتشجّع كل شيء على إخراج ما هو حقيقة، ليلُ اللذة والأفراح والدسائس والمكائد والصفقات.. الليل الذي لا ترى فيه اليد التي تُعطي والتي تأخذ، والتي تغتال، والتي تتلمس طريقها على جسد مشتهى، لم تعرف هذه المدينة، باستثناء بيوت أندلسية قليلة، ثقافة واقتصاد الليل اسألوا أصحاب سيارات الأجرة الذين يشتغلون في الليل سيقولون لكم أشياء مذهلة عن مدينتكم ” (ص 237).

وعن المغاربة وكيف اندست فيهم طرائق الحفظ والتلقين مبتعدين كل البعد عن الاستخدام الجيد للعقل يبرز الكاتب هذه المقارفة ” كم ازدهرت الشروح في هذا البلد، وشروح الشروح، والحواشي، والمختصرات ومختصرات المختصرات، والأرجوزات التعليمية، وطمرت، شيئاً فشيئاً، المصادر! كم حفرت من خنادق عميقة بين العقل وأصول المعارف! في تلك الأوساط التعليمية المتحجِّرة والتي صاغت عقلية المغاربة لقرون، كان كل شيء قد قيل والمعاني والمعارف قد استنفدت، ولم تعُد هناك حاجة إلى بذل جهد في الإبداع والابتكار، يكفي الحفظ والقدرة على الاستظهار “. (ص 122). وعلى طول المثن المتن الروائي، يقر الكاتب أن ماساهم في تخلف المجتمع المغربي هو الاستبداد السياسي والخرافة الدينية من خلال الابتعاد عن العقل والارتهان لأوهام السلطة.

فعلى لسان الأعمى وعند آخر جملة في المتن الروائي، عندما استحضر كلمة لهوراشيو وهو يقول:”إنه زمن الجنون الكبير والعمى الهائل ياصديقي!.

إن رواية ” المغاربة ” رواية غنية برمزيتها وبعدها النفسي والدلالي والتساؤلي وهي تحفر أسئلة عميقة عن الذات المغربية عما كانت عليه وعما آلت إليه ومعها تمنح فرصة للتأمل فيها وهي «كتاب للنفوس المحطّمة، وحطامها مُزدوَج: حطام الجسد وحطام الروح الملأى بالنّدوب التي لا تشفى الروح “العالقة في مأزق الوجود ومتاهاته المؤلمة “، كما يصفها الكاتب.

قد يهمك أيضا :  

عشاق الرواية التاريخية العالمية ينتظرون إعلان الفائز بجائزة والتر سكوت

«99 ليلة في لوجار» رواية أفغانية بطابع ألف ليلة وليلة

casablancatoday
casablancatoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رواية حول تاريخ من البطش المخزني والثورات الموؤودة رواية حول تاريخ من البطش المخزني والثورات الموؤودة



GMT 04:39 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

طرح قصر ريفي جورجي في لندن للبيع بـ15 مليون إسترليني

GMT 01:54 2017 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

نصائح لإدخال اللون الذهبي في الديكور

GMT 08:49 2015 الجمعة ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

فان دام يعيد ذكرياته مع رامبو وبروس ويلز علي "فيسبوك"

GMT 20:21 2019 الأربعاء ,23 كانون الثاني / يناير

سواريز يؤكّد أن كل لاعب يرغب في اللعب مع كلوب

GMT 22:16 2018 الثلاثاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

اعتقال قائد في تاونات متلبس بتلقي رشوة مليون سنتيم

GMT 13:34 2018 الإثنين ,16 تموز / يوليو

سيبستيان كو يدعم المغرب لاحتضان بطولة العالم

GMT 14:30 2018 الأحد ,08 تموز / يوليو

أسماء بارزة تغادر الكوكب بقرار من المدرب

GMT 03:07 2018 السبت ,16 حزيران / يونيو

طرق تنسيق "القميص الجينز" للمحجبات مع السروال

GMT 04:19 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على السيارة الأكثر "مبيعًا" بالسوق المصري في 2017

GMT 01:36 2017 السبت ,30 كانون الأول / ديسمبر

أحمد مكي يعلن أنّ الغناء سبب غيابه في رمضان المقبل

GMT 08:54 2017 الخميس ,14 كانون الأول / ديسمبر

عبد الرزاق المنصوري رئيسًا بـ"النيابة" في بلدية ورزازات

GMT 03:54 2015 الإثنين ,27 تموز / يوليو

تعرفي على طريقة تركيب اظافر الجل في المنزل

GMT 14:02 2017 الخميس ,14 أيلول / سبتمبر

العثور على ريشة طير نادر جدا في استراليا

GMT 07:37 2016 الأحد ,25 كانون الأول / ديسمبر

10 منازل في أستراليا تُباع بأرقام خيالية وتفوق التوقعات

GMT 11:05 2015 الثلاثاء ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

"جوميا" تقدم "الجمعة السوداء" لعشاق التسوق في المغرب

GMT 15:23 2015 الثلاثاء ,20 تشرين الأول / أكتوبر

النبيذ الأحمر لمرضى السكر

GMT 23:00 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

برشلونة حاول ضم مبابي في صفقة إعارة وأحقية شراء

GMT 12:23 2015 الأربعاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

وصايا الخبراء عند تصميم الديكور في غرفة الضيوف
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca