هل يتفكك التحالف الدولي ضد الإرهاب؟

الدار البيضاء اليوم  -

هل يتفكك التحالف الدولي ضد الإرهاب

عريب الرنتاوي


حذرنا من قبل، من الانعكاسات الخطرة لـ “عاصفة الحزم” بسياقاتها وأولوياتها المعروفة، على “الحرب الكونية الثالثة على الإرهاب ... اليوم، نشهد بداية تفكك التحالف الدولي المناهض للإرهاب، وعودة متسارعة للنظرية الحمقاء السابقة: “إعادة توجيه السلفية الجهادية” في المواجهة مع “الخطر الشيعي”، بعد أن استخدمت بكفاءة عالية قبل ثلاثة عقود في المواجهة مع “الخطر الشيوعي”.
المعلومات تتكشف تباعاً عن تبدّل الأولويات وتغير التحالفات ... في اليمن، ومنذ هبوب “عاصفة الحزم”، جرى تنفيذ عملية واحدة بطائرة من دون طيار، ضد هدف يُعتقد أنه للقاعدة، مقابل أكثر من مائة طلعة جوية ينفذها “التحالف العربي” بقيادة السعودية يومياً ضد الحوثيين والجيش اليمني ... القاعدة في اليمن، باقية وتتمدد، وهذه المرة بدعم مباشر وغير مباشر من قوى إقليمية وعربية، بدأت تنظر للقاعدة بوصفها “أهون الشرين”، ومشروع حليف “مؤقت على الأقل” في مواجهة الخطر الأكثر فداحة ممثلاُ بطهران وحلفائها.
في سوريا، تتجلى المسألة على نحو أوضح ... عملية إدلب التي انتهت بسيطرة النصرة على عاصمة المحافظة، ما كان لها أن تتم لولا الدعم والتنسيق المباشرين من قبل عواصم عربية وإقليمية ... بعضها منخرط في قيادة “عاصفة الحزم” وبعضها الآخر، ما زال يعتبر أن مفتاح الحل لكل مشاكل المنطقة، يبدأ بإسقاط نظام الأسد، حتى وإن تولى “أبو بكر البغدادي” الولاية من بعده، ليعيد “مجد” الخلافة من دمشق، بعد أن أخذ العراق يضيق عليه بما رحب.
اليرموك، القريب جداً من قلب العاصمة دمشق، ما كان له أن يدين لمقاتلي “السلفية الجهادية” لولا هذا الدعم الموصول، والانفتاح غير الحذر وغير المسبوق على هذه القوى، من قبل العواصم ذاتها، وثمة تأكيدات، بأن جهوداً بذلت وتبذل لـ “رأب الصدع” بين الفصيلين الجهاديين: النصرة وداعش، أو تحييد خلافاتها على أقل تقدير، لضمان التوحد في مواجهة الزحف الإيراني والتمدد الشيعي “الرافضي”.
الأمر ذاته ينطبق على أمر العمليات الذي تلقته الفصائل “الجهادية” في المحافظات الجنوبية، والذي أعاد تعريف المصالح المشتركة بينها وبين مختلف مكونات المعارضة المسلحة في المنطقة، ومكّن النصرة من أن تصبح على حدودنا الشمالية، وسط محاولات لم تنقطع، لإقناع النصرة بضرورة “فك ارتباطها” الرسمي بالقاعدة، وهي المحاولات التي قاومها “الفاتح أبو محمد الجولاني” حتى الآن، وثمة ترجيح بأن تأتي المبادرة من الزعيم التاريخي المتبقي للقاعدة: أيمن الظواهري، الذي تنتظر “القواعد الجهادية” بياناً له، يحللها من البيعة وتبعاتها، في محاولة مكشوفة لتفهم احتياجات التنظيم وداعميه الإقليميين، لتفادي الحرج، واستتباعاً إعادة تأهيل التنظيم، ليصبح طليعة قيادية للمعارضة السورية المسلحة والمعتدلة.
الحديث بشأن النصرة، وضرورات تأهيلها وتدعيمها، لم يعد حديث مجالس وصالونات وأقبية مخابرات ... الحديث خرج إلى العلن، وثمة إعلاميين مقربين جداً من مراكز صنع القرار في دول خليجية عدة، من بينها السعودية، أخذوا يتحدثون علناً عن الحاجة لفتح صفحة جديدة مع النصرة في مواجهة النظام السوري وحزب الله والحرس الثوري الإيراني، وبغرض قلب موازين القوى في سوريا، بعد أن ثبت لهؤلاء بؤس خيار المراهنة على معارضة معتدلة من خارج رحم السلفية الجهادية.
في هذا السياق، يصبح الانفتاح على الإخوان المسلمين في اليمن وسوريا والمنطقة عموماً، من باب تحصيل الحاصل ... ولقد رأينا انتعاشاً في أداء التجمع اليمني للإصلاح، بعد أن هُزم شر هزيمة على أيدي الحوثيين وحلفائهم، وتعرض لأوسع عمليات العزل والتضييق من قبل حلفائه الخليجيين التقليديين.
مثل هذه التطورات، تُفرح بعض الأوساط العربية والإقليمية وتغضب بعضها الآخر ... السياسة التركية في سوريا انتعشت بهذا الحلف الجديد الممتد من الباكستان إلى السعودية، وهي تستعيد أحلامها الخائبة في السيطرة على شمال سوريا، توطئة لطرد الأسد من دمشق ... مصر في المقابل، قلقة وحذرة ومتحفظة، فهي تقاتل السلفية الجهادية على أرضها وحدودها، وهي لا تتوقف عن إصدار أحكام الإعدام بالجملة ضد جماعة الإخوان المسلمين ... هذا أمر مقلق للغاية بالنسبة للقاهرة، وربما هو أحد أسباب ترددها في الانخراط النشط في “عاصفة الحزم”.
الإمارات العربية، وبعض دول “الاعتدال العربي” كالأردن على سبيل المثال، ليست سعيدة بهذه التطورات، أولاً لأنها ترى أن الحرب على الإرهاب هي الأولوية الأولى على أجندتها الوطنية، وثانياً؛ لأن لديها مشاكل مع مختلف تيارات “الإسلام السياسي” ومن ضمنها الإخوان المسلمين، أو بالأخص الإخوان المسلمين.
الولايات المتحدة حائرة وسط هذه الخريطة المعقدة والشائكة، وتقف في مربع رمادي لم تخرج منه حتى الآن ... هي من جهة تعتبر أن الإرهاب هو التهديد الرئيس لأمنها وأمن المنطقة والعالم ... وهي من جهة ثانية تتقارب مع إيران من على قاعدة مواجهة “عدو مشترك” ... لكنها من جهة ثالثة، تحتفظ بعلاقات ومصالح تاريخية مع السعودية ودول الخليج، ولا تريد أن تفرط بها أو تبددها ... هي تدرك أن حربها على الإرهاب باتت أكثر صعوبة في ضوء “تفلت” الحلفاء وانفلاتهم من عقد التحالف، وهي تسعى في إقامة توازن صعب في علاقاتها الإقليمية، في لحظة استقطاب نادرة في تاريخ هذه المنطقة، وهي بانتظار ما ستؤول إليه مفاوضاتها مع إيران حول برنامجها النووي.
هل بدأ التحالف الدولي ضد الإرهاب يخسر تماسكه ومعاركه ضد داعش؟ ... من السابق لأوانه الإجابة على هذا السؤال ... هناك تقدم على جبهات الحرب ضد داعش في العراق، مقابل تقدم القاعدة و”تفريخاتها” على عدة جبهات في سوريا واليمن، دع عنك ليبيا وسيناء وشمال أفريقيا وغيرها ... تضارب الأولويات وتداخل التحالفات وتبدلها، يجعل مهمة واشنطن صعبة للغاية على الدوام.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل يتفكك التحالف الدولي ضد الإرهاب هل يتفكك التحالف الدولي ضد الإرهاب



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 19:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 17:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدًا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 05:32 2016 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

علماء يحذرون من انقراض "فرس البحر" لاختفاء طعامها

GMT 07:39 2015 الخميس ,31 كانون الأول / ديسمبر

استمتع في "جزيرة غرينادا" في منطقة البحر الكاريبي

GMT 01:13 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

اللون الأحمر الناري في ديكور 2018 لمحبي الجرأة والتغيير

GMT 05:28 2014 الإثنين ,13 تشرين الأول / أكتوبر

فندق "حياة كابيتال" يتربع على الأبراج المائلة

GMT 10:41 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

فاطمة ناصر تعلن مشاركتها بفيلمين في أيام قرطاج السينمائي

GMT 04:44 2016 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

شركة تطلق حذاءً رياضيًا جديدًا يمكنه تدفئة القدمين
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca