هل وقف النار ممكن في سورية؟

الدار البيضاء اليوم  -

هل وقف النار ممكن في سورية

عريب الرنتاوي

على المتحاورين في جنيف، ومن خلفهم، رعاتهم وداعميهم الإقليميين والدوليين، أن يتكيفوا مع حقيقة أن الحوارات أو المفاوضات – إن شئت – ستتواصل جولة تلو أخرى، على نحو متزامن مع جولات القتال المتعاقبة والمتنقلة على الأرض السورية ... الحديث عن “وقف النار” يبدو “رومانسياً” بأكثر مما ينبغي، ومن الصعب “تنزيله” على الأرض، لأسباب عديدة، أهمها ثلاثة: 
لأول: أن مرجعيات جنيف (بياني فيينا وقرار مجلس الأمن 2254 والتفاهم الروسي – الأمريكي)، شددت جميعها على الإصرار على مواصلة الحرب على الإرهاب وتصعيدها، والإرهاب في سوريا، لا يتمركز في مواقع خالية ونائية، بل هو مبثوث على معظم إن لم نقل جميع الجبهات ... مسار القتال سيستمر، وقد يَعنُف أكثر من أي مرحلة من مراحل الأزمة، ومن يطالب بـ “صمت المدافع” كشرط مسبق، عليه أن يستيقظ من أحلامه، أو قل أوهامه. 
والثاني: أن العديد من الجماعات الإرهابية، جبهة النصرة من بينها وليست وحدها، مبثوثة في داخل التجمعات السكانية وفي قلب مناطق “سوريا المفيدة”، وهي على علاقات تحالف متفاوتة، مع العديد من الفصائل المسلحة، المحسوبة على “مؤتمر الرياض”، أو الداعمة للائتلاف من بعيد، تقاتل معها كتفاً لكتف، ومن الخنادق ذاتها، وبإشراف غرف عمليات مشتركة، وثمة مشاريع توحد واندماج فيما بينها، تتعثر حيناً وتتقدماً في حين آخر ... كيف لقتال النصرة أن يستمر ويتصاعد بمعزل عن قتال الجماعات المسلحة “المنخرطة” بهذا القدر أو ذاك، بمسار فيينا – جنيف؟ مثل هذا السيناريو، يبدو غير واقعي على الإطلاق.
والثالث: أن ليس للنظام وحلفائه، كما ليس للجماعات الإرهابية والجماعات المسلحة وداعميها الإقليميين، مصلحة عميقة في تكرس “ستاتيكو” على الأرض السورية، هم يعرفون جيداً أن من له الكلمة العليا على الأرض، له مثلها على مائدة المفاوضات ... النظام سيواصل عملياته، تحت شعار الحرب على الإرهاب، وخصومه سيواصلون عملياتهم، أقله تحت شعار “الرد على خروقات النظام”، وقد تنفتح جميع الجبهات في أية لحظة، إذا ما نجح هذا الفريق او ذاك، في تحقيق اختراق موضعي على هذه الجبهة أو تلك. 
ثم، وبفرض أن الفصائل المسلحة، ومن باب مسايرة مواقف داعميها الإقليميين، قررت الاستجابة لوقف النار، كيف سيرتد ذلك على علاقاتها بالفصائل “الجهادية”، وهل ستتمكن هذه الفصائل من مقاومة “ابتزاز” الجهاديين؟ ... لقد رأينا “أحرار الشام” تنسحب من مؤتمر الرياض قبل انتهاء أعمالها، وتقاطع الهيئة والوفد المنبثقين عنه قبل الشروع في حوارات جنيف، ودائماً تحت ضغط التهديد والابتزاز، وأحياناً على خلفية التلاقي الإيديولوجي مع السلفية الجهادية التي فرّخت داعش والقاعدة والنصرة وأحرار الشام وغيرهم كثير ... كيف ستتصرف هذه الفصائل إذا ما أقدمت قوات النظام وحلفائه على محاولة تكسير بعض الخطوط الدفاعية للنصرة، وهي خطوطها الدفاعية في الوقت ذاته؟ 
مثل هذا التعقيد الواقعي لخرائط الجبهات والعمليات وخطوط التماس ومواقع انتشار القوى المختلفة، يجعل من الواقعي عدم الغرق في بحث عقيم حول وقف شامل ودائم لإطلاق النار ... ربما من الأجدى التفكير بوقف النار على بعض المحاور وفي بعض الجبهات ومع بعض القوى، أما أن تصمت المدافع في سوريا، فهذا لن يحدث، طالما ظل المجتمع الدولي على إصراره على محاربة الإرهاب، وطالما ظلت الأطراف المتحاربة على إصرارهماعلى حسم المعركة واستعادة زمام المبادرة. 
والمتأمل في خريطة المعارك والجبهات المفتوحة على امتداد الأرض السورية، سيجد صعوبة في تحديد المناطق التي سيسري عليها وقف النار، أو يمكن أن تكون “بروفة أولى” له، فجبهات إدلب وحلب وأريافهما وريف حماة، جميعها جبهات متداخلة، والمعارضات فيها متداخلة مع الجماعات “الجهادية”، وشمال شرق سوريا، يكاد يكون خاضعاً لنفوذ منفرد لتنظيم داعش، والجبهة الجنوبية، ما زال للنصرة، وبعض الموالين سراً وعلانية لـ “الخليفة البغدادي”، نفوذ وازن، مع نفوذ لا يستهان به لفصائل غير وطنية أو معتدلة ... وما تبقى من القلمون الشرقي تتصارع عليه كل من داعش والنصرة، وربما تكون غوطة دمشق الشرقية، تحت هيمنة فصيل واحد، مشارك في جنيف: جيش الإسلام، ولا أدري إن كان بالإمكان التوصل إلى اتفاق وقف نار معه، طالما أنه الأكثر تشدداً من الناحية التفاوضية، وطالما أن دمشق وموسكو تعتبرانه فصيلاً إرهابياً. 
والحقيقة أن الأزمة السورية ليست الأولى من نوعها، التي يجري البحث عن حلول سياسية لها، جنباً إلى جنب، مع استمرار المعارك والحروب ... كان من الأفضل لو أن مسار جنيف بدأ بوقف شامل لإطلاق النار، ووقف نزيف الدم السوري، لكن من المؤسف أن هذا المسار، سيتطور على وقع المدافع والصواريخ، إلى أن تضع الحرب والمفاوضات أوزارهما معاً.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل وقف النار ممكن في سورية هل وقف النار ممكن في سورية



GMT 15:10 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

رئيس الرجاء يحاول اقتناص لاعبين أحرار بدون تعاقد

GMT 05:33 2017 الخميس ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن موقع هبوط يوليوس قيصر لغزو بريطانيا

GMT 09:33 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

عهد التميمي

GMT 10:19 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الروسي يعلن وصول أول كتيبة من سورية إلى موسكو

GMT 11:50 2016 الثلاثاء ,20 أيلول / سبتمبر

مقتل 4 من عناصر "بي كا كا" في قصف تركي شمالي العراق

GMT 06:09 2017 الجمعة ,01 كانون الأول / ديسمبر

8 معلومات مهمة عن "جسر العمالقة" تزيد الفضول لزيارته

GMT 17:21 2016 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

مدرب الأرجنتين يعلن عن تشكيلته لمواجهة البرازيل

GMT 00:21 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

صحيفة بريطانية تكشف أفضل 10 فنادق في مدينة روما

GMT 22:46 2017 الخميس ,28 أيلول / سبتمبر

حسن الفد يعيد شخصية كبور من خلال عرضه " سكيتش"

GMT 16:29 2017 الثلاثاء ,03 كانون الثاني / يناير

2016 عام حافل بالأنشطة والعروض في الدار العراقية للأزياء

GMT 04:38 2015 الثلاثاء ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

مرضٌ خطير يصيب الأبقار ويعزل عشرات القرى في سطات

GMT 21:21 2015 الأربعاء ,11 آذار/ مارس

وفاة الممثل المسرحي المغربي إدريس الفيلالي
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca