هل نبدد «اللحظة الأردنية النادرة»؟!

الدار البيضاء اليوم  -

هل نبدد «اللحظة الأردنية النادرة»

عريب الرنتاوي


حذرنا كما فعل كثيرون غيرنا، من مغبة تبديد “اللحظة الأردنية النادرة” التي أعقبت واقعة الاستشهاد التراجيدية... وقلنا كما قال غيرنا، أن طريقنا للثأر لدماء الكساسبة، مرسوم على الأرض، أرض الأردن تحديداً، دولة ومجتمعا، وأن الطلعات الجوية على أهميتها، ليست سوى “جرعة أولى” هامة وضرورية بانتظار العلاج الشافي والمستدام... وكنا في ذلك، كما كان غيرنا، نصدر عن تجربة ليست بالبعيدة، فقد عاش الأردنيون “لحظة” مشابهة في أعقاب عملية الفنادق الثلاثة الإجرامية، لكننا بددناها وعدنا لمزاولة أعمالنا اليومية كالمعتاد، فإذا بالتطرف والغلو وحتى الإرهاب، يتسرب إلى عقر دارنا، وبقية القصة معروقة.
اليوم، يكاد الإحساس بإضاعة “اللحظة”، يساور أعداداً متزايدة من الأردنيين ... لقد عدنا فعلاً إلى مزاولة أعمالنا كالمعتاد، وأخذ بعضنا في استرجاع مواقفه وانحيازاته، خاصة أولئك الذي اضطروا للانحناء أمام عاصفة الغضب الشعبي، ولم يكن صمتهم أو تساوقهم مع “الموجة الشعبية” سوى نوعاً من النفاق أو “التقية” أو الخوف، ومن يتابع أحاديث الجلسات ومواقع التواصل الاجتماعي، يفهم ما نريد قوله وإيصاله من رسائل وتحذيرات.
للحظة بدا أن الأردن والأردنيين جاهزون للذهاب حتى آخر الشوط في مطاردة الإجرام والمجرمين ... اليوم، نرى “التململ” يغزو بعض أوساطنا، حتى أننا اختلفنا بالأمس حول “عدد الشهداء” الكفيل بإحداث الانقلاب في الرأي العام، بعضهم قال أربعة أو خمسة، بعضهم الآخر اختصر العدد إلى واحد أو اثنين ... لا يبدو أن الرأي العام، الذي عاش “فزعة وطن” لحظة الاستشهاد المأساوية، يلمس أن الدولة جادة في انتهاج استراتيجية مستدامة، لتحصين الدولة والمجتمع، وتجفيف منابع التطرف ومحاربة الغلو ومطاردة الإرهاب والإرهابيين.
وإذا قرأنا “التعديل الوزاري” الأخير، من هذا المنظور، نرى أن المسألة برمتها إنما دارت حول هدف إضفاء مزيدٍ من التجانس على الفريق الاقتصادي للحكومة، وإعادة تدوير للحقائب والمواقع، بما يتلاءم مع خصائص هذا أو سمات ذاك، من القادمين الجدد إلى التركيبة الوزارية، وباستثناء أمرين اثنين رأينا فيهما “خبراً ساراً”: زيادة عدد الوزيرات وتصعيد وزير التربية النشط والإصلاحي الدكتور الذنيبات إلى موقع النائب الأول، لم نر في التعديل ما يعكس سلم الأولويات الأردنية في هذه اللحظة، وتحديداً في مجال محاربة الإرهاب من خلال إطلاق ورشة إصلاحات جذرية شاملة، تشمل مختلف الميادين ذات الصلة.
لا يجود التاريخ بكثير من الفرص للمجتمعات والدول، ولقد نجح الأردن في تحويل “تحدي” اغتيال الشهيد الكساسبة إلى فرصة، لكن الفرصة تضيع إن لم يجر اهتبالها ... لأن الفرصة المتأتية عن لحظة اهتياج غاضبة ومحتقنة، سرعان ما تضيع وتتبدد ما أن تهدأ الخواطر، ويرفع بيت العزاء، وهذا حصل في العام 2005 ولقد رأيناه رأي العين ... وأحسب أننا نواجه اليوم، وضعاً مشابهاً، ما لم يتم إدراك ما يمكن تداركه، ويجري البناء على اللحظة، لتحويل طاقة الغضب والتضامن والتعاضد والتوحد الوطني، إلى مدخل لقيادة البلاد نحو ضفاف أخرى
والضفاف التي نعني، هي ضفاف الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي، مشفوعاً ومؤسساً على إصلاح اقتصادي – اجتماعي، يخاطب مكامن الخلل ويعيد ترتيب سلم الأولويات ... إصلاح يشمل المدرسة والجامعة والمسجد، ويعيد الاعتبار لهيبة الدولة وسيادة القانون وتكافؤ، ويعزز قيم المواطنة الفاعلة والمتساوية، ويضع أسس الشراكة والمشاركة، وينخرط في تفاعل حقيقي مع مختلف الفاعلين السياسيين والمدنيين والحقوقيين والاجتماعيين في المجتمع.
ولأن الحرب على التطرف والغلو والإرهاب، هي حرب جيل أو جيلين على أقل تقدير، فإن من المنطقي التفكير بتقديم “شحنات غذائية عاجلة” للرأي العام الظمئ لما يطفئ عطشه، ويعزز يقينه بأننا سائرون في الاتجاه الصحيح ... هنا تمس الحاجة لمبادرات ترقى إلى مستوى الاختراقات، لكسب الثقة واستعادتها ووضع الناس على سكة مختلفة، بتخليصهم من ثقافة “اليأس” و”انعدام الجدوى” و”فقدان الأمل”، وثمة العديد من المبادرات التي يمكن التفكير بها في شتى المجالات، والتي يمكن أن تفتح أفقاً أمام الأردنيين، وتعزز التفافهم الواعي بالدولة، بعد أن أظهروا التفافاً عاطفياً نادراً في لحظة نادرة، قد لا تتكرر لعشرية قادمة من السنين.
لم نر مثل هذه المبادرات / الاختراقات وقد شقت طريقها إلى أسماع الأردنيين وانظارهم، خصوصاً الأجيال الشابة منهم، وبدا للوهلة الأولى أن مهمة حفظ “التجانس والوئام” بين أعضاء الفريق الوزاري هي المحرك لقرار التعديل، أو هي الأولوية التي تتصدر سلم الأولويات ... ولا أحسب أن أحداً من الأردنيين قد انشغل بهذه المسألة أو أعارها أي انتباه من أي من أي نوع، بعد أن ملّ الأردنيون من استقبال القادمين الجدد وتوديع المغادرين، لكأننا في إحدى محطات المترو أو القطار.
على أية حال، لم يفت الأوان بعد، بيد أننا لا نمتلك ترف الانتظار وإضاعة الوقت وتبديد المزيد من الفرص ... ودعونا نأمل أن نرى مبادرات جادة وجدية، لجبه الأخطار التي تدهمنا وتقرع أبواب غرف نومنا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل نبدد «اللحظة الأردنية النادرة» هل نبدد «اللحظة الأردنية النادرة»



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 18:58 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 18:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 00:01 2017 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تتأهل رسميًا إلى نصف نهائي بطولة أفريقيا للريشة الطائرة

GMT 20:57 2017 الأحد ,10 كانون الأول / ديسمبر

اختيار هشام نصر متحدثًا رسميًا لاتحاد اليد المصري

GMT 19:36 2018 الخميس ,03 أيار / مايو

ارتفاع أسعار تذاكر مباراة وداع فينغر

GMT 07:53 2018 الثلاثاء ,06 شباط / فبراير

تعرف على قواعد اختيار هدية عيد الحب لشريكة الحياة

GMT 02:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

المجلس الأعلى للقضاء يعاقب 15 قاضيا من مختلف المدن المغربية

GMT 06:17 2018 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

جيجي حديد في إطلالة من الجلد في عيد ميلاد حبيبها

GMT 23:48 2018 الخميس ,11 كانون الثاني / يناير

نجل "عبدالرؤوف" يكشف حقيقة حالته الصحية
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca