عن أية «عروبة» تتحدثون؟!

الدار البيضاء اليوم  -

عن أية «عروبة» تتحدثون

عريب الرنتاوي


على هامش «عاصفة الحزم»، تنامى الحديث عن «يقظة العروبة» وعودة الروح للعرب، حتى أن الأمين العام للجامعة العربية، بلغ به الحماس أسفل درك، عندما قال في الذكرى السبعين لتأسيس الجامعة، أن العرب يستشعرون لأول مرة خطورة التهديدات الأمنية التي تحيط بهم، ويقررون الرد عليها ... نسي هذا «النبيل» أن جامعته قامت في الأصل لمواجهة التهديد الصهيوني في فلسطين، نسي النكبة والنكسة والهزائم المتتالية، نسي الزحف الاستيطاني السرطاني، وعشرات المخيمات وملايين اللاجئين المبثوثين على امتداد خريطة العالم، نسي الحروب على غزة ولبنان، دع عنك سيناء وبحر البقر وجرائم السويس ... العرب لأول مرة يستشعرون التهديد، فقرروا الرد عليه... شكراً للحوثيين لأنهم ذكرونا بأننا عرب، شكراً لهم لأنهم أشعلوا جذوة العروبة فينا، بعد أن ظننا أنها انطفأت إلى غير رجعة.
الطريف أن الذين يمجدون العروبة هذه الأيام، «نظم من الشعر أو نثر من الخطب» ... هم أنفسهم الذين كانوا ضدها بالأمس، عندما كانت العروبة بما هي رابطة قومية تجمع الأمة بشعوبها المختلفة، مشروعاً يكتسب معنا هي في سياق ثورات التحرر الوطني ومعارك الاستقلال في مرحلة تصفية الاستعمار، وكانت المواجهة مع الغزوة الصهيونية المدعومة من قبل قوى الاستعمار القديم والجديد، هل المعيار للحُكم والاحتكام ... يومها استهدف كل من رفع لواء «العروبة» من قوميين عرب وناصريين وبعثيين ويساريين وحركات مقاومة.
اليوم تجري أبشع عملية تزييف للوعي في تاريخنا ... أخطأت هذه التيارات وخطايا زعاماتها، تساق للبرهنة على أن أعداء العروبة في تلك الأزمنة كانوا على صواب، مع أنهم لم يتملكوا يوماً مشروعاً قومياً أو تنويرياً أو تنموياً أو ديمقراطياً ... بل أن بعض تلك الدول والمجتمعات، تحوّلت إلى ماكينات تفريخ عملاقة، لإنتاج التطرف وتوزيع السلفية وإعداد جحافل الإرهابيين، التي نجحت في إدخال المنطقة برمتها، واحدة من أحلك عصور الظلام والرجعية.
اليوم، تستيقظ عروبتهم على قرع طبول الحرب مع هلال إيران الشيعي، الذي يرى بعض الظرفاء، أنه تحول إلى «بدر مكتمل» في اليمن ... البعض يستحضر «ذي قار» للإشارة إلى الطابع القومي للحرب بين عرب وفرس ... والحقيقة أن الحرب الدائرة حالياً أبعد ما تكون عن بعدها القومي ... هي حرب إمارات المذاهب وممالك الطوائف، وهي فصلٌ جديد من كتاب «الفتنة الكبرى» من صفين والجمل وحتى كربلاء.
لولا بعض من حياء، لأسقط البيان الختامي للقمة أي حديث عن القضية الفلسطينية، فهي في الأصل، لم تستحوذ على أي مساحة في مداولات القادة والزعماء على أية حال، بل ولربما نوقشت توصيات تدعو لإعلان انتفاء الخطر الصهيوني الاحتلالي الاستيطاني التوسعي، وتحول إسرائيل من «مشروع عدو» كما كانت إلى «مشروع صديق» كما يؤمل، وليضرب الفلسطينيون رؤوسهم بألف حجر، فالعرب منشغلون بأولويات أخرى، والعروبة يُعاد انتاجها وتفصيلها على مقاس عدو آخر.
بعض الحصفاء من دعاة العروبة الجديدة، زاوجوا بينها وبين الديمقراطية ... في هذه المقاربة، محاولة لتخطي أخطاء العروبة التقليدية وخطاياها، وهذا أمر مقبول، والوعي به تعاظم بعد نكسة حزيران، وافتضاح جرائم انتهاكات حقوق الانسان في السجون وأقبية التعذيب الناصرية والبعثية ... لكن «ليس كل ما يبرق ذهباً»، فبعض هذا الكلام الحق، أريد به باطل، فإذا بالداعين للعروبة الديمقراطية، يصطفون خلف أبشع أشكال «الأممية الإسلامية الجهادية» في سوريا، ويتحولون إلى رعاة وداعمين لكتائب وألوية وفصائل، امتهنت الذبح والحرق والتفجير والتفخيخ، ودائماً باسم «العروبة الديمقراطية»، التي هي بالقطع، ليست بعثية ولا ناصرية.
العروبة القديمة، إن جاز التعبير، صمدت لأربعة أو خمسة عقود ... هيهات أن تصمد «العروبة الجديدة» لأكثر من أربع أو خمس سنوات ... الأولى حملت عناصر مشروع مستقبلي وإن افتقرت إلى المنهجية الواقعية القائمة على المصلحة والمشاركة والتكامل والتدرج .... الثانية، تحمل مشروعاً ماضوياً، تظلله رايات «واقعة الطف»، وصيحات سيد الشهداء ويزيد بن معاوية ... الأولى، بنت مشروعها على مفهوم «الأمة» وكانت توحيدية إلى حد كبير، أما الثانية، فينهض مشروعها على مفهوم «المذهب»، فكانت تفتيتية بامتياز.
العروبة القديمة، أنتجت معاهدة الدفاع العربي المشترك في مواجهة إسرائيل، صحيح أنها لم تُفعّل، وأنها حصدت خيبة كبيرة عندما فُعّلت عشية النكسة الحزيرانية ... لكننا نتحدى اليوم من يتحدثون عن «القوة العربية المشتركة» أن يشيروا ولو بسطر واحد أو كلمة واحدة، أن من وظائفها وأهدافها حماية الفلسطينيين تحت الاحتلال والحصار ... لن يفعلوا ذلك ولن يقووا عليه ... إسرائيل تعرف ذلك، لذا رأينا بعض محلليها الاستراتيجيين يرحبون بتشكيل هذه القوة ... أية مفارقة هذه؟!
لا العروبة القديمة كما عرفناها نجحت في تحقيق هدف بناء الأمة وتوحيدها وتحقيق أحلامها، ولا العروبة الجديدة، مؤهلة فكراً ومشروعاً وقيادة وروافع لتحقيق أي من طموحات هذه الأمة وأهدافها ... يبدو أن مشوار العرب لاسترداد عروبتهم ما زال طويلاً ... يبدو أن مشوار سقوطهم وانحدارهم لم يبلغ بعد نهايته فلا قعر مرئياً للجرف الذي نهوي إليه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن أية «عروبة» تتحدثون عن أية «عروبة» تتحدثون



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 19:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 17:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدًا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 05:32 2016 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

علماء يحذرون من انقراض "فرس البحر" لاختفاء طعامها

GMT 07:39 2015 الخميس ,31 كانون الأول / ديسمبر

استمتع في "جزيرة غرينادا" في منطقة البحر الكاريبي

GMT 01:13 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

اللون الأحمر الناري في ديكور 2018 لمحبي الجرأة والتغيير

GMT 05:28 2014 الإثنين ,13 تشرين الأول / أكتوبر

فندق "حياة كابيتال" يتربع على الأبراج المائلة

GMT 10:41 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

فاطمة ناصر تعلن مشاركتها بفيلمين في أيام قرطاج السينمائي

GMT 04:44 2016 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

شركة تطلق حذاءً رياضيًا جديدًا يمكنه تدفئة القدمين
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca