خطوة مصرية في الاتجاه الصحيح

الدار البيضاء اليوم  -

خطوة مصرية في الاتجاه الصحيح

عريب الرنتاوي


أن تقدم الحكومة المصرية على «الطعن» بقرار محكمة الأمور المستعجلة بإدراج حماس في قوائم الإرهاب، فهذه خطوة في الاتجاه الصحيح من دون شك، تسجل للقاهرة لا عليها... وأحسب أن المحكمة بقرارها «المتعجّل»، ومن باب «ربّ ضارة نافعة»، وفرت لنا فرصةً للتعرف على حقيقة الموقف المصري من الداخل حيال حماس، بعد التغيير الذي أطاح بنظام الإخوان، وأتاحت لنا وسيلةً للتأكد من أن الحرب الإعلامية –القضائية على حماس، لم تعكس في حقيقتها، او لم تعكس بدقة، الموقف الداخلي لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي.
على أية حال، كنا استبعدنا في حمأة «ردة الفعل الطائشة» التي صدرت عن بعض قيادات حماس، أن ينزلق المستوى السياسي في مصر إلى هذا الدرك في الحرب على حماس، وقلنا إن الدبلوماسية المصرية تكون كمن يطلق النار على قدميه، إن هي انجرفت بعيداً وراء دعوات «شيطنة» حماس وإدراجها على القوائم السوداء للمنظمات الإرهابية، وانتقدنا ردة الفعل المتسرعة التي صدرت عن بعض قادة الحركة في قطاع غزة، وقلنا إنها «ردة فعل أسوأ من الفعل ذاته» ... اليوم، يعود صوت العقل والمنطق والحكمة، ويُعاد تعريف وتحديد قضايا الخلاف بين الحركة الفلسطينية والنظام المصري.
لا يعني القرار بحال، أقله في المدى المرئي، انقلاباً في مواقف القاهرة من الحركة والجماعة الأم ... لكن مصر تدرك أن دورها الإقليمي الذي تسعى في استرداده، يبدأ من فلسطين، ولا دور لمصر في المسألة الفلسطينية بملفاتها المتعددة، إن هي ذهبت إلى آخر الطريق، في استعداء حماس، وتكريس القطع والقطيعة في العلاقة معها... نفهم القرار في هذا السياق، وفي هذا السياق فقط، مدركين أن قضايا الخلاف وأسباب العداوة المتبادلة ما زالت كامنة تحت السطح.
قلنا ونقول: أن مصر لن تستطيع أن تواصل دورها الوسيط بين طرفي الانقسام إن هي سدّت قنوات الاتصال مع فريق منهما، وهو أمر كنا تحدثنا عنه قبل سنوات، حين راج الحديث عن «دور أردني» في الوساطة بين الفلسطينيين ... وقلنا ونقول إن مصر، لن تتمكن من متابعة ملفات إعادة الإعمار وتثبيت التهدئة في القطاع وفتح المعابر ورفع الحصار، إن هي فقدت القدرة على التواصل مع «سلطة الأمر في القطاع»، أي مع حماس، بدعوى اندراجها في عداد المنظمات الإرهابية.
ستذهب التأويلات والتفسيرات للخطوة المصرية في كل اتجاه، فهناك من سيقول إن قرار المحكمة المصرية الذي اتخذ عشية زيارة السيسي الأخيرة للرياض، تعبيراً عن رغبة النظام في توجيه رسالة للرياض التي شرعت في الانفتاح على جماعة الإخوان والمصالحة مع تركيا وقطر، قد استنفذ أغراضه، وأن مصر بدأت تقرأ جيداً اتجاهات هبوب الريح الإقليمية والدولية حيال الجماعة، وأن «الطعن» الحكومي في القرار، إنما يندرج في سياق التكيف مع المعطيات الإقليمية الجديدة، خصوصاً بعد التغيير الذي حصل في مواقف الرياض، وقد يذهب بعضهم للقول إن قرار المحكمة جاء عشية زيارة الرياض وأن الطعن فيه، جاء عشية مؤتمر شرم الشيخ للدول المانحة لمصر ... مثل هذه القراءة، تبدو منطقية من منظور «التحليل السياسي»، وإن كنا غير قادرين على إسنادها بالمعلومات والبراهين والأدلة.
وقد يربط البعض الآخر «قرار الطعن»، بمؤشرات على احتمال إحداث تغيير في مقاربة نظام الرئيس السيسي لبعض الملفات الداخلية والإقليمية، والتي بدأت بالتعديل الوزاري الأخير الذي أطاح بوزير الداخلية العابر للعهود والثورات، ومن ضمن توجه لإجراء بعض التهدئات والمصالحات في العلاقات بين الحكم وأطراف المعارضة الإسلامية في البلاد ... مثل هذه القراءة، تبدو كسابقتها، واقعية إلى حد كبير، سيما في ضوء الانتقادات التي توجه للنظام في ملفات حقوق الإنسان وعودة العهد القديم، واستهداف جميع المعارضات، لا الإخوان وحدهم، فضلاً عن الإخفاق في توفير مناخات أمنية أفضل في سيناء والوادي وعلى الحدود الغربية، ما يضع مصر في قلب الإعصار الذي يضرب دولاً عربية عديدة.
المهم، أن القرار قد اتخذ، وحماس أبدت ترحيبها به، على الرغم من «الشكل المتبجح» لهذا الترحيب، بإصراره على إقامة تماثل بين الحركة من جهة والشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية من جهة ثانية، وتلك نزعة تليق بالنظم الشمولية/ التوتاليتارية، ولا تليق بحركة تحرر وطني ترزح ويرزح شعبها معها، تحت نير الاحتلال والعدوان والاستيطان والحصار... وأحسب أن ترحيب حماس بالخطوة المصرية، يملي عليها المزيد من المراجعات، لطريقة تعاملها مع مصر والإخوان، بل ولنهجها الإعلامي والسياسي بمجمله.
السلطة التي استقبلت من على مقاعد «المتفرجين» الأزمة المتفجرة بين القاهرة وحماس، وفي نفسها شيء من «الرضى» و»الشماتة» إن جاز التعبير، لم تغادر مقاعدها تلك، حتى بعد التطور الأخير الذي طرأ على هذه العلاقات، ولا شك أنها مثل أي «مراقب»، تكتفي بالفحص والتمحيص والتحليل، بدل أن تقوم بدور قيادي لإغلاق هذه الملفات، إن لم يكن من أجل حماس، شريكها في الوطن، فأقله من أجل أكثر من 1.8 مليون فلسطيني محاصر ومجوّع في الشطر الثاني من هذا الوطن.
على أية حال، وأياً كانت الظروف التي لابست اتخاذ المحكمة لقرارها وطعن الحكومة فيه، فإن خطوة الحكومة المصرية مرحب بها، ويجب البناء عليها، لا من الجانب المصري فحسب، بل ومن جانب حماس والسلطة كذلك.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خطوة مصرية في الاتجاه الصحيح خطوة مصرية في الاتجاه الصحيح



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 18:58 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 18:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 00:01 2017 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تتأهل رسميًا إلى نصف نهائي بطولة أفريقيا للريشة الطائرة

GMT 20:57 2017 الأحد ,10 كانون الأول / ديسمبر

اختيار هشام نصر متحدثًا رسميًا لاتحاد اليد المصري

GMT 19:36 2018 الخميس ,03 أيار / مايو

ارتفاع أسعار تذاكر مباراة وداع فينغر

GMT 07:53 2018 الثلاثاء ,06 شباط / فبراير

تعرف على قواعد اختيار هدية عيد الحب لشريكة الحياة

GMT 02:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

المجلس الأعلى للقضاء يعاقب 15 قاضيا من مختلف المدن المغربية

GMT 06:17 2018 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

جيجي حديد في إطلالة من الجلد في عيد ميلاد حبيبها

GMT 23:48 2018 الخميس ,11 كانون الثاني / يناير

نجل "عبدالرؤوف" يكشف حقيقة حالته الصحية
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca