الأردن ومهمة إعداد القوائم البيضاء والسوداء

الدار البيضاء اليوم  -

الأردن ومهمة إعداد القوائم البيضاء والسوداء

عريب الرنتاوي

منذ انتهاء اجتماعات فيينا بتكليف الأردن “تنسيق” قائمة سوداء للجماعات والفصائل الإرهابية في سوريا، والأوساط الدبلوماسية والإعلامية في عمان، تتحرك في كل اتجاه، للتعرف على الكيفية التي سيعالج بها الأردن هذا الملف الشائك والحساس، واستشراف النتائج التي ستخرج في نهاية البحث والتبويب والتصنيف، ولست أبالغ إن قلت أن هذا الموضوع تصدر قائمة اهتمامات كل من التقيناهم خلال الأيام الفائتة. 
حساسية المسألة تكمن في الأساس، في تضارب المصالح واصطراع الأجندات والتحالفات التي تتفاعل على الأرض السورية، فمن هو إرهابي بالنسبة لهذه الجهة، يُصنف كحليف موثوق لجهة أخرى، ومن آيات ذلك أن “حركة أحرار الشام” على سبيل المثال، هي الحليف الموثوق لكل من تركيا وقطر والسعودية، وكذا جيش الإسلام والعديد من الفصائل المسلحة، بينما يُنظر لهذه المجاميع من قبل أطراف عديدة، كسوريا وإيران وروسيا وحتى الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، بوصفها جماعات متطرفة وإرهابية، أو من باب أضعف الإيمان بوصفها “قوى حليفة للجماعات الإرهابية”. 
الأمر ذاته ينطبق على وحدات الحماية الشعبية الكردية، التي ينظر إليها الغرب والشرق، روسيا وأوروبا والولايات المتحدة، كحليف موثوق، يستحق التسليح والتدريب والتغطية الجوية بل وتبادل “البعثات والممثليات”، فيما هي بالنسبة إلى أنقرة، أشد خطراً وتهديداً من “داعش” نفسها، وتضعها في صدارة قائمتها السوداء للمنظمات الإرهابية. 
الإخوان المسلمون في سوريا، لا يشذون عن القاعدة السابقة، فهم الحليف الأوثق لكل من قطر وتركيا، ومشروع حليف قريب للسعودية، بينما هم في صدارة قائمة أعداء كل من مصر والإمارات المتحدة، وبدرجة أقل الأردن ودول أخرى ... ومن يراقب المشهد الميداني السوري على الأرض، وخرائط الخنادق والمعسكرات المتقابلة، يرى أن لكل فريق من هؤلاء الأفرقاء، داعموه ورعاته وممولوه. 

ولأن الأردن يحتفظ بعلاقات متفاوتة مع مختلف الأطراف المتورطة بالأزمة السورية، وبعضها له تأثير كبير على الأردن، بالنظر لطبيعة العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية الخاصة والمتميزة التي تربطه بها، فإن مهمته لن تكون سهلة على الإطلاق، وإلى الحد الذي قد يتمنى معه لو أنه لم يقبل بهذا “التكليف”، أو على أقل تقدير، اشترط له صيغاً وأطراً أخرى، كفيلة بـ”توزيع دم الفصائل على القبائل” العربية والإقليمية والدولية. 
لا شك أن الأردن لم يتفاجأ بصعوبة المهمة، وهو لم يقبل بها، إلا وكان لديه تصور عن الكيفية التي سيدير بها المسألة، وهنا يسعى الأردن في إعطاء دوره صفة “المنسق” وليس “المكلف” بإعداد القائمة، وفي هذا السياق، يجري الحديث عن لقاءات واجتماعات واتصالات تشاورية وتنسيقية مع مختلف الأطراف، لبناء توافق حول القائمة وتصنيفاتها والمعايير المعتمدة لإعدادها. 
ثم أن الأردن، ربما يفضل التوجه لإعداد “قائمة بيضاء” بالقوى والمجاميع غير الإرهابية، من خلال تصنيف الفصائل القائمة على الأرض وفقاً لمعيار ابتدائي رئيسي وحاسم: من مع عملية فيينا وخيار التفاوض ومن ضدها، عندها سيجري حكماً استثناء كل من سيعارض وقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات، بوصفه جزءاً من المشكلة وليس جزءاً من الحل، وقد يستحق الاندراج تالياً في عداد القوائم السوداء للمنظمات والفصائل الإرهابية. 
على أن هذا المعيار وحده لا يكفي للتصنيف والتبويب، فهو يصلح لعملية فرز ابتدائية، لكن العملية بحاجة إلى “فلاتر” أخرى، قبل التوصل إلى إعلان الحكم النهائي في القضية موضع البحث والتداول، ونذكر هنا معياراً واحداً على سبيل المثال لا الحصر، مشتقاً من الروح التي صيغ بموجبها إعلان فيينا، والتي شددت على حفظ التنوع واحترام التعدد السوريين، وحق جميع أبناء سوريا وبناتها ومكوناتها، المشاركة في صنع مستقبلها والانخراط بنظامها الجديد، وبما يحفظ حقوقهم وحرياتهم ومشاركتهم وتمثيلهم ... هنا ستجد بعض القوى الظلامية التي تتطلى خلف عباءة بعض التحالفات الإقليمية، ويجري تسويغها وتسويقها بوصفها قوى معارضة معتدلة، ستجد نفسها أمام واحد من خيارين: إما إحداث تغيير جذري في خطابها السياسي والفكري، وعندها أهلاً وسهلاً بها، وإما إعلان التمرد والانشقاق عن عملية فيينا ومفاوضاتها، وعندها تكون قد قررت بقرار ذاتي، وضع اسمها على قائمة المنظمات الإرهابية السوداء. 
على أن المسألة برمتها، ستظل في مطلق الظروف والأحوال، بحاجة إلى بحث ونقاش وتمحيص في فيينا من جديد، وعلى المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤوليته في فرز غث الحركات المسلحة عن سمينها، وأن يُتبع توافقاته، بقرار يصدر عن مجلس الأمن بموجب الفصل السابع، وتصبح الحرب على جميع الفصائل المصنفة إرهابية، حرب الجميع، بصرف النظر عن اختلاف الأحلاف والمحاور التي يندرجون بها. 

مثل هذه المسألة بحاجة ابتداءً، لتوافق أمريكي – روسي، يجري فرضه على بعض اللاعبين الإقليميين، الذين تدفعهم حسابات وأجندات وإيديولوجيات و”ثارات” عميقة، إلى خلط حابل الاعتدال بوابل التطرف، بعض هذه الأطراف، تخلو قوائمها إلا من اسم واحد: داعش، أما بقية الجماعات الإرهابية، فهي مشروع حليف أو “نواة معارضة معتدلة”... بالنسبة لهؤلاء، فإن جبهة النصرة هي مشروع حليف، ألا تذكرون نداءات خالد خوجة ومناشداته لها بالتخلي عن روابطها بالقاعدة، ألا تذكرون المقابلة التلفزيونية الشهيرة مع “أبو محمد الجولاني” والتي لم يكن لها من وظيفة سوى “تلميع” الأخير، وتأهيله لقيادة المعارضة المعتدلة؟ ... وهل هي مجرد صدفة محضة، أن تتحرك الوساطة القطرية على خط تحرير العسكريين اللبنانيين المحتجزين لدى جبهة النصرة، بنشاط لإتمام صفقة التبادل مع الأمن اللبناني، في حمأة الاتصالات لتحضير القوائم السوداء (والبيضاء) التي ستتوزع عليها الفصائل والجماعات المسلحة السورية؟ ...

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأردن ومهمة إعداد القوائم البيضاء والسوداء الأردن ومهمة إعداد القوائم البيضاء والسوداء



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 13:23 2017 الخميس ,28 أيلول / سبتمبر

شاب يفاجئ بأخته ضمن وفد من المومسات في الناظور

GMT 14:42 2019 الإثنين ,28 كانون الثاني / يناير

فتح تحقيق مُعمَّق في افتراس حيوان مُتوحِّش لشخص في زاكورة

GMT 08:02 2018 الإثنين ,02 تموز / يوليو

فوائد لا تحصى عند امتصاص حبة قرنفل صباحًا
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca