اتفاق رابح -رابح

الدار البيضاء اليوم  -

اتفاق رابح رابح

عريب الرنتاوي


حين تحتفل واشنطن وطهران باتفاق الإطار، فمعنى ذلك أن كل فريق حصل على الحد الأدنى مما يريد، وأن المعادلة التي حكمت الاتفاق هي “معادلة رابح– رابح”، وليس “المعادلة الصفرية” كما قال الوزير محمد جواد ظريف ... نتيجة كهذه تسجل بحروف نافرة في تاريخ الدبلوماسية الإيرانية، وتضاف إلى رصيد المفاوض الإيراني، الذي تمكن خلال 18 شهراً متواصلة، من مقارعة القوى الكبرى، بكل عزم وتصميم وثبات وطول نفس، معظماً منجزاته في الصفقة قيد التشكل... لهذه الدبلوماسية وهذا الأداء الصلب، تُرفع القبعات، لا سيما من قبل مراقبين مثلنا، “تتطبعوا” على مدى نصف قرن، مع أداء دبلوماسي وتفاوضي عربي متهافت، بدءاً بصفقات السلاح وانتهاء بقضايا السيادة والأوطان.
من تتبع التغطيات الكثيفة طوال ليلة التوقيع على اتفاق لوزان، وردود الأفعال الأولية عليه، لا شك لاحظ حجم “التهافت” و”الابتذال” اللذان قارفهما الإعلام العربي في شرح الموقف، وبدا أن أحداً ليس معنياً حتى بقراءة “المعايير التفصيلية” التي جرى الإعلان عنها، أو قرأها على قاعدة “ولا تقربوا الصلاة...”.
على الضفة المعادية لإيران، وجدنا من يقول إن “نظام الملالي” أذعن ورفع الراية البيضاء، رادّاً السبب إلى عاصفة الحزم التي “أنهكت” الدور الإقليمي لطهران وأفقدتها توازنها ... إلى مردد كالببغاء لنظرية المؤامرة السقيمة، التي تتحدث عن مسرحية إيرانية – أمريكية معدّة سلفاً، كانت بحاجة لحبكة وإخراج وكومبارس وجمهور، لا أكثر ولا أقل.
وعلى ضفة “المقاومة والممانعة”، بدا كما لو أن عواصم العالم الكبرى، قد جثت على ركبها، طالبة الصفح والغفران، معلنة الخنوع والإذعان ... لم يشغل متحدثون من هذا المعسكر أنفسهم باستعراض بنود الاتفاق ولا بقراءة مغزى التنازلات الإيرانية في ملفات ومواضيع عديدة... إيران منتصرة دائماً، وانتصاراتها من النوع الاستراتيجي أو الـ “Game Changer”.
إدارة أوباما، على لسان الرئيس ووزير خارجيته، قدمت مرافعة بالغة الأهمية حول مضمون هذا الاتفاق، ما له وما عليه، ما الذي يحققه للمجتمع الدولي وما الذي يحفظه لإيران من حقوق ومزايا ... ظريف نفسه، قدم مطالعة بالغة الأهمية دفاعاً عن الاتفاق، عارضاً لمختلف جوانبه، ومبشراً بعصر جديد من التعاون ... كل فريق كان يخاطب جبهات واسعة من الخصوم والمتربصين في “الداخل” و”الإقليم” وعلى الساحة الدولية، ولهذا كان من الطبيعي أن يبدأ بتعداد منجزاته، قبل أن يمر بما توفر عليه الاتفاق من مكتسبات للطرف الآخر.
أهم إنجازين حققتهما إيران في هذا الاتفاق هما: (1) انتزاع الإقرار برفع العقوبات الجوهرية المضروبة عليها، سواء من قبل مجلس الأمن أو من الدول والتكتلات الدولية ضمن آلية شفافة ومختصرة ... (2) انتزاع حقها في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، واحتفاظها بالبنية التحتية لبرنامجها، حتى وإن تغيرت استخدامات بعض المنشآت والمواقع الحساسة، أو تباطأت وتيرة الإنتاج والتخصيب... إيران تعود للاندماج في المجتمع الدولي، ومرحلة العمل لإعادة استنهاض الاقتصاد الإيراني، ستبدأ قبل الانتهاء من كتابة نص الاتفاق النهائي.
أما أهم إنجازين حققتهما واشنطن فهما: (1) الوصول إلى آليه شفافة ومحكمة للرقابة والمتابعة والتفيش، طويلة الأمد وشاملة، وغير مسبوقة في رامج التفتيش الدولي كما قال أوباما ... (2) إبعاد إيران لمسافة عام كامل عن انتاج القنبلة، بدل شهرين أو ثلاثة أشهر كما هو الوضع حالياً ... أوباما أوفى بوعده، انسحب أو هو في طريقه للانسحاب من حربين أشعلهما أسلافه، ولم يدخل في حرب ثالثة ضد إيران، وبات بمقدور إدارته أن تضفي نوعاً من التوازن على علاقاتها مع القوى الإقليمية الفاعلة في المنطقة ... وثمة عشرات التفاصيل التي يستطيع كل فريق أن يحشدها للتأكد من سلامة مكتسباته بموجب الاتفاق.
خلال الأشهر الثلاثة القادمة، ستحتدم المعارك حول الاتفاق النهائي ... معارضو الاتفاق لم يلقوا أسلحتهم بعد، وفشلهم في قطع الطريق على اتفاق الإطار، سيشحذ هممهم من أجل الظفر بمعركة الاتفاق النهائي في نهاية حزيران القادم، بدءا من الكونغرس مروراً بنتنياهو وليس انتهاء بالسعودية وبعض حلفائها.
لكن يبدو أن قطار الاتفاق النهائي قد غادر محطة لوزان، وهيهات أن يتوقف بعد أن باتت الدول الست الكبرى، ملزمة بالدفاع عن تواقيعها واحترام تعهداتها ... المعركة ستكون ضارية بلا شك، وشياطين الأرض تقبع في التفاصيل، ولكن ضغوط المصالح وقوة الإرادة السياسية التي تكشف عنها الرئيسان أوباما وروحاني، تدفع للاعتقاد بأننا بانتظار نهايات سعيدة.
وأحسب أن عشرات الشركات العملاقة قد بدأت فعلياً تحضير عروضها للعمل والاستثمار والاتجار مع إيران ... أول الغيث جاء من موسكو التي عرضت على طهران صفقة لأحدث أنظمة الدفاع الجوي، وهي التي طالما ترددت في بيعها منظومة “إس 300” الأقل تطوراً.
أما الملفات الإقليمية المفتوحة في المنطقة، فهي ستنتظر “استراحة المحارب” الذي أعيته المفاوضات الشاقة والمريرة، ولكنها لن تنتظر طويلاً على ما يبدو، فليس لدى “المتورطين” فيها، ترف الانتظار، وربما لم تعد لديهم الطاقة لتحمل المزيد من الاستنزاف.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اتفاق رابح رابح اتفاق رابح رابح



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 19:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 17:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدًا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 05:32 2016 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

علماء يحذرون من انقراض "فرس البحر" لاختفاء طعامها

GMT 07:39 2015 الخميس ,31 كانون الأول / ديسمبر

استمتع في "جزيرة غرينادا" في منطقة البحر الكاريبي

GMT 01:13 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

اللون الأحمر الناري في ديكور 2018 لمحبي الجرأة والتغيير

GMT 05:28 2014 الإثنين ,13 تشرين الأول / أكتوبر

فندق "حياة كابيتال" يتربع على الأبراج المائلة

GMT 10:41 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

فاطمة ناصر تعلن مشاركتها بفيلمين في أيام قرطاج السينمائي

GMT 04:44 2016 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

شركة تطلق حذاءً رياضيًا جديدًا يمكنه تدفئة القدمين
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca