في الطريق إلى الأستانة

الدار البيضاء اليوم  -

في الطريق إلى الأستانة

بقلم : عريب الرنتاوي

الطريق إلى الأستانة، حيث من المقرر أن تلتئم مائدة الحوار السوري – السوري الشهر المقبل، لا يبدو معبداً ولا سالكاً، على الرغم من أجواء التفاؤل التي أشاعتها أطراف لقاء موسكو الثلاثي: روسيا، تركيا وإيران … لكن اللقاء مع ذلك، يبدو، مختلفاً عمّا سبق من لقاءات استضافتها العاصمة الكازاخية، والتي كادت تقتصر في حينه على “مجموعة حميميم”.

ونقول لقاءً مختلفاً، لأن الأطراف التي ستشارك فيه لأول مرة، ستضم فصائل مسلحة، لطالما صنفتها موسكو “إرهابية”، من بينها أحرار الشام وجيش الإسلام وجماعة زنكي وغيرها من القوى الفاعلة على الأرض في ريف حلب وإدلب وأطراف الغوطتين، وهي جميعها محسوبة على “المخابرات التركية” وإن كان ذلك لم يمنع بعضها من تلقي المال الخليجي، ونسج صلات قوية مع أجهزة مخابرات عربية معروفة بتورطها في الأزمة السورية.

هنا، لا يكفي القول بأن موسكو رضخت لاعتبارات تحالفها المستجد مع أنقرة، فهذا ربما يكون جانباً واحداً من الصورة، أما الجانب الآخر، فيتمثل في “سأم” موسكو من التعامل مع معارضات “ورقية” لا قيمة لها ولا نفوذ على الأرض، سواء تلك المتمثلة في مجموعة “حميميم” إياها، أو تلك المنضوية في إطار “هيئة التفاوض” والائتلاف السوري المعارض في إسطنبول … وكل حديث روسي عن “تهدئة شاملة” في مرحلة “ما بعد حلب”، لن يستقيم من دون التخاطب المباشر مع من بيده السلاح وقرار التهدئة أو التصعيد.

أمرٌ كهذا لا بد سيثير غضب النظام، ومن خلفه طهران وحزب الله ومن والاهم من ميليشيات وقوى رديفة وحليفة … فأحلام الحسم العسكري عند هذا الفريق انتعشت بعد حلب، وكما لم يحدث من قبل – ربما – وأعين هذا الفريق، تتسمر حول العاصمة وجيوب المعارضة التي تحيط بها، وتعكر صفو أمنها بين الحين والآخر، وإدلب على مرمى حجر من حلب واللاذقية وحماة، وتدمر عادت إلى قبضة “داعش” قبل أن تهنأ بالخلاص من حكمه البغيض.

ومما لا شك فيه أن قرار دمشق الجلوس قبالة ممثلي هذه القوى، وبعضها لا يقل سوءاً كثيراً عن “داعش” و”النصرة”، سيكون نوعاً من تجرع السّم، لكن السّم الزعاف، لا يكمن هنا فحسب، بل حين يُرمى بأوراق “التفاهمات التركية الروسية” على مائدة الحوار، والتي يقال إنها تضمنت التزام كافة هذه الأطراف بالتهدئة والحل السياسي بضمانة تركية – روسية، والشروع في إعادة تشكيل “الجيش الوطني” بضم هذه الفصائل إلى الجيش السوري، وتشكيل مجلس عسكري موحد، يضم قادتها … لا أحسب أن أمراً أكثر من هذا، يمكن أن يخرج النظام عن طوره.

قبل أيام، تحدث السيد حسن نصر الله عن مرحلة “ما بعد حلب” وعَدّ النصر فيها، بداية نهاية الأزمة السورية …ما نود قوله في هذا المقال، أن على السيد نصر الله، أن ينظر إلى ما يعده حليفه الروسي من ترتيبات، ستجعل هذه المجموعات، وربما الأكثر تطرفاً منها، طرفاً في “حوار سوري – سوري”، معدة نتائجه سلفاً، وسيجري برعاية مشتركة مع “سلطان العثمانية الجديدة”.. هنا وهنا بالذات، يتعين استخلاص العبر والدروس عند تقييم ما جرى في حلب وما يجري بعدها.

على أية حال، لا نعرف كيف سيجري تذليل عقبة الاعتراض السوري – الإيراني على ورقة الأستانة أو الشركاء المتحلقين حول مائدة الحوار، أو حتى على الراعي التركي لهذه الحوارات … لكن القصة لا تنتهي هنا، فتركيا، التي تضطلع بدور متزايد في الأزمة السورية، تريد لـ “ميليشيات حزب الله وغيرها” أن تغادر الأراضي السورية، وهي التي تعمدت بالدم، وقدمت مئات وألوف الضحايا على مذبح الدفاع عن النظام و”المحور”.

وتركيا، من موقعها كشريك في الرعاية و”الضمانة” لا تريد لوحدات حماية الشعب الكردي وحزب العمال الكردستاني أن يكون لها مقعداً على مائدة الأستانة … وفي أسوأ سيناريو، ستقبل بوجود أكراد سوريا من ضمن وفد النظام، وليس من ضمن وفد المعارضة، وفقاً لبعض التسريبات الصحفية، وهذا أمرٌ لن يقبله النظام، الذي يواجه تحدياً عسكرياً – أمنياً – سياسياً مع الأكراد في دير الزور، وفي أحد عشر حياً من أحياء حلب “المحررة”، تستولي عليها “الوحدات” وترفع فوقها علم “روج آفا” ولم تسمح للجيش السوري ولا حتى لشرطة المرور السورية، بدخولها.

كما أن الأكراد، ما كانوا ليخوضوا كل هذه المعارك ضد داعش وبعض أطراف المعارضة، ويقدموا كل هذه الأعداد من الضحايا ليعودوا للانضواء تحت راية النظام وفي عداد وفده التفاوضي … والمؤكد أن زيادة الانتشار العسكري الأمريكي في مناطق سيطرتهم مؤخراً واقتراب وحداتهم من جسر تشرين ومدينة الطبقة، سيجعلهم في غنى عن القبول بهذا النوع من الترتيبات: الجلوس على مائدة برئاسة تركية مشتركة، وخلف العلم السوري، ومن ضمن أعضاء الوفد الحكومي، ومن دون أي أفق أو أمل في انتزاع ما يشفي غليلهم لاستعادة كيانيتهم.

الطريق إلى الأستانة ليست سالكة، والجهود الرامية لجعل الحوار السوري – السوري المنتظر فيها، قد تسقط في فجوة الخلافات الكبيرة بين طهران وأنقرة وموسكو، وهي خلافات لا تتعلق براهن الأزمة السورية فحسب، بل ومستقبلها أساساً، لكن حالة “الاستنزاف” التي تعيشها مختلف القوى المتورطة في المستنقع السوري، تبقي دائماً فرصة أمام الديبلوماسية لاجتراح المعجزات، حتى في زمن انتهاء المعجزات، فلننتظر لنرَ.

المصدر : صحيفة الدستور

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في الطريق إلى الأستانة في الطريق إلى الأستانة



GMT 07:14 2021 الجمعة ,24 كانون الأول / ديسمبر

"العالم المتحضر" إذ يشتري البضاعة القديمة ذاتها

GMT 06:32 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

"فتح" و"حماس" ولبنان بينهما

GMT 06:13 2021 الأربعاء ,15 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

GMT 06:13 2021 الأربعاء ,15 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

GMT 06:18 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

GMT 09:46 2017 الخميس ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة الحموشي تحتفي بأبناء وأرامل شهداء أسرة الأمن الوطني

GMT 19:39 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

الفضاء الأيكولوجي رهان التنمية المستدامة في مدينة وجدة

GMT 16:56 2015 الأربعاء ,06 أيار / مايو

الفنانة سلمى رشيد تشارك في عمل تلفزيوني جديد

GMT 19:14 2019 الخميس ,17 كانون الثاني / يناير

"طائرة الأهلي" تنهي استعداداتها لمواجهة الشمس الجمعة

GMT 08:55 2018 السبت ,13 تشرين الأول / أكتوبر

زيادة جديدة في أسعار سجائر "مارلبورو" و"ميريت"

GMT 23:12 2018 الثلاثاء ,26 حزيران / يونيو

هيثم خيري يعود إلى القصة القصيرة في "الصين الشعبية"
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca