حديث «الفيدرالية»

الدار البيضاء اليوم  -

حديث «الفيدرالية»

بقلم : عريب الرنتاوي

الأردنيون هم الأكثر شغفاً بالحديث عن مشاريع “الفيدرالية” و”الكونفدرالية” مع فلسطين، فما أن يصدر تصريح عن ضابط إسرائيلي أو يُنشر مقال لباحث أمريكي، حتى يندلع النقاش مجدداً حول هذه المسألة، وتضج الصحافة، وبالأخص وسائل التواصل الاجتماعي، بسيل جارف من التحليلات والتعليقات ... الأمر ذاته، يتكرر كلما قام وفد شعبي أردني أو فلسطيني بزيارةٍ لرام الله أو عمان.

الأمر مفهوم تماماً، طالما أن غالبية التحليلات والتعليقات تتناول المسألة برمتها، من باب “التآمر” على الأردن وفلسطين معاً، وتحديداً على الأردن هوية وكياناً ... وغالباً ما جرى تفسير بعض السياسات المحلية بوصفها توطئة لهذا المشروع، أو مقدمة ضرورية لفرضه على الأردن والأردنيين ... فهل تذكرون كيف قرأ البعض مشروع الأقاليم الثلاثة التي طُرح منذ عدة سنوات؟ ... هناك اليوم، من يربط تراكم المديونية الخارجية على الأردن، بمآلات “الخيار الأردني”.

والأردنيون، بعضهم على الأقل، محقٌ تماماً في إبداء مخاوفه وتحسباته ... فـ “الفيدرالية” بصيغها المختلفة، لا تطرح عادة إلا متزامنة مع فرضيات تعثر “حل الدولتين” وتآكل فرص قيام دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة ... بهذا المعنى، تصبح “الفيدرالية” وسيلة لحل أزمة إسرائيل مع الديموغرافيا الفلسطينية، وليست تجسيداً لرغبة الشعبين الشقيقين، الحرة والمستقلة، في إعادة وصل ما انقطع من علاقاتهم الوحدوية.

أي أن “الفيدرالية” في تجلياتها الواقعية، الأكثر ترجيحاً، ستكون في واقع الحال، “رابطٌ” ما بين الأردن، دولة وشعباً وكياناً من جهة، و”سكان” ما تبقى من فلسطين، تتوزعهم كانتونات منفصلة، تتميز بكثافة سكانية عالية من جهة ثانية ... وسوف يتحول القلق إلى “كابوس”، عندما يقترح البعض، إدراج قطاع غزة في الترتيبات الفيدرالية التي يجري تداولها والتعليق عليها ... ما يعني إلحاق أكثر من 4.5 مليون فلسطيني من سكان الضفة والقطاع بالأردن، لا يتوفرون على أكثر من ثلاثة أو أربعة آلاف كيلومتر مربع من الأراضي التي قد “تتخلى” عنها إسرائيل وقد تخليها بشروط “أمنية مشددة”.

لا يقلل من شأن هذه المخاوف، ولا يبدد قلق الأردنيين، التطمينات التي يطلقها بالعادة سياسيون أردنيون من أنصار هذا “الخيار”، عندما يقولون أن أي ترتيب مستقبلي بين الأردن وفلسطين، سيكون بعد قيام الدولة الفلسطينية، وبموافقة الشعبين الشقيقين في استفتاء يعد لهذه الغاية ... الدولة الفلسطينية قد تعلن على بقايا الضفة والقطاع، والاستفتاء الذي سيجري تحت ضغط الحصار في غزة والزحف الاستيطاني في الضفة والضائقة الاقتصادية التي تعتصر الأردنيين، قد تكون نتائجه محسومة سلفاً

للأردنيين الحق في إبداء القلق والتحسب، فقد تعلموا، شأنهم في ذلك شأن الفلسطينيين من قبلهم، أن أي حل تفاوضي للقضية الفلسطينية، لا ينطوي على إقامة دولة مستقلة وقابلة للحياة، سيعني حكماً فتح الباب أمام صيغة من صيغ “الخيار الأردني”، فإسرائيل في زمن اجتياح اليمين واليمين المتطرف لمؤسسات الدولة والمجتمع فيها، ستقاوم حل “الدولة الواحدة ثنائية القومية” بأقوى وأشد، مما قاومت به “حل الدولتين” ... لتبقى النتيجة المنطقية لتحليل كهذا، تتمثل في “قذف” الديموغرافيا الفلسطينية شرقاً، وتحت أي صيغ سيجري التفاوض بشأنها، اوالعمل على فرضها على الجانبين، إن لم يكن في المدى المباشر، ففي المدى المتوسط على الأرجح.

وربما لهذا السبب بالذات، أكدت الدولة الأردنية طوال السنوات العشر أو العشرين الفائتة، وعلى أرفع مستويات صنع القرار فيها، أن “قيام دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة، هو خط الدفاع الأول عن المصالح الأردنية”، وأن دعم الأردن لحق الفلسطينيين في تقرير المصير، لا يندرج في سياق الانتصار لتطلعات الشعب الشقيق فحسب، وإنما يصدر عن “مصلحة وطنية أردنية عليا”، تتعلق بالأمن والاستقرار والهوية والكيانية إلى غير ما هنالك.

لكننا ومنذ سنوات عشر تقريباً، لم نتوقف عن طرح أسئلة من نوع: وماذا إن انهار الجدار الدفاعي الأول عن المصلحة الأردنية العليا؟ ... ماذا إن تآكل أو تلاشى خيار “الدولة المستقلة”؟ ... هل لدينا “خطة ب” للتعامل مع معطيات ما بعد فشل “حل الدولتين”، سيما وأن كل يوم يمضي يصبح فيه هذا الحل، أبعد تناولاً، حتى أن مؤتمر باريس الذي تداعى لإنقاذ “عملية سلام” الشرق الأوسط، لم يتردد في إبداء القلق على مصير هذا الحل، عندما قال في بيانه الختامي أن “حل الدولتين في خطر”.

لا أحد من أركان الدولة، رؤساء حكومات ووزراء متعاقبون، تطوع للإجابة أو حتى محاولة الإجابة على هذه الأسئلة والتساؤلات، التي تشغل بال كثيرين، ليس في عداد في الطبقة السياسية فحسب، وإنما على مستوى الرأي العام كذلك ... لكأن البحث في عناوين من هذا النوع، أمر يندرج في عداد المحظورات المسيّجة بخطوط حمراء... أن تطورات السنوات القليلة الفائتة ذاتها، تعيد فرض هذه المسألة على جداول اعمال الأردنيين وعناوين مقالاتهم وتعليقاتهم، فقد جرت مياه كثيرة خلال هذه الفترة على أرض الضفة الغربية والقدس، جعلت من فرصة قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، أكثر صعوبة... فماذا نحن فاعلون؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حديث «الفيدرالية» حديث «الفيدرالية»



GMT 07:14 2021 الجمعة ,24 كانون الأول / ديسمبر

"العالم المتحضر" إذ يشتري البضاعة القديمة ذاتها

GMT 06:32 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

"فتح" و"حماس" ولبنان بينهما

GMT 06:13 2021 الأربعاء ,15 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

GMT 06:13 2021 الأربعاء ,15 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

GMT 06:18 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

GMT 15:53 2014 الخميس ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تجديد عقد "جان بوفون وجورجيو كليني"في يوفنتوس

GMT 00:05 2018 الأحد ,18 آذار/ مارس

فوائد نبات "القسط الهندي" على صحة الإنسان

GMT 16:05 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

فضل الشعبي يوضح سبب تنحي المبعوث الأممي لليمن

GMT 01:56 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

عطر Dylan Blue يمنح الرجل عطرًا أكثر جاذبية وسحرًا

GMT 11:32 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

فندق النوم في علب الصفيح في الدنمارك "Can Sleep Hotel"

GMT 05:20 2017 الجمعة ,08 كانون الأول / ديسمبر

فيصل السمرة يسلط الضوء على مسيرته الفنية المختلفة

GMT 10:28 2017 الجمعة ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

منزل سيلينا غوميز منتجع صغير يجمع بين الفخامة والرفاهية

GMT 15:49 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

PRADA تطرح تشكيلتها الجديدة للرجل المميّز لربيع وصيف 2018

GMT 11:00 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"السر المعلن"..

GMT 00:58 2015 الأربعاء ,09 كانون الأول / ديسمبر

5 علامات تتعرف بها على الطفل المصاب بالتوحد

GMT 11:22 2015 الجمعة ,16 كانون الثاني / يناير

الجيش الروسي يتسلم 20 عربة مدرعة من طراز "تايفون"
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca