استعجال النصر

الدار البيضاء اليوم  -

استعجال النصر

بقلم : عريب الرنتاوي

ما أن يحقق أي فريق من فريقي الصراع المحتدم في سورية وعليها، تقدماً على هذا المحور أو اختراقاً على تلك الجبهة، حتى تبدأ آلته الإعلامية (الدعائية) والسياسية، بإطلاق صيحات الحسم والنصر، ويأخذ سياسيوه و”محللوه”، بتسطير السيناريوهات والتوقعات، التي تذهب جميعها في العادة، نحو استعجال النصر المؤزر، والحسم الذي لا يحتاج بعده، إلى مفاوضات ومحادثات وحلول سياسية.

من تابع الإعلام المؤيد والصديق للنظام السوري بعد استعادة الكاستيلو والليرمون، يعرف ما نريد قوله ... من التبشير باستعادة حلب، إلى الاحتفاء بسقوط المشاريع والأوهام الإمبراطورية والإقليمية، إلى الاستخفاف بالحل السياسي، ومن باب التواضع، التبشير بحل ترسم دبابات الجيش حدوده ومعاييره وسقوفه، إلى غير ما هنالك من استنتاجات، تبدو في أحسن الحالات، سابقة لأوانها، حتى لا نقول ساذجة وقصيرة النظر.

مع “الاختراق” على جبهات حلب، وإحكام الطوق حولها  قبل بضعة أيام، انتعشت آمال النظام وحلفائه بالحسم والنصر ... وقبلها عندما شن الروس “عاصفة السوخوي”، وسجل الجيش السوري أكبر انتصاراته في ريف اللاذقية الشمالي، لم يتردد قادة النظام عن البوح برغبتهم الوصول بدباباتهم إلى آخر نقطة على الخريطة السورية، إلى أن سكب فيتالي تشوركين بعضاً من الماء البارد فوق الرؤوس الحامية، ليعود سقف التوقعات والرهانات بالانخفاض من جديد، على وقع “الهدنات” و”التهدئات” التي سعت موسكو قبل واشنطن، في إنجازها وتعميمها.

وما أن تقدم انتحاريو النصرة وجحافل جيش “الفتح” ومن والاهم  من التنظيمات والتشكيلات العسكرية “السلفية غالباً” من مدرسة الحكمة أو تسلق مقاتلوهم تلة أحد أو مؤتة، حتى بدأ التهليل والتكبير، لمعركة حلب الكبرى أو “غزة حلب” على حد تعبير عبدالله المحيسني، لتتردد أصداء هذا التقدم في إسطنبول  والدوحة على ألسنة فرسان الائتلاف السوري المعارض، بالتهديد والوعيد، وتجديد الإصرار على رحيل الأسد، “الآن الآن، وليس غداً”.

مع أن مناخات المعارضة “الداخلية”، حتى قبل حصار حلب، كانت تشي بانشقاقات ومراجعات، ورأينا من يتحدث باسمها مقترحاً فتح حوارات مع معارضي الداخل وأركان في النظام السوري، بعد ان تفشى الإحساس العميق بالخذلان من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، وبعد أن وقف الجميع أمام “ثورة مختطفة”، أو بالأحرى “بلد مختطف” من قبل ميليشيات متنازعة، وجماعات “جهادية” لم يشهد التاريخ مثيلاً لها في وحشيتها، من “داعش” و”النصرة” التي ستصبح “جبهة فتح الشام”، وليس انتهاء بكتائب نور الدين زنكي، التي اشتهرت بدق أعناق الأطفال “على الهواء مباشرة”.

لا أحد يبدو مقتنعاً، حتى الآن على الأقل، وبالرغم من الكلفة العالية للسنوات الخمس العجاف الفائتة من عمر الأزمة السورية، بأن “لا حل عسكرياً” لهذه الأزمة، بمن في ذلك، القائلين بضرورته والمرددون لشعار “استحالة الحل العسكري” ... الكل يتحدث عن الحل السياسي عندما تميل موازين القوى لصالح خصومه، فما أن تلوح في الأفق، بوادر تقدم أو اختراق، حتى وإن كانت “محلية” ومحدودة”، حتى تنتعش الآمال والرهانات الخائبة من جديد.

بالنسبة للنظام السوري، لا يزيد الحل السياسي المنشود للأزمة السورية، عن “تعديل وزاري” يجريه الرئيس على حكومته ... أما المعارضة، فمأزقها يكمن في كون المتحدثين باسمها والمفاوضين نيابة عنها، لا يملكون موطئ قدم على الأرض السورية، في حين، تقف القوى الفاعلة على الأرض، المسلحة والمدربة والمجهزة والمدعومة عربياً وإقليمياً، في موقع المتوجس من الحلول السياسي، باعتبارها نقيضاً لأجندات هذه القوى القائمة على “حكم المسلمين بالإسلام” وفقاً لتعبير أيمن الظواهري.

على أية حال، ستبقى النيران مشتعلة في سوريا، وسيظل البشر والشجر والحجر، وقودها الذي لا ينتهي ولا ينضب، إلى أن تخلص الأطراف إلى استنتاج عميق، مفاده أن “لا حل عسكرياً” لهذه الأزمة، وأن الحسم ممنوع بقرار دولي وإقليمي، وأن الأزمة ستصل “نهاية مطافها” تحت شعار “لا غالب ولا مغلوب”، وأن التسويات والصفقات، تتطلب “تنازلات مؤلمة” والتعبير هنا لقادة الاحتلال والاستيطان الإسرائيليين، تقدم عليها وتقدمها مختلف الأطراف من دون استثناء.

نيران حلب وحرائقها، ليست سوى ضرب من “التفاوض بالنار”، وظيفتها الأولى، إنضاج شروط “الصفقة السياسية”، التي لم تنضج بعد... ولن تنضج شروط الحل السياسي للازمة، ما لم تنضج الأطراف، وعلى النار الحامية ذاتها، وتقتنع بأنها تمارس طقوس انتحار جماعي ليس إلا، وأنها تأخذ بجريرتها، عشرات ألوف الأبرياء من رجال سوريا ونسائها وأطفالها وشيوخها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

استعجال النصر استعجال النصر



GMT 07:14 2021 الجمعة ,24 كانون الأول / ديسمبر

"العالم المتحضر" إذ يشتري البضاعة القديمة ذاتها

GMT 06:32 2021 السبت ,18 كانون الأول / ديسمبر

"فتح" و"حماس" ولبنان بينهما

GMT 06:13 2021 الأربعاء ,15 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

GMT 06:13 2021 الأربعاء ,15 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

GMT 06:18 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

أزمة قراءة أم أزمة خيارات؟

GMT 15:10 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

رئيس الرجاء يحاول اقتناص لاعبين أحرار بدون تعاقد

GMT 05:33 2017 الخميس ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن موقع هبوط يوليوس قيصر لغزو بريطانيا

GMT 09:33 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

عهد التميمي

GMT 10:19 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الروسي يعلن وصول أول كتيبة من سورية إلى موسكو

GMT 11:50 2016 الثلاثاء ,20 أيلول / سبتمبر

مقتل 4 من عناصر "بي كا كا" في قصف تركي شمالي العراق

GMT 06:09 2017 الجمعة ,01 كانون الأول / ديسمبر

8 معلومات مهمة عن "جسر العمالقة" تزيد الفضول لزيارته

GMT 17:21 2016 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

مدرب الأرجنتين يعلن عن تشكيلته لمواجهة البرازيل

GMT 00:21 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

صحيفة بريطانية تكشف أفضل 10 فنادق في مدينة روما

GMT 22:46 2017 الخميس ,28 أيلول / سبتمبر

حسن الفد يعيد شخصية كبور من خلال عرضه " سكيتش"

GMT 16:29 2017 الثلاثاء ,03 كانون الثاني / يناير

2016 عام حافل بالأنشطة والعروض في الدار العراقية للأزياء

GMT 04:38 2015 الثلاثاء ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

مرضٌ خطير يصيب الأبقار ويعزل عشرات القرى في سطات

GMT 21:21 2015 الأربعاء ,11 آذار/ مارس

وفاة الممثل المسرحي المغربي إدريس الفيلالي
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca