لبنان في الدوامة بين الفراغ والحرب..

الدار البيضاء اليوم  -

لبنان في الدوامة بين الفراغ والحرب

طلال سلمان



يعيش اللبنانيون في قلب دوامة الخوف: الخوف على الدولة البلا رأس، وبمجلس نيابي مشلول بقرار من «أكثريات» أعضائه، وبحكومة تسير ـ إن هي سارت ـ بخطى أضعفهم وتخالف الأعراف وهي مدركة أنها تخالفها لكن العذر أن الأحوال العامة تبرر المخالفة.
وفي غياب الانتظام العام ترجأ قرارات يشكل إرجاؤها انتهاكا للدستور أو للقانون أو للعرف أو لتلك جميعاً، وكل هذا الوضع الشاذ يغذي العصبيات الطائفية والمذهبية، ويحقر المناصب بتجاوز الأصول.
كذلك يعيش اللبنانيون قلقاً جدياً على مستقبل أبنائهم العاملين في المملكة العربية السعودية ومعظم أنحاء الخليج العربي، مع توالي عمليات طرد بعضهم وإنذارات التهديد بالطرد لآخرين، لأسباب لا تتصل بكفاءتهم أو إخلاصهم في عملهم أو انضباطهم والتزامهم بقوانين البلاد التي قصدوها ليبيعوا عرق الجبين ويسهموا في نهضتها، مطمئنين إلى مشاعر الأخوة، لا سيما وانهم ــ بغالبيتهم العظمى ــ يتجنبون الحديث في السياسة أو التعبير عن آرائهم في مختلف الشؤون (لا سيما السياسية منها) لأنهم ذهبوا سعيا إلى الرزق لا إلى التبشير بأفكار سياسية أو التعبير عن مواقف يعرفون أنها قد تتسبب في ما يؤذيهم، بصرف النظر عما إذا كانت صحيحة أو خاطئة.
وبالتأكيد، فإن تطورات الحرب في سوريا وعليها قد ألقت بظلالها السوداء على الحياة العامة في لبنان، سواء بجانبها العسكري الذي لامس بالحريق «الحدود» منذراً بتمدد النار إليه، أم بجانبها الإنساني الذي أضاف إلى اللبنانيين ثلث عددهم أو يزيد من النازحين السوريين الذي هربوا بأطفالهم تاركين بيوتهم وما يملكون طلبا للنجاة بأرواحهم... وقد فشلت أو أفشلت الدعوات التي وجهت إلى المؤسسات الدولية التي يفترض أن تنخرط في جهود الإغاثة والإسكان فلم يوفر «المجتمع الدولي» الدعم المطلوب، في حين غابت الشهامة التي تقوم على إغاثة الملهوف وتأكيد موجبات الاخوة.
ومع أن «عاصفة الحزم» السعودية على اليمن قد اعتمدت مواجهة ما افترضته خطراً عليها في الأرض اليمنية إلا أن قدراتها العسكرية سمحت لها باستخدام الطيران الحربي لتدمير «العدو»، في أرضه وقبل التحرك في اتجاهها... وهذا ما لم يكن متاحاً أمام اللبنانيين المتخوفين من انتقال النار إليهم في بلادهم بعدما دخلت بالفعل أرضهم في عرسال وجرودها.
الطريف أن كتابا سعوديين من أصحاب الرأي كانوا يُعرفون بالاتزان قد اندفعوا يلوحون بالاقتصاص من اللبنانيين بذريعة أن بعضهم «يتدخل» في الشأن السوري، منعاً من توغل أشتات المقاتلين الآتين من أربع رياح الأرض تحت الشعار الإسلامي، وبتمويل وتدريب وتسهيلات تشارك فيها السعودية... بينما الطيران الحربي السعودي يواصل قصف المدن والقرى والثكنات العسكرية والمدارس والمستشفيات والبيوت التي تعتلي القمم على امتداد الأرض اليمنية، ثم يتباهى الناطق العسكري السعودي بتعداد المنشآت التي دمرت خلال الخمسين يوما الماضية. وكأن حملة التدمير الشامل هذه إنما تشن لتوطيد أواصر الأخوة وإعمار اليمن وإعادته «سعيدا»!
...علماً بأن تكاليف حملة التدمير هذه كان يمكن أن تسعف بعض مئات الآلاف من السوريين المشردين في دول عربية عدة، إضافة إلى تركيا، فضلاً عن الذين فتحت أمامهم أبواب أوروبا، كما أنها كان يمكن أن تسهم في إطفاء النار التي تلتهم سوريا وتتمدد إلى العراق محاولة اختراق السعودية كما كشفت الأجهزة الأمنية حين ألقت القبض على «داعشيين» كانوا يشكلون خلية إرهابية، لا بد أن أمثالهم كثيرون في بيئة يحكمها الشعار الديني، تحت إشراف «المطاوعة».
بل ان تكاليف حملة «عاصفة الحزم» كانت تكفي للنهوض باليمن اقتصاديا وعمرانيا، بما يجعله مدينا للأشقاء السعوديين بعمرانه وخروجه من قعر الفقر الذي يعيش فيه شعبه الطيب والأذكى من بين العرب.
ما علينا، فلسنا نريد إلا الخير لكل إخواننا العرب، الذين طالما نظروا إلى لبنان على أنه مصيفهم ودار الراحة والنقاهة والمتعة والثقافة بالكتاب وجريدة الصباح وشاشة السمر مساء بنجومها ذوات الاشعاع.
وما يعنينا أن تعود إلينا دولتنا المغيبة مؤسساتها بالفراغ أو بالتفريغ المقصود، وأن يكون لهذه الدولة رئيس، كما في كل بلاد الدنيا، وحكومة قادرة على اتخاذ القرار، ومجلس نيابي يشهد للبنانيين أنهم جاهزون للتحرر من القيد الطائفي وممارسة الاختيار الحر توكيداً على إيمانهم بالديموقراطية... وكلها مطالب مستحيلة في ظل المناخ العربي السائد.
والخوف أن يلتهم الفراغ المبادئ والقيم وتلعلع الفتنة بأصوات الطوائفيين والمذهبيين الذين قد تزيد حرب اليمن من تعصبهم وانغلاق بعضهم على البعض الآخر إلى حد العداء، خصوصاً إذا وجد من يستثمر في هذا العداء لأغراض سياسية...
وذاكرة اللبنانيين تحفظ مسلسلاً من استثمار الطائفية والمذهبية في السياسة، كما ان الأرض اللبنانية تشهد بما أصاب مدنها وبلداتها وقراها من دمار وما سقط من أبنائها ضحايا للتعصب، فالفتنة هي البلاء الأعظم، وللفتنة من يرعاها ويموّلها ويسلحها ثم يطلقها لتدمر الإنسان والعمران.
ولسنا نطلب من الاخوة في السعودية وامارات الخليج العربي إلا الاشفاق على هذا الوطن الصغير الذي وفر لهم ما احتاجوا إليه من كفاءات ومن خبرات فضلاً عن حسن الضيافة وعاطفة الاخوة الصادقة وتمني الخير والتقدم لهم وهم من الأهل وفيهم.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان في الدوامة بين الفراغ والحرب لبنان في الدوامة بين الفراغ والحرب



GMT 19:47 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

الاثنين أو الأربعاء

GMT 19:40 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

«إسرائيل الكبرى»: الحلم القديم الجديد

GMT 19:37 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

2025 سنة دونالد ترمب!

GMT 19:34 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

هل يقدر «حزب الله» على الحرب الأهلية؟

GMT 19:31 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

أحلام ستندم إسرائيل عليها

GMT 19:28 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

بـ «السوسيولوجيا» تحكم الشعوب

GMT 19:24 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

المستهلك أصبح سلعة

جورجينا تثير اهتمام الجمهور بعد موافقتها على الزواج وتخطف الأنظار بأجمل إطلالاتها

الرياض - الدار البيضاء اليوم

GMT 00:01 2018 الأربعاء ,16 أيار / مايو

دجاج على الطريقة الصينية "دجاج كانتون"

GMT 22:00 2017 الأربعاء ,19 تموز / يوليو

الارشيف الوطني ومشجب أسرار الدفاع الوطني

GMT 03:34 2017 الثلاثاء ,10 كانون الثاني / يناير

طرح منزل الكشافة بادن باول للبيع مقابل 3.5 مليون استرليني

GMT 16:43 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

متشرد يوقف "طرامواي’" الدارالبيضاء في الحي المحمدي المغربي

GMT 11:24 2018 الجمعة ,14 كانون الأول / ديسمبر

وفاة الفنان حسن كامي والفنانون ينعوه برسائل مؤثرة

GMT 06:35 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

سعر نفط عُمان يرتفع الى 71.14 دولار الخميس

GMT 12:44 2018 الأحد ,14 تشرين الأول / أكتوبر

هوجو جاستون يحرز ذهبية التنس في أولمبياد الشباب

GMT 07:00 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

ألوان ظلال الجفون "الصارخة" تسيطر على موضة الخريف

GMT 22:22 2018 السبت ,14 تموز / يوليو

اكتشفي طرق سهلة و مريحة لتنظيف أواني الطهي
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
RUE MOHAMED SMIHA,
ETG 6 APPT 602,
ANG DE TOURS,
CASABLANCA,
MOROCCO.
casablanca, Casablanca, Casablanca