معارك مرسي من الخبازين إلى السياسيين

الدار البيضاء اليوم  -

معارك مرسي من الخبازين إلى السياسيين

عبد الراحمن الراشد

ليس متوقعا لأول رئيس لمصر أن يعيش في رغد رغم التفاؤل الكبير الذي تلا إسقاط نظام مبارك، مع أن انتخابه تم سريعا ورضي به كل منافسيه. إنما يبدو أن الرئيس محمد مرسي ركب مركبا صعبا، بأكثر مما قدر هو، أو توقعه الآخرون. جزء من العراقيل وضعها خصومه في طريقه، والجزء الأكبر من صنع يديه. خصومه يزدادون عددا مع الوقت، من كل الفئات والمناطق: من سياسيين، وناشطين، وإعلاميين، وأمنيين، وعسكر، وقضاة، وشباب من الثوار، وجامعيين وليبراليين وأقباط، وحتى من إسلاميين، ومشجعي رياضة، وخبازين، من القاهرة إلى السويس. كيف لأي رئيس أن يدير دولة في وجه هذا الكم الهائل من الشكاوى والمواجهات؟ الرئيس، وجماعته، يصورون أزماتهم أنها مفتعلة من قبل جماعات النظام القديم، وأن بعضها من صنع خارجي، وربما هناك شيء من الصحة في ذلك، لكن من الجلي أن معظمها نتيجة سياساته التي أقصت كل القوى. سار مرسي بشكل متعجل يريد فرض قراراته، عاجزا عن فهم القواعد القانونية للدولة، وكذلك البيروقراطية لها. تسرع فكتب الدستور بيد نوابه غير مبال ببقية الشركاء ففتح على نفسه أبواب جهنم. أصر على تحديد موعد الانتخابات البرلمانية دون أن يكترث بالإجراءات التشريعية والإدارية لتتدخل المحكمة ضده، فتراجع وهو مستعد لإجراء الانتخابات في شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وهو الذي كان يرفض أن ينتظر إلى نصف هذه المدة. وسبق أن أقصى النائب العام وعين آخر من اختياره ضاربا بعرض الحائط الإجراءات القانونية، رغم أنه منصب قضائي بالغ الحساسية يستطيع من خلاله ملاحقة وتصفية خصومه. المحكمة أمرته بالعودة عن قراراته والالتزام بالقانون. وإذا كان فشل مع القضاة والسياسيين، فإنه وضع نفسه أيضا في ورطة كبيرة مع الخبازين! أراد ضبط أسعار الخبز فاستهدف المخابز! أراد أن يستعرض قوته أمام جماهير الكرة في محاكمة قتلة جماهير مباراة بورسعيد، ليجد نفسه طرفا فيها؛ 71 شخصا كانوا قد قتلوا في أحداث شغب مباراة، على أثرها حكمت المحكمة بإعدام 21 شخصا من مؤيدي فريق بورسعيد، فهاج أهالي المدينة ليقتل ثلاثون شخصا في مواجهات جديدة! ما الذي أخطأ فيه مرسي، خاصة أن بعض الأحداث لا يد له فيها؟ عندما تولى باراك أوباما الرئاسة كانت الولايات المتحدة تواجه أزمة اقتصادية خطيرة، وكان من حق الرئيس الجديد إدارتها بما يراه مناسبا لكنه قدر أن الوضع بالغ الخطورة وقرر أن يشرك منافسيه من الحزب الجمهوري في لجان عمل برلمانية ورئاسية، وهكذا تجاوز أزمة البلاد الخطيرة بالتعاون مع الحزب الخاسر. مرسي ليس مضطرا لأن يتعاون مع منافسيه إنما مصر تمر بمرحلة خطيرة وتأسيسية وتحتاج إلى التعاون بين كل شركاء الحكم. يستحيل عليه أن يتحمل هذه الضغوط الرهيبة، ومواجهة كل المشاكل، الجديد منها والموروث، دون أن يتعاون مع كل القوى ويطمئنهم بأنهم جزء من العملية الانتقالية من نظام مبارك إلى نظام جديد. خصومه هم خشبة النجاة له في بحر متلاطم من القوى والقضايا والمطالب التي يستحيل مواجهتها، مهما كانت شرعيته وقدراته. يبدو الحزب الحاكم في مصر متغطرسا ينظر بفوقية على خصومه، ويعتقد أنه الأحق بالحكم المطلق، راغبا في الهيمنة حتى على السلطات التي لا تتبعه في النظام الديمقراطي مثل المجالس البرلمانية والقضاء والإعلام، التي تعتبر من السلطات المستقلة. وهو في النهاية سيفشل وبعدها سيسعى يطلب النجدة من خصومه، حينها لن يستطيع أحد إنقاذ الحزب الغارق في الأزمات. لماذا يقود مرسي حكمه وحزبه وأتباعه في هذا الطريق الوعر، وهو غير مضطر لذلك؟! نقلا عن جريدة الشرق الأوسط

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

معارك مرسي من الخبازين إلى السياسيين معارك مرسي من الخبازين إلى السياسيين



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:21 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

متى وأين المصالحة التالية؟

GMT 18:16 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

درس للمرشحين الأميركيين

GMT 18:08 2022 الأحد ,16 تشرين الأول / أكتوبر

التيه السياسي وتسييس النفط

GMT 13:35 2017 الأحد ,26 آذار/ مارس

من سرق الرجاء البيضاوي

GMT 00:24 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

منتخب المغرب لكرة اليد يخوض أول تدريب في الغابون

GMT 02:12 2017 السبت ,02 كانون الأول / ديسمبر

حمدالله يغيب لمدة أسبوعين بسبب الإصابة

GMT 03:19 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

التعليم الحكومي في بريطانيا يحقق تقدمًا ملحوظًا لطلابه

GMT 11:40 2016 الأحد ,24 كانون الثاني / يناير

تعرفي علي فائدة النوم المشترك مع الطفل

GMT 01:26 2016 الخميس ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

الرجل لا يرى عيوب جسم زوجته أثناء العلاقة الحميمية

GMT 04:54 2016 السبت ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

منزل مهجور معروض للبيع بسعر يتجاوز نصف مليون دولار

GMT 23:14 2016 الخميس ,28 تموز / يوليو

علاج قشرة الشعر نهائيا بأفضل الطرق

GMT 16:36 2015 الجمعة ,19 حزيران / يونيو

خطوبة مصطفى عاطف بحضور الشيخ أسامة الأزهري
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca