أزمة سكان الماضي

الدار البيضاء اليوم  -

أزمة سكان الماضي

عبد الرحمن الراشد
بقلم : عبد الرحمن الراشد

الذين يطالبون بحجب «نتفليكس»، ومنع مجلات «مانجا»، ووقف مسلسلات على «إم بي سي»، هم من بقايا الماضي القريب الذين لا يستطيعون إلى اليوم التعايش مع فكرة أن العالم يتسع للجميع ويضيّقون على غيرهم. هؤلاء لا يملون من استدعاء المجتمع والإنكار على الآخرين.
سكان المدن وسكان الكهوف سيّان، يعيشون نفس الفرص، أو سمِّها التحديات. تقريباً، كل ما تود أن تراه وتتعامل معه متاح، بغضّ النظر عن المكانة الاجتماعية أو المواقف الفكرية أو القدرة الشرائية لعموم السكان. ربما الأمر العسير عليك أن تقبل بالتعايش مع من لا تحب اختياراتهم، لأنك تريدهم أن يكونوا مثلك، في مشاهدة أفلامك، أو قراءة كتبك، أو سماع موسيقاك، أو محاضراتك، أو وجهات سفرك. التعايش مع الآخر مطلب صعب على البعض.
المشهد يتغير بزاوية أكثر انفراجة، كل عشر سنوات تقريباً. والأسباب التي غيّرته كثيرة؛ من بينها أن أجيالاً جديدة أزاحت أجيالاً سبقتها، ولا تشترك معها في أفكارها. وهذه هي سُنة الحياة. والثانية التقنية، التي فرضت قواعد حياتية جديدة.
كنت في مدينة جدة ومررت بمكتبة أعرفها من قبل، أصبحت مكتظة أكثر بالأجهزة الإلكترونية، وفيها من الكتب ما كان ممنوعاً قبل سنوات قريبة. هذه الكتب متوفرة إلكترونياً، وأصبح من الحكمة أن تتاح لمن يريد أن يقتنيها ورقياً أيضاً. كانت معروضة، لم تعد تثير اهتمام أحد أو استنكاره. وتقلصت فيها أرفف الكتب. وهذه ظاهرة عالمية؛ أكثر من نصف المكتبات التجارية في الولايات المتحدة الـ11 ألفاً أغلقت أبوابها. إنما بخلاف ما يعتقد البعض، فقد ازداد عدد القراء ومبيعات الكتب بسبب انتشار الرقمية والمسموعة؛ 191 مليون كتاب رقمي في الولايات المتحدة وحدها في 2019.
بمثل هذه الوسائل، العالم يغرق ويحتار في كثرة الخيارات، وتبدو لهم محاولات منعها عملاً جليلاً قادراً على وقف عجلة التاريخ، أو أن يكونوا مثل الصبي الهولندي الذي سد بإصبعه تسرب الماء من السد وأنقذ بلاده من الغرق. ربما لا نشعر بها، إنما العولمة قطار مستمر الحركة، وهي وليدة التقنية وستستمر، وعلى من يحلم بوقفها أن يدرك أن ذلك ضد طبيعة الأشياء اليوم. تشكيل العقل الحديث يأخذ مساراته التي لا يوجد لها حل غير أن تقدم كل ثقافة أفضل ما عندها وليس أن تغلق الأبواب على الفضاء.
أنهيت مسلسلاً ألمانياً، مترجماً، «بابل برلين»، يحكي قصة العاصمة الألمانية في عام 1929 وكيف تسلل الفاشيون للحكم. لسببٍ ما تشعر أنك أمام أحداث عام 1979 عربياً. المنطقة المهزومة التي تتبنى القوى الفكرية والتنظيمية المتطرفة والتي تفرض خياراً واحداً ونمطاً واحداً من التفكير. مع هذا الكم الهائل من الأعمال الأدبية والإبداعية لم تعد حكراً على القلة من المثقفين أو القادرين على السفر والتعليم الباهظ الثمن.
القاعدة اليوم، إذا كنت لا تريد منصة فأنت لست ملزماً بالاشتراك فيها، هذا حقك، وحق غيرك أن يقرر ما يناسبه. في صراع تطور الأفكار، عاش المجتمع جولات وجولات من محاولات عزله والسيطرة على أجياله وأذواقهم. تقريباً هي نفسها تتكرر، الأجيال والأفكار ورفض الجديد. وفي هذا الزمن هناك من لا يزال يريد أن يسيّر العالم وفق دقات ساعته.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أزمة سكان الماضي أزمة سكان الماضي



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 14:46 2018 الثلاثاء ,24 تموز / يوليو

دراسة تكشف عن 9 مهن تقود أصحابها للخيانة الزوجية

GMT 07:22 2018 الأربعاء ,31 كانون الثاني / يناير

"دي باريس" يحيي جناح أميرة موناكو بتجديدات فخمة

GMT 23:21 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

الملقب بـ"حبيلو" مُصنّف خطر في قبضة شرطة فاس‎

GMT 03:50 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

إغلاق صحيفة الأطفال الوحيدة في أستراليا لمشاكل مادية

GMT 04:41 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

"Nada G" للمجوهرات الثمينة تُعلن عن مجموعة "بلاط بيروت"

GMT 02:49 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

المغامرات التي يجب خوضها أثناء زيارة مملكة كامبوديا

GMT 15:11 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

الطالبي العلمي يؤكد أن ملعب البيضاء لن يكون جاهزًا قبل 2022

GMT 08:51 2017 الإثنين ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

سيدة هندية تبيع رضيعها من أجل دفع "فاتورة إدمان" زوجها

GMT 08:01 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

مغارات "بني عاد" وجهة سياحية مفضلة خلال العطلة الشتوية

GMT 04:58 2015 السبت ,09 أيار / مايو

حجز 12600 لتر بنزين على متن شاحنة في صفرو

GMT 19:56 2016 الأربعاء ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الداخلية الإسبانية تعلن عن تفكيك خلية متطرفة في مدينة سبتة

GMT 04:38 2016 الثلاثاء ,29 آذار/ مارس

مزادات "روزبيري" تفتتح عرضاً لبيع تحف هندية
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca