المغرب وفرنسا: أزمة عابرة ودرسٌ مُستفاد

الدار البيضاء اليوم  -

المغرب وفرنسا أزمة عابرة ودرسٌ مُستفاد

عبد العالي حامي الدين

تجاوز المغرب وفرنسا أزمة سياسية حادة امتدت لمدة سنة وذلك في أعقاب التوتر، الذي هيمن على العلاقات بين البلدين بعد محاولة سبعة عناصر من الشرطة الفرنسية، طلب الاستماع إلى مسؤول أمني مغربي من قلب السفارة المغربية بباريس بأمر من قاضي التحقيق الفرنسي، بناءً على شكايات من طرف فرنسيين من أصل مغربي.. لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تم تسجيل العديد من الشكايات التي تستهدف مسؤولين مغاربة أمام القضاء الفرنسي.

هذه الأحداث لم ينظر إليها في المغرب باعتبارها أحداثا معزولة، ولكنها كانت تندرج في إطار منظور رسمي تحكمه اعتبارات سياسية ابتزازية بالدرجة الأولى..

مباشرة بعد هذه الأحداث، سارعت وزارة العدل والحريات في شهر فبراير 2014 إلى إصدار بلاغ في الموضوع تعلن فيه عن تعليق تنفيذ جميع اتفاقيات التعاون القضائي بين البلدين، مع الدعوة إلى تقييم بنودها ومعالجة الاختلالات الموجودة بها، وهو ما انعكس على العلاقات المغربية الفرنسية من الناحية الدبلوماسية والأمنية والسياسية..

بعد حوالي سنة من الحوار المباشر وغير المباشر، تبينت ضرورة مراجعة بنود الاتفاقية على ضوء ثلاثة مبادئ أساسية: احترام السيادة القضائية للبلدين، التكامل القضائي، وعدم الإفلات من العقاب.

وهو ما تحقق خلال الأسبوع المنصرم بعد اللقاء المباشر بين مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، وكريستيان توبيرا، حارسة الأختام الفرنسية.

الاتفاقية الجديدة تُعطي الحق لجميع الأشخاص باللجوء إلى العدالة، على ضوء تكامل الاختصاص بين القضاءين الفرنسي والمغربي، بما يؤدي إلى احترام الاختصاص المكاني للبلد الذي ارتكبت فوق أراضيه الجريمة..

فمثلا، إذا كانت هناك اتهامات، بارتكاب جرائم معينة في حق مسؤولين مغاربة فوق الأراضي المغربية، وتم وضع شكاية أمام القضاء الفرنسي، فإن هذا الأخير يفوض اختصاصه بصفة تلقائية إلى القضاء المغربي، الذي يكون ملزما بالنظر في الاتهامات المذكورة، لكن في حالة تهاون القضاء المغربي أو تقاعسه في تطبيق مقتضيات العدالة، فإن القضاء الفرنسي يصبح بإمكانه استرجاع اختصاصه الأصلي للنظر في القضية. الأمر نفسه بالنسبة إلى الجرائم المرتكبة فوق الأراضي الفرنسية.

ليس هناك رابح أو خاسر في هذه الاتفاقية، التي تنتظر المصادقة من طرف السلطات المختصة في البلدين، الذي انتصر هو منطق القانون، واحترام مبدأ السيادة القضائية مع التشديد على ضرورة ضمان عدم الإفلات من العقاب.

القضاء المغربي اليوم أمام امتحان واضح، وهو انتزاع الاعتراف بالكفاءة والنزاهة والشجاعة في معالجة الملفات العويصة التي ستعرض عليه، والتي لا تخلو في بعضها من حساسية سياسية..

عودة الدفء إلى العلاقات المغربية الفرنسية لا تنحصر في الجانب المتعلق بالتعاون القضائي، ولكنها ستعزز من حجم تبادل المعلومات الأمنية والتنسيق الاستخباراتي بين البلدين، وهو ما تبينت أهميته للطرف الفرنسي بعد أحداث شارلي إيبدو الإرهابية، وذلك باعتراف المسؤولين الفرنسيين أنفسهم.

الدرس المُستفاد من هذه الأزمة العابرة، هو أن المغرب بإمكانه أن يمتلك مقومات الدفاع عن سيادة قراره السياسي، إذا نجح في المزيد من تقوية مؤسساته الديموقراطية وحصّنها من محاولات الإضعاف من الداخل..

فلنعتبر..

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المغرب وفرنسا أزمة عابرة ودرسٌ مُستفاد المغرب وفرنسا أزمة عابرة ودرسٌ مُستفاد



GMT 19:47 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

الاثنين أو الأربعاء

GMT 19:40 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

«إسرائيل الكبرى»: الحلم القديم الجديد

GMT 19:37 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

2025 سنة دونالد ترمب!

GMT 19:34 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

هل يقدر «حزب الله» على الحرب الأهلية؟

GMT 19:31 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

أحلام ستندم إسرائيل عليها

GMT 19:28 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

بـ «السوسيولوجيا» تحكم الشعوب

GMT 19:24 2025 السبت ,16 آب / أغسطس

المستهلك أصبح سلعة

جورجينا تثير اهتمام الجمهور بعد موافقتها على الزواج وتخطف الأنظار بأجمل إطلالاتها

الرياض - الدار البيضاء اليوم

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 17:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 19:15 2019 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 21:15 2017 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

فهد الهاجري ينافس في قائمة الكويت في "خليجي 24"

GMT 13:10 2014 الثلاثاء ,22 إبريل / نيسان

الرضاعة تُقلل من مُضاعفات الأمراض المُعديّة

GMT 10:04 2017 الإثنين ,09 تشرين الأول / أكتوبر

إنفوغراف 2

GMT 15:18 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الحكم على الفنان السوري سامو زين بالسجن عامين

GMT 09:50 2020 الخميس ,12 آذار/ مارس

في بعض أبعاد سيكولوجية الهلع
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
RUE MOHAMED SMIHA,
ETG 6 APPT 602,
ANG DE TOURS,
CASABLANCA,
MOROCCO.
casablanca, Casablanca, Casablanca