قرار الجامعة العربيّة المُهين لم يَكُن إسقاطًا لمشروع وإنّما أيضًا لقِيادة ومنهج عمل ومرحلة طالت من الفشَل والوهم..

الدار البيضاء اليوم  -

قرار الجامعة العربيّة المُهين لم يَكُن إسقاطًا لمشروع وإنّما أيضًا لقِيادة ومنهج عمل ومرحلة طالت من الفشَل والوهم

عبد الباري عطوان
عبد الباري عطوان

بعد إسقاط وزراء الخارجيّة العرب مشروع قرار فِلسطيني يُدين اتّفاق السّلام الإماراتي الإسرائيلي في اجتماع لمجلس جامعة الدول العربيّة، وبطريقةٍ استفزازيّة غير مسبوقة، جاء غياب ردّ الفِعل الرسميّ الفِلسطيني ليُؤكّد مُجدّدًا انهِيار هيبة القضيّة الفِلسطينيّة، والاستِهتار المُطلق بقِيادتها وشعبها معًا.

هذه الخطوة المُهينة التي شهدتها أروقة الاجتماع الافتراضي لوزراء الخارجيّة العرب أمس الأربعاء جاءت نتيجةً مُباشرةً لخطأ، بل خطايا كارثيّة لسِياسات مُنظّمة التّحرير طِوال الرّبع قرن الماضي، وغياب التّقييم الصّحيح والمُتعمّق لقِيادتها ومُؤسّساتها لتطوّرات الوضع الرسمي العربي، وعدم البحث عن السّياسات المُضادّة التي تمنع الانحِدار نحو التّطبيع الرسميّ العربيّ الإسرائيليّ، وانحِسار عدد الدّول الدّاعمة للقضيّة الفِلسطينيّة عربيًّا وإسلاميًّا ودوليًّا.

لنعترف بأنّه لا تُوجد مركز أبحاث ولا بُنوك عُقول، ولا مؤسّسات ديمقراطيّة، وإن وجدت جرى تقويضها، وزرع المُنافقين فيها، وبات تغييب “الرأي الآخر”، وتحويل المؤسّسات ومُؤتمراتها إلى مهرجانات تصفيق لسِياسات وقيادات قادتنا إلى هذا المُستنقع العَفِنْ.
***

هذه الصّفعة القويّة التي وجّهتها الجامعة العربيّة ووزراء خارجيّتها للقِيادة والشّعب الفِلسطيني معًا يوم أمس، يجب أن تكون “جرس إيقاظ” لهما، للانطِلاق نحو تعيير جذري بطُرق تعاطي مُختلفة وعمل دبلوماسيّ ثوريّ مع هذه الأنظمة العربيّة المُتواطئة، وإجراء عمليّة فرز بين من يعمل لصالح هذه القضيّة المركزيّة الكُبرى ومن يتعاون ويُطبّع مع أعدائها، وبطريقةٍ مجانيّةٍ، دون أيّ اعتبار لثوابت هذه الأمّة، وقدسيّة قضيّتها، وغِياب أيّ جديّة في نُصرتها، والانحِدار إلى سِياسات دعم أعدائها.

نسأل: ماذا كان يفعل 22 سفيرًا فِلسطينيًّا في العواصم العربيّة، وما هي إنجازاتهم، وماذا كانوا يكتُبون في تقاريرهم، وهل كانوا يقومون بواجبهم، وما هو مُتوسّط أعمارهم، وكم عدد العاملين معهم ونفَقاتهم؟ فبعد كُل ما حصل في اجتماع الجامعة الأخير من نكساتٍ لماذا يبقى هؤلاء في مواقعهم، ولماذا نستمر في هذا “التّكاذب” مع الدّول المُضيفة؟

جاريد كوشنر مُهندس مرحلة الانهِيار العربي وكُل ما يتفرّع عنها من مصائبٍ كان مُصيبًا وهو يرقص طربًا لنجاح مُؤامراته التطبيعيّة، والتنبّؤ بأنّ قرار الجامعة بعدم إدانة اتّفاق التّطبيع الأحدث، دَليلٌ على حُدوث “تحوّل مُهم” في مِنطقة الشّرق الأوسط.. نعم إنّه تطوّرٌ مُهِمٌّ جدًّا نحو تصفية القضيّة الفِلسطينيّة وبيعها بالمجّان.

هذا ليس وقت النّواح واللّطم، وبيانات الشّجب والإدانة، وتوجيه الانتِقادات والشّتائم للمُطبّعين، وإنّما وقت العمل، والتحرّك المُضاد، شعبيًّا ورسميًّا، لفرض مُعادلات جديدة على الأرض، وإجراء مُراجعات شاملة لكُل السّياسات والمواقف التي أوصَلت القضيّة الفِلسطينيّة إلى هذه الهاوية السّحيقة، ومُحاسبة كُل المَسؤولين عن هذا الفشَل من قِبَل الشّعب الفِلسطيني.الجُملة المُكرّرة التي يتَفنّن المسؤولون الفِلسطينيّون في تِكرارها، في كُل المُناسبات وتقول بضرورةِ التمسّك بمُبادرة السّلام العربيّة يجب أن يتم حذفها من كُل القواميس وعدم ذِكرها لأنّ المُبادرة كانت مُؤامرة، وبداية السّقوط، والخطوة الأُولى والأهم لتشريع التّطبيع، وإعفاء الحُكومات العربيّة من مَسؤوليّاتها الأخلاقيّة والوطنيّة تُجاه القضيّة الفِلسطينيّة.

هذا الموقف المُخجل والصّادم من قبل الجامعة العربيّة ووزراء خارجيّتها لم يُسقِط مشروع قرار للقِيادة الفِلسطينيّة، وإنّما أسقط هذه القِيادة أيضًا، وأماط اللّثام عن عَجْزِها وضَعفِها، وكشف ضآلة حجمها ونُفوذها في الوسط الرسميّ العربيّ، ومَن يقول بغير ذلك يتصرّف مِثل الذي يُريد أن يُغطّي الشّمس بغُربالٍ.

دولة الإمارات العربيّة لن تكون آخِر الطّاعنين والمُطبّعين، واتّفاق سلامها المجّاني مع دولة الاحتِلال هو قمّة جبل الجليد، وعلينا أن نتوقّع المزيد من الطّعنات في الصّدر والظّهر والرأس، في الأيّام والأسابيع المُقبلة والطّابور طويل.

الرّد الفِلسطيني الذي يجب أن يأتي قويًّا وفي أسرعِ وقتٍ مُمكن، وينطلق من رَحِم الاعتِراف بأنّ القِيادات الحاليّة انتهى عُمرها الافتِراضي، ولم تَقُد الشّعب الفِلسطيني وقضيّته إلا إلى الكوارث والفساد، والاستِسلام الكامل للعدوّ الإسرائيلي، والعيش على فُتات صدَقات أبرز داعميه الأمريكان والأوروبيين والعرب، ولا بُدّ من البحث عن قِيادات شابّة تتولّى مسؤوليّة المرحلة القادمة، أبرز عناوين أجنداتها، الاعتِماد على النّفس، والتّركيز على الشّعوب العربيّة والإسلاميّة، والعودة إلى الينابيع الثوريّة الأولى، فلم يحدث في تاريخ الثّورات العالميّة أن امتلك زعماؤها طائرات خاصّة، وعاشوا في ترف ورفاهيّة مثلما هو الحال في فِلسطين، ويجب علينا أن نُسمّي الأشياء بأسمائها الحقيقيّة دون لفٍّ ودوران، فالسكّين وصَلت إلى العظم.

حركة “الجهاد الإسلامي” كانت مُحِقّةً تمامًا في المُطالبة بانسِحاب فِلسطين من الجامعة العربيّة، فلم يَعُد يُشرّف الشّعب الفِلسطيني العُضويّة في هذه الجامعة التي باعت نفسها لأمريكا وعُملائها، وشرّعت تدمير العِراق وليبيا وسورية واليمن، والقضيّة الفِلسطينيّة، أُتركوها لهم، وبسُرعةٍ، قبل أن يُصبِح بنيامين نِتنياهو أمينَها العام القادم.
***

من العار أن يتظاهر الأعداء الإسرائيليّون بالآلاف للمُطالبة بسُقوط نِتنياهو الذي حقّق لدولة الاحتِلال أعظم إنجازاتها في اختِراق الأمّة العربيّة، وذبْح القضيّة الفِلسطينيّة، وضمّ القدس المحتلّة وزرع 800 ألف مُستوطن في الضفّة، بينما لا تشهد الأراضي المُحتلّة مُظاهرةً واحِدةً كُبرى، بسبب قمع قوّات الأمن الفِلسطينيّة وإرهابها، احتجاجًا على هذه الإهانات للقضيّة الفِلسطينيّة.
نقول هذا الكلام للذين صدّعوا رؤوسنا بالمُقاومة الشعبيّة وحَدّثونا، ويُحدّثونا، عن إنجازاتٍ وهميّةٍ لسَترِ عوراتهم.

نعم.. يجب علينا أن نَشكُر الاجتماع الأخير لوزراء الخارجيّة العرب، لأنّه أسقط الأقنعة، وكشف الوجوه والحقائق الخيانيّة عاريةً أمام أعيننا، وبِما يجب أن يُؤدّي إلى الخُروج من دوائر الوهم، والعودة إلى الطّريق نفسها التي سارت عليها كُل الشّعوب المُحتلّة، وتقديم كُل التّضحيات اللّازمة للوصول إلى النّصر، أمّا غير ذلك فهو طَحنٌ للماء، والكَذِب على النّفس وخِداعها.
 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قرار الجامعة العربيّة المُهين لم يَكُن إسقاطًا لمشروع وإنّما أيضًا لقِيادة ومنهج عمل ومرحلة طالت من الفشَل والوهم قرار الجامعة العربيّة المُهين لم يَكُن إسقاطًا لمشروع وإنّما أيضًا لقِيادة ومنهج عمل ومرحلة طالت من الفشَل والوهم



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 19:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 20:31 2018 الأحد ,30 كانون الأول / ديسمبر

كومباني يعلن جاهزية مانشستر سيتي لمواجهة ليفربول

GMT 11:14 2018 الجمعة ,16 شباط / فبراير

تزيني بمجموعة مميزة من المجوهرات في عيد الحب

GMT 16:31 2016 الأحد ,21 شباط / فبراير

برانت دورتى ينضم لفيلم "Fifty Shades Of Grey"

GMT 01:15 2017 الأربعاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مميّزات جديدة في هاتف "iPhone X" الجديد من أبل

GMT 11:16 2014 الأربعاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة وفيتامينات لعلاج النهايات العصبية للجهاز العصبي

GMT 05:31 2016 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

علماء يتوصَلون لمعرفة مسارات طيور السنونو خلال رحلاتها

GMT 00:27 2017 الأحد ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

مناقشة كتاب "أيام من حياتي" سيرة سعد الدين وهبة

GMT 23:31 2017 الأربعاء ,05 إبريل / نيسان

الريان يخرج حمد الله من "جحيم" الجيش القطري

GMT 05:04 2016 الخميس ,14 كانون الثاني / يناير

ضريح القديس يهوذا وحصنه الشاهق يزيّنان جانسي الهندية

GMT 22:13 2019 الثلاثاء ,05 شباط / فبراير

لمسات مثيرة لرقبة زوجك قبل العلاقة الحميمة

GMT 22:18 2018 الأحد ,30 كانون الأول / ديسمبر

بايرن ميونخ يلتقي فورتونا دوسلدورف 13 كانون الثاني
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca