البحث العالميّ جارٍ عن قِيادةٍ جديدةٍ بديلةٍ للولايات المتحدة والصين المُرشّح الأكبر

الدار البيضاء اليوم  -

البحث العالميّ جارٍ عن قِيادةٍ جديدةٍ بديلةٍ للولايات المتحدة والصين المُرشّح الأكبر

بقلم - عبد الباري عطوان

إذا كانت هُناك مِن حسَنات ل فيروس كورونا فإنّ أبرزها فضحه “أُكذوبة” العظَمة الأمريكيّة في المجال الصحّي على الأقل، ودفع العالم إلى مُواجهةِ أزَماته بعيدًا عن قِيادتها والبحث في الوقتِ نفسه عن قيادةٍ عالميّةٍ جديدة، والصين أبرز المُرشّحين.

أحدث الأدلّة في هذا الصّدد انعِقاد قمّة افتراضيّة عالميّة لمُواجهة هذا الفيروس نظّمها الاتّحاد الأوروبي، وشارك فيها عددٌ كبيرٌ مِن زُعماء العالم، لم يَكُن الرئيس دونالد ترامب من بينهم، وتوصّلت إلى قراراتٍ مُهمّةٍ أبرزها التّعاون لمُكافحة هذا الوباء، ورصد 8 مِليارات دولار لإيجاد أدوية ولُقاحات لمُواجهته.

هذه القمّة الافتراضيّة التي جرت عبر “الفيديو كونفرنس” أثبتت أنّ العالم لم يَعُد يتطلّع إلى واشنطن في الأزَمات الصّعبة، وخاصّةً أزمة الكورونا، وكيف يفعلون ذلك وزعيم البيت الأبيض انسحَب مِن عُضويّة منظّمة الصحّة العالميّة، وأوقف مُساهمات بلاده في ميزانيّتها (500 مِليون دولار)، مثلما انسحَب مِن قمّة المناخ، وقبلها منظّمة “اليونسكو”، ولم يبقَ إلا الانسِحاب من منظّمة الأُمم المتحدة نفسها، وبذلك يُريح العالم مِن استِفزازاته وغطرسَتِه.
***

سياسة أمريكا أوّلًا، والفشَل الذّريع في مُواجهة أزمة الكورونا في داخِل أمريكا نفسها، وتقليص انتِشاره، ناهِيك عن إيجاد عِلاجات وأمصال للقضاء عليه، وتقديم الجشَع الاقتصاديّ على حياةِ المُواطنين، كلّها عوامِل جعلت العالم “يطفش” من الولايات المتحدة ويبدَأ البحث عن قيادةٍ جديدةٍ أكثَر اهتمامًا بأزماتِه وتملك رؤية كونيّة مسؤولة تتجاوز الحُدود الجُغرافيّة الإقليميّة.
ترامب سحَب 10 آلاف جندي مِن ألمانيا دون التّشاور أو التّنسيق مع حُكومتها، وأضعف حِلف الناتو، وهدّد بسحب قوّات أمريكيّة من اليابان وكوريا الجنوبيّة، لأنّه حوّل هذه القوّات إلى قوّاتٍ مُرتزقة، وخاصّةً في مِنطقة الشرق الأوسط، عندما “ابتزّ” الدول التي تتواجَد فيها، وطالب بمبلغٍ ماليٍّ ضخم مُقابل الحِماية.

الأمر الآخَر الذي يُجيده الرئيس ترامب غير “الابتِزاز” و”العُنصريّة”، هو فرض العُقوبات الاقتصاديّة، ممّا حوّلها إلى أُضحوكةٍ ومَوضِع سُخرية، ناهِيك عن تراجعِ تأثيراتها، اقتصاديّةً كانت أو سياسيّة.

المتحدّثة باسم وزارة الخارجيّة الصينيّة عبّرت بطريقةٍ دقيقةٍ عمّا نقول عندما وصفَت أمس تهديدات البيت الأبيض بفرضِ عُقوبات على المسؤولين الكِبار في الحزب الشيوعي الصيني على إثر أزمة هونغ كونغ بأنّها “تدعو إلى الشّفقة”، فمَا هو الضّرر الذي سيَلحَق بهؤلاء في حال منعهم مِن دُخول الولايات المتحدة التي لم يُفكّروا أصلًا بزِيارتها، أو تجميد حِسابات لهم غير موجودة، بل مُحرّمة قانونيًّا في مصارفها، مثلما أصابت المتحدّثة أيضًا مرّةً أُخرى عندما أضافت بأنّ هذا “التنمّر” الامريكيّ، والتّهديدات المُخزية تَعكِس “منطِق العِصابات” وليسَ منطِق الدّول المُحتَرمة.

أمريكا التي تتحدّث عن الاقتِصاد الحُر، والفُرص المُتساوية، فرضت عُقوبات على البضائع الصينيّة، ومنعت شركة “هاواوي” وهواتِفها وحواسِيبها من دُخول الولايات المتحدة، وأوعزَت لأتباعها في العالم وخاصّةً بريطانيا وكندا وأستراليا بالإقدام على الحظر نفسه، وكان مُفاجِئًا أنتكون الحُكومة البريطانيّة الأسرع في هذا المِضمار، إنّه الرّعب من هذا التنّين وصُوده التّكنولوجي والتّجاري الذي باتَ يُهدِّد كُل أدوات الهيمنَة الأمريكيّة.

العالم ضاق ذرعًا بهذه الغطرسة الأمريكيّة الجوفاء، وبات يتّجه في مُعظمه إلى الشّرق الآسيوي، والصين تحديدًا، التي تتحوّل إلى القوّة الأعظَم بصمتٍ والعمَل الدّؤوب، وتَرُد على العُقوبات الأمريكيّة بمِثلها، أنْ لم يَكُن أخطر، وتَقِف إلى جانب الشّعوب والدّول الفقيرة خاصّةً في آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبيّة، وتُطوّر ترسانة أسلحة حديثة أكثر تقدّمًا من نظيرتها الأمريكيّة، خاصّةً أسلحة “السايبر”، والصّواريخ الباليستيّة.
***

بالأمس كشفت صحيفة “ناشونال إنترست” الإلكترونيّة أنّ الصين طوّرت صواريخ كروز مِن طِراز “دو بخفنغ” مداه حواليّ 4 آلاف كم، ويستطيع ضرب القواعد الأمريكيّة في غوام، وتدمير جميع حامِلات الطائرات، ويُمكن تزويده برؤوسٍ حربيّةٍ تقليديّةٍ أو نوويّةٍ، أيّ أنّ حامِلات الطائرات التي تتباهى بها الولايات المتحدة باتت بلا قيمة حقيقيّة، وستتحوّل قريبًا إلى “خُردة”، ولم تَعُد مصدر تفوّق كما كان عليه الحال في العُقود الأمريكيّة السّابقة، حسب تحليلات الخُبراء العسكريين الأوروبيين.

العولمة الأمريكيّة سقطت، والعظَمَة الأمريكيّة العلميّة والعسكريّة تتآكل، والفضل في ذلك يعود إلى ترامب الذي كشَف الغَطاء عن المَستور الأمريكيّ بسِياساته الابتزازيّة، إلى جانب غبائِه الشخصي غير المسبوق، ولهذا يتمنّى الكثيرون أن يفوز في الانتِخابات الرئاسيّة المُقبلة بولايةٍ ثانيةٍ حتّى يُكمِل مَهمّته التدميريّة هذه.
هل يشهد جيلنا نِهاية الزّمن الأمريكيّ وتابِعه الإسرائيلي؟ نُصلِّي مِن أجل ذلك، وهذا كُل ما نستطيعه.. واللُه أعلم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البحث العالميّ جارٍ عن قِيادةٍ جديدةٍ بديلةٍ للولايات المتحدة والصين المُرشّح الأكبر البحث العالميّ جارٍ عن قِيادةٍ جديدةٍ بديلةٍ للولايات المتحدة والصين المُرشّح الأكبر



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 00:53 2018 الثلاثاء ,06 شباط / فبراير

يومين راحة لدوليي الوداد بعد "الشان

GMT 04:12 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

رايس يدافع عن الإصلاحات التي تتجه تونس لتنفيذها

GMT 00:02 2018 الخميس ,11 كانون الثاني / يناير

"كرسي معهد العالم العربي" يكرم المفكر عبد الله العروي

GMT 07:36 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

بسيمة الحقاوي تملّص الحكومة المغربية من فاجعة الصوية

GMT 13:23 2015 الأحد ,25 تشرين الأول / أكتوبر

خل التفاح والكريز علاجات طبيعية لمرض النقرس

GMT 05:00 2015 الأحد ,27 كانون الأول / ديسمبر

فوائد الشمر والزنجبيل والبقدونس أعشاب للمرارة

GMT 02:45 2017 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

الممثل هشام الإبراهيمي يخوض تجربة الإخراج

GMT 20:41 2015 السبت ,19 كانون الأول / ديسمبر

جامعة مراكش الخاصة تشتري كلية الطب في السنغال
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca