اقتحام الكنيسة إرهابٌ مُدانٌ لا يُمكن ولا يجب تبريره

الدار البيضاء اليوم  -

اقتحام الكنيسة إرهابٌ مُدانٌ لا يُمكن ولا يجب تبريره

عبد الباري عطوان
عبد الباري عطوان

الهُجوم الإرهابي الذي استهدف كنيسة، ومُتعبّدين فيها في مدينة نيس جنوب فرنسا، مُدانٌ ومَرفوضٌ ويُسِيء للرّسول محمد، صلى الله عليه سلم، والعقيدة الإسلاميّة، وأكثر من مِلياريّ مُسلم في مُختلف أنحاء المعمورة، نقول هذا دون أيّ تحفّظ، ودون أن نُلحِقُه بكلمة “لكن”، لأنّه عملٌ لا يُمكن، بل لا يجب تبريره، وإيجاد الأعذار لمُنفّذه.

الدّفاع عن الرسول ورسالته المُحمّديّة لا يتم باقتحام كنيسةٍ، وقطع رؤوس المُصلّين فيها، فليس من أخلاق الرّسول وصحابته، وإرثه العظيم في الرّحمة والتّسامح، فقد نهانا في الكثير من أحاديثه الشّريفة عن عدم التعرّض للمُصلّين الآمنين في كنائسهم، ودُور عِبادتهم أثناء الحرب، ناهِيك عنه أثناء السّلام، ولنا قُدوةٌ بسيّدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي رفض الصّلاة داخل كنيسة القيامة في القدس حتى لا تتحوّل صلاته هذه إلى “سنّةٍ” للمُسلمين من بعده، احترامًا لها، وقداستها، وأتباعها من أهل الكتاب.

نعترف أنّنا لم نُفاجأ بمِثل هذا الهُجوم الدّموي، بل توقّعناه، في ظِل أعمال التّحريض التي تتصاعد حاليًّا، على مواقع التواصل الاجتماعي خاصّةً، لتأجيج الفِتنة بين المُسلمين والأشقّاء المسيحيين، لتَحقيق مكاسب سياسيّة، ودُون التبصّر بمخاطر هذا التوجّه، وحالة الاحتِقان الذي سبّبه على عشَرات الملايين من الأبرياء في أوروبا ومُختلف أنحاء العالم.
***
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يتحمّل المسؤوليّة الأكبر عن إشعال فتيل هذه الفِتنة، عندما دافع بشَراسةٍ، وبطريقةٍ استفزازيّةٍ عن رُسومٍ مُهينةٍ للرّسول، صلى الله عليه وسلم، يعرف مُسبَقًا أخطارها على السُّلَّم الاجتماعي، ولما يُمكن أن تُؤدّي إليه من ردودِ فِعلٍ دمويّةٍ مُنفلتةٍ من قِبَل رُعاة الإرهاب، والمُحرّضين عليه من أنصارهم في الخندق المُقابل.

رفع مُستوى الأمن في فرنسا إلى أعلى المُستويات، وإضافة بضعة آلاف من الجُنود، وتشديد الحِراسة على الكنائس والمعابد قد يكون حلًّا احتِرازيًّا جاء مُتأخِّرًا، ولكنّه ليس الحل المطلوب، فالأزمة الحاليّة التي رشّ الزّيت على نارها الرئيس ماكرون، لا يجري حلّها بالحُلول الأمنيّة وحدها، وإنّما بإجراء مُراجعةٍ شاملةٍ لكلّ السّياسات والمُمارسات التي أدّت إلى تفجيرها، وخاصّةً استِخدام تعابير مِثل “الفاشيّة الإسلاميّة” أو “الإرهاب الإسلامي”.

الحُكومات الفرنسيّة ليست بريئةً من الإرهاب، ولها تاريخٌ حافلٌ في هذا المِضمار، وإذا كان الشيشاني المُراهق قطع رأس المدرّس الذي عرض صُورًا عاريةً مُهينةً، ومُقزّزةً، للرسول الكريم، أو زميله التونسي الذي ذبح بسكّينه ثلاثة من المُصلّين في الكنيسة فإنّ الحُكومات الفرنسيّة المُتعاقبة قتلت مِئات الآلاف من الأبرياء، وإذا كان البعض لا يُريد فتح دفاتر الماضي، فإنّنا نُذكّره بدعمها بالمال والسّلاح لمُتطرّفين مُسلمين موّلتهم وسلّحتهم قَتَلوا الآلاف من أبناء عقيدتهم في سورية، وترفض عودتهم وأُسرهم إليها.

قطع الرّؤوس عملٌ إرهابيٌّ بَشِعٌ مُدانٌ ومَرفوضٌ، ولكن ماذا نقول عن تسليم القوّات الفرنسيّة لرئيسٍ عربيٍّ مُسلم، إلى شبّانٍ غاضبين، والسّماح لهم بإعدامه، وانتِهاكِ حُرمة جُثمانه بطريقةٍ بشِعَةٍ، وعرضه في حاويةٍ للخُضار مُبرّدة لعدّة أيّام تشفّيًا، ومن ثم دفنه في مكانٍ مجهولٍ، ونحن نتحدّث هُنا عن العقيد معمّر القذافي الذي كان يعتبر فرنسا صديقًا، وساهم في تمويل حملة رئيسها الانتخابيّة بأكثر من خمسين مِليون يورو.

الرئيس ماكرون يستمرّ في عِناده، وغطرسته ويقول اليوم إنّه “لن يتنازل عن أيٍّ من القيمِ الفرنسيّة، وخُصوصًا حُريّة الإيمان وعدم الإيمان”، فمن قال له إنّنا نُريده أن يفعل ذلك؟ وهل يعلم هذا الجاهل بالعقيدة الإسلاميّة، وقُرآنها الكريم تبنّي هذه القيم قبل 1400 عام، عندما قال ” وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلظَّٰلِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍۢ كَٱلْمُهْلِ يَشْوِى ٱلْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتْ مُرْتَفَقًا”، و”إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ” صدق الله العظيم، فالمُشكلة ليست في الإيمان أو الإلحاد، وإنّما في استخدام ذريعة الحُريّات في التّطاول على مِلياريّ مُسلم ورسولهم الكريم، صلى الله عليه وسلم، بطريقةٍ استفزازيّةٍ بَشِعَةٍ بهدف الإهانة والتّحقير، وفي دولةٍ تدّعي أنّها مركز للتّنوير والحضاريّة، والعيش المُشترك.
***


الأخطاء ليستطريقًا من اتّجاهٍ واحدٍ، وإذا أردنا إيجاد حُلول لهذه الفتنة لتطويق أخطارها، على الجميع الاعتِراف بأخطائه، والجُلوس على مائدة الحِوار لوضع حُلولٍ مُستدامةٍ لمنع تِكرار هذه الأعمال الإرهابيّة الإجراميّة دُفعةً واحِدةً، إنقاذًا للأرواح البَريئة في الجانبين حاضِرًا ومُستقبلًا، وبِما يُقوّي أواصر التّعايش المُشترك في إطار القانون والحريّات الحقيقيّة والمسؤوليّة، والاحتِرام المُتبادل.

خِتامًا نقول، دون أيّ تردّد، يجب تصحيح خِطابنا الإسلامي، وتطهيره من كُلّ شوائب الغلوّ والتطرّف والتّحريض، والتّركيز على قيمنا في التّسامح واحترام الآخَر، وعدم توظيف الدّين لتحقيقِ أهدافٍ سياسيّةٍ انتهازيّةٍ، ونُطالب الجانب الآخر في المُقابل والفرنسيّ تحديدًا أن يسير على النّهج نفسه، والخطوة الأولى، والفوريّة، إزالة جماجم المُجاهدين الجزائريين الشّرفاء من على أرفف متاحفه التي تُجَسِّد تاريخ الإرهاب الفرنسيّ في أبْشَعِ صُوره.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اقتحام الكنيسة إرهابٌ مُدانٌ لا يُمكن ولا يجب تبريره اقتحام الكنيسة إرهابٌ مُدانٌ لا يُمكن ولا يجب تبريره



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 17:43 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 15:00 2018 الإثنين ,24 أيلول / سبتمبر

نقاش على "فيسبوك" ينتهي بجريمة قتل في أيت ملول

GMT 11:49 2016 الأربعاء ,17 شباط / فبراير

هنا شيحة باطلالة مثيرة على "انستغرام"

GMT 08:20 2016 الإثنين ,07 آذار/ مارس

مقتل شخص في حادث سير مروع في القنيطرة

GMT 14:52 2016 الثلاثاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

معطيات "صادمة" عن أوضاع أطفال مغاربة مشرّدين في شوارع مليلية
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca