لماذا فجّر ترامب قنبلةً فجأةً حول وجود خطّة مِصريّة بتدمير سدّ النهضة الإثيوبي

الدار البيضاء اليوم  -

لماذا فجّر ترامب قنبلةً فجأةً حول وجود خطّة مِصريّة بتدمير سدّ النهضة الإثيوبي

عبد الباري عطوان
عبد الباري عطوان

أن يُحذّر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقبل أيّامٍ من الانتخابات الرئاسيّة الأمريكيّة، من إقدام الجيش المِصري على إرسال طائراته لتفجير سدّ النهضة الإثيوبي، وأن يُبدي مُوافقةً، بل تحريضًا علنيًّا على هذه الخطوة، ويُقدّم المُبرّرات لها، فإنّ هذا الموقف يطرح العديد من علامات الاستِفهام، خاصّةً أنّه صدر دون أيّ مُناسبة، علاوةً على كونه جاء مُتأخِّرًا وخارج السّياق.
لا يُمكن أن ينطق الرئيس الأمريكي عن هوى ويُدلي بهذه التّصريحات المُفاجئة، وفي مِثل هذا الظّرف الأمريكي الحَرِج،

وفي ذروة انشِغاله في كيفيّة تحسين حُظوظه الانتخابيّة المُتراجعة، دون أن يكون لديه معلومات خطيرة عن وجود خطط مِصريّة طارئة لتفجير السّد فِعلًا، بعد فشل مُبادرة وِساطة أمريكيّة، أشرف عليها شخصيًّا، وكُوفِئ بتغوُل القِيادة الإثيوبيّة في رفضها، وكُل المُبادرات والوِساطات الأُخرى، والمُضِي قُدمًا في برامجها لمَلء خزّانات السّد بأكثر من 76 مِليار متر مكعّب من الماء على مراحلٍ، ممّا قد يُؤدّي إلى تعطيشِ وتجويع أكثر من خمسة ملايين أسرة مِصريّة.

الإدارة الأمريكيّة استضافت وزراء خارجيّة مِصر وإثيوبيا والسودان بحُضور خُبراء من صندوق النقد الدولي في واشنطن، في أيلول (سبتمبر) الماضي، وتوصّلت إلى صياغة “اتّفاق وسطي” لحل الأزمة وتخفيف حدّة التوتّر، وقّعه الجانبان المِصري والسوداني بالأحرف الأولى، بينما رفضه وزير الخارجيّة الإثيوبي الذي غابَ عن حفلِ التّوقيع النّهائي في تَحدٍّ سافِرٍ للحليف الأمريكيّ الأعظم.

الحُكومة المِصريّة، ورغم انشِغالها طِوال العامين الماضيين بتطوّرات الأزمة الليبيّة على حُدودها الغربيّة التي تُشكّل تهديدًا خَطِرًا لأمنِها القومي، تحلّت بسِياسات ضبط النّفس تُجاه التّصعيد الإثيوبي، وأعطت الأولويّة للجُهود الدبلوماسيّة، وتجاوبت مع كُل المُبادرات للتوصّل إلى حلٍّ سياسيٍّ، بِما في ذلك مُبادرة الاتّحاد الإفريقي بزعامة جنوب إفريقيا، رغم أساليب المُماطلة والتّسويف الإثيوبيّة، ولم يكن ذلك ناجمًا عن ضعفٍ، وإنّما لإعفاءِ نفسها من أيّ لَومٍ في حالِ لجأت إلى الخِيار العسكريّ الأخير، مثلما قال لنا خبير مِصري كبير مُتابع لهذا المِلَف.
الحُكومة الإثيوبيّة ردّت على تحذيراتِ الرئيس ترامب هذه بعنجهيّةٍ، ووصفتها في بيانٍ رسميٍّ بأنّها “غير قانونيّة، وعُدوانيّة، ولن ترضخ لها، وستُدافع عن نفسها في حال تعرّضها لأيّ عُدوان”، واستدعت السّفير الأمريكي، ممّا يعني أنّها ستنتقل إلى المرحلةِ الثّانية، والأخطر، لملء السّد بعد اكتِمال المرحلةِ الأولى، ودُون أيّ اتّفاق مع الشّريكين المِصري والسّوداني.
هُناك تفسيران لتصريحات الرئيس ترامب المُفاجئة هذه:

الأوّل: يُؤكّد هذه الخطّة المِصريّة ويقول إنّها حقيقيّة وجاهزة للتّنفيذ لتفجير السّد كخِيارٍ أخير في ظِل التعنّت الإثيوبي، والرئيس ترامب الذي يملك التّصريح الأعلى الذي يُؤهّله للاطّلاع على كُل الأسرار الأمنيّة، أراد أن يقول كلمته ويمشي، ويُحاول منع هذه الحرب، خاصّةً أنّ احتِمالات مُغادرته البيت الأبيض باتت كبيرةً، حسب نتائج استِطلاعات الرأي الأخيرة.
الثّاني: يُؤمِن بالنظريّة التآمريّة، ويقول إنّ ترامب الحليف الأقوى والأقرب لدولة الاحتِلال الإسرائيلي، يهدف من وراء هذه التّصريحات التحريضيّة توريط مِصر في حربٍ مع إثيوبيا، وبِما يُؤدّي إلى تدمير جيشها الوحيد الباقي عربيًّا، بعد تدمير الجيشين العِراقي واللّيبي، وانشِغال السّوري، واستِنزافه في حربٍ داخليّة ودوليّة مُستمرّة مُنذ عشر سنوات، ويُعيد أصحاب هذا التّفسير التّذكير بتَحريضٍ أمريكيٍّ مُماثلٍ كان وراء غزو العِراق للكويت عام 1990.

يبدو من الصّعب علينا استِبعاد أيّ من التّفسيرين، أو الانحِياز لأيٍّ منهما، لكن ما نعرفه جيّدًا أنّ الخِيار العسكري المِصري جاهِزٌ، ومحفوظٌ في أدراج غرفة عمليّات الطّوارئ لقِيادة الجيش المِصري، رُغم صُدور تعليمات واضحة للإعلام المِصري تحظر أيّ حديث، أو تحريض، أو تعبئة للرأي العام باتّجاه الحرب، لمنع حُدوث أيّ بلبلة، وبِما يُؤدّي إلى حالةٍ من القلق، والرّعب، تَنعكِس سلبًا على استِقرار البِلاد وأمنِها واقتِصادها.

مِصر تعتمد بنسبة 97 بالمئة على حصّتها من مِياه النيل التي تَبلُغ 56 مِليار متر مكعّب من المِياه سنويًّا، وتأتي مُعظم هذه الكميّة من النّيل الأزرق الذي يَنبُع من المُرتفعات الإثيوبيّة، ويُشكّل أكثر من 90 بالمِئة من مِياه نهر النيل عُمومًا، والحُكومة الإثيوبيّة أقامت أكثر من 12 سدًّا غير سدّ النهضة لتَحويل مِياهه، وتتمسّك بحقّها في التصرّف بكُل قطرة مِياه تأتي من أرضها وسمائها، باعتباره قرارًا سياديًّا، وتُؤكّد أنّ بناء سدّ النهضة، وتشغيله، بهدف إنتاج الكهرباء حيث يعيش أكثر من 60 بالمِئة من شعبها بُدونها.

بعد اقتِراب الأزمة الليبيّة من نِهايتها بعد اتّفاق وقف إطلاق النّار الذي توصّلت إليه الأطراف الليبيّة المُتصارعة في جنيف يوم الخميس الماضي، ونجاح التّهديدات المِصريّة العسكريّة بمنع الحرب في سرت بعد اعتِبارها والجفرة المُجاورة خطًّا أحمر، بات مُعظم التّركيز المصري “الصّامت” حاليًّا، على سدّ النهضة، مع وجود قناعة راسخة أنّ السيّد آبي احمد، رئيس وزراء إثيوبيا، يُناور ويتبنّى سِياسة المُراوغة وكسب الوقت.

يتّفق الكثيرون داخِل مِصر وخارِجها مع الرئيس ترامب في قوله بأنّ مِصر تأخّرت في منع إقامة هذا السّد الذي يُهدِّد أمنها بشقّيه الوطنيّ والمائيّ، ونحن من بينهم، لكن أن يأتي التحرّك مُتأخِّرًا خيرٌ من أن لا يأتي أبدًا، وتَحدُث الكارثة بالتّالي.

هذا التعنّت الإثيوبي المُستفز، والابتِزازي، يستند بالدّرجة الأولى إلى تحريضٍ إسرائيليٍّ، ففكرة بناء السّد إسرائيليّة، والخُبراء الإسرائيّليون كانوا هُناك مُنذ اليوم الأوّل، ومعهم تسهيلات جمّة بالمِليارات التمويليّة، ومنظومات القُبب الحديديّة، ومنظومات الدّفاع الإسرائيليّة المنصوبة لحِمايته، والقِيادة العسكريّة المِصريّة تعرف هذه الحقائق، وما هو أخطر منها، ولا نعتقد أنّها كانت “مُرتاحةً” من خطوة التّطبيع السودانيّة الأخيرة مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي، وإنْ أظهرت غير ذلك.
***

الدولة المِصريّة تَكظِم الغيظ، وتتحلّى بنفسٍ طويلٍ في تعاطيها مع الغطرسة الإثيوبيّة، لأنّها تعرف الحرب ولا تُريد الانجِرار إليها، وهي التي خاضت أربع حُروبٍ في أقلّ من سبعين عامًا، انتصرت في اثنتين منها (حرب السويس وحرب أكتوبر)، ولكن إذا رأت قيادتها أنّ هُناك خمسة ملايين أسرة ستُواجه الموت جُوعًا وعَطشًا، وأنّ إنتاج السّد العالي من الكهرباء سيَنخَفِض إلى النّصف بسبب نقص حصّتها من المِياه، فإنّ تدمير سدّ النهضة سيكون خِيارًا حتميًّا، ومهما كانت النّتائج، والشّعب المِصري، ومعه كُل العرب، سيقف خلف دولته مثلما فعل في كُلّ الحُروب الأُخرى، لأنّه يُدرك جيّدًا إنّه لا يُحارب إثيوبيا فقط، وإنّما إسرائيل أيضًا، ومن أجلِ حِماية مصالحه الصّرفة، والحياة وقفةُ عزٍّ، وسيكون النّصر حليفه بإذن الله.. والأيّام بيننا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا فجّر ترامب قنبلةً فجأةً حول وجود خطّة مِصريّة بتدمير سدّ النهضة الإثيوبي لماذا فجّر ترامب قنبلةً فجأةً حول وجود خطّة مِصريّة بتدمير سدّ النهضة الإثيوبي



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 17:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 04:19 2017 الخميس ,12 تشرين الأول / أكتوبر

بناء منزل مقوس يشبه ثعابين الريف الإنجليزي على يد زوجان

GMT 14:05 2021 الجمعة ,10 كانون الأول / ديسمبر

محمد الريفي يكشف تفاصيل معاناته بعد انتشار فيديو له

GMT 06:08 2018 الخميس ,01 آذار/ مارس

إبراهيم نصر طاقة فنية كبيرة لم تستغل بعد

GMT 06:31 2018 الإثنين ,05 شباط / فبراير

تعرفي على طرق مبتكرة لوضع المناكير الأحمر

GMT 08:31 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

فساتين زفاف مبتكرة في عام 2018 لإطلالات جريئة للعروس

GMT 03:46 2018 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

وقف احتساب علامات دورة الحاسب الآلي في مدارس بريطانيا

GMT 18:55 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

التليفزيون المصري يعرض مسلسل "وكسبنا القضية" المميّز

GMT 13:22 2017 الخميس ,14 كانون الأول / ديسمبر

10أعوام سجنًا في حق صحافي بتهمة هتك عرض قاصر

GMT 03:53 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

موظف في "أرامكو" لم ينم لمدة ليلتين متواصلتين بسبب "فيلم"

GMT 07:49 2017 الجمعة ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد المغربي يعاقب عبد الرحيم طاليب و خوان غاريدو

GMT 12:17 2015 الثلاثاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

فوائد السمسم وزيته كمقوي للمبايض
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca