معركة تثبيت الشرعية في سرت

الدار البيضاء اليوم  -

معركة تثبيت الشرعية في سرت

بقلم : محمد الأشهب

كان طبيعياً أن تبدأ معركة تثبيت الشرعية في ليبيا من سرت. ليس كونها أصبحت معقلاً لتنظيم «داعش» فقط، ولكن لأن رمزية المعركة تحيل على أسبقيات حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج. وأي وقت كانت ستضيعه في التردد حيال تمدد التنظيم الإرهابي، كان سيحسب ضمن سلبياتها التي تتربص بها أطراف داخلية وخارجية.
بكل المقايس، لا تبدأ حروب بهذا النوع من الفراغ، فهي لا تستهدف تحويل الأنظار عما يتفاعل داخل البلاد، بل تجعل من قضية تحرير سرت بداية اختبار وجهود، يفترض أن تليها وتواكبها تحولات جذرية في التعاطي والأزمة الليبية التي استشرت في مفاصلها كل أسباب الوهن واليأس والظلام. ومثل طبيب يبرمج دفات الساعة الاستعجالية على عملية جراحية لا تقبل الانتظار، صدر البيان الأول بخطة التحرير.
يتغاير رهان حكومة السراج وأولويات لا تقل أهمية، تخص نزع سلاح الميليشيات وتفكيك القوى غير النظامية والتركيز على استتباب الأمن، فهذه التحديات جميعها توجد في سلة واحدة، غير أن البدء بتطهير سرت وتعقب فلول التنظيمات الإرهابية، يأتي في مرتبة أكثر إلحاحاً، لأنه يوجه رسائل عدة، في مقدمها إشاعة الشعور لناحية اعتبار معركة الليبيين ضد «داعش» غير منفصلة في جوهرها عن التحالفات القائمة في مواجهة الإرهاب والتطرف والغلو ونزعات التدمير والخراب.
لم تنتظر الحكومة الليبية الإفراج عن حقها في امتلاك الأسلحة الدفاعية التي تكفل حماية حدود البلاد وسيادتها. وتحركت بين النقاش القانوني في المحافل الدولية التي أقرت فرض العقوبات، وتفهم المجتمع الدولي خطورة الأوضاع، خصوصاً على صعيد تنامي الهجرة واللجوء والنزوح الجماعي الذي حوّل البحر المتوسط إلى مقابر جماعية للمهاجرين الفارين من الموت إلى الموت.
وإذ تخوض حكومة الوفاق معركتها ومعارك المجتمع الدولي في آن بالوسائل المتاحة، فالأهم أنها عززت الثقة في إمكان بناء جيش وطني تابع للدولة، وليس للفصائل والميليشيات، ما يحتم تسريع إجراءات الإفراج عن مد السلطة الشرعية بما يؤهلها لتحقيق النصر.
قيل عن حكومة الوفاق الوطني إنها استمدت من قرار دولي شرعيتها التي لا تزال في حاجة إلى تصديق نيابي، وليس في ذلك أي حرج بالنظر إلى إخفاق الفرقاء المتناحرين في التوصل إلى مخارج نابعة من إرادة الداخل الليبي. غير أن اختيارها مواجهة «داعش» في سرت بكل ما يعينه ذلك من رجحان مفهوم السيادة غير القابلة للتجزئة، إنما يدل على أن شرعية الحرب على التنظيمات الإرهابية استبقت جدل الشرعية السياسية. ولا يمكن بهذا المعنى إغفال أن ما لم تستطعه الحكومات المتعاقبة التي توزعت إلى قبائل وعواصم وملاذات، اتخذت منه حكومة الوفاق منطلق عملها.
أن تكون المعركة في بدايتها ويتعين انتظار نتائجها النهائية، فالمسألة تشير إلى أنه بات في الإمكان توقع تشكيل قوة نظامية عسكرية وأمنية، وهذا التحدي يختزل جانباً كبيراً من مظاهر الأزمة الليبية، وسيكون على بقية الفرقاء، مهما كانت درجات خلافاتهم وحكومة الوفاق الوطني، أن يلتقطوا فكرة نادرة كهذه لإحلال نوع من الوئام، إن لم يكن بمبرر إنهاء جدول الخلافات النيابية والسياسية، فأقله الانخراط في صلب المعركة ضد «داعش» وبقية التنظيمات الإرهابية.
ليس مثل الشعور الذي بدأ يساور الليبيين، لناحية بدء عهد جديد، على طريق الخلاص من السطو على أحلام الثورة، ما يعاود جمع شتات الثقة المفقودة. وكيفما كانت كلفة المعركة الراهنة، فإنها تهون أمام علو الأسوار التي كانت تهدد بتقسيم البلاد. فالأخطر في التجارب التي كانت استمرت تداعياتها أنها اتخذت من المفهوم الضيق للشرعية مرتعاً لزرع التجزئة والعزف على النزعات القبلية والمكونات الجغرافية بين شرق ليبيا وغربها وشمالها وصحاريها الجنوبية. لولا أن المعارك ذات البعد الوحدوي تكفل دائماً تخطي مثل هذه الصعوبات.
كانت سرت على عهد نظام العقيد القذافي مشروع زعامة أفريقية افتقدت شرعيتها، لأنها بنيت على الوهم واستغلال النزاعات الأفريقية، وبخاصة في الجوار الليبي، لأهداف أنانية بلا منظور. ثم تحولت إلى قاعدة وملاذ لفلول التنظيمات الإرهابية ذات الخلفيات التخريبية. والأكيد أن معركة سرت الحالية تسعى إلى تصحيح المسار، لكن أهميتها ورمزيتها لا تكتملان من دون بسط نفوذ الشرعية القائمة على تكريس الوحدة، وبعدها تأتي الشرعية الديموقراطية حين يعم الأمن والسلم والاستقرار.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

معركة تثبيت الشرعية في سرت معركة تثبيت الشرعية في سرت



GMT 08:17 2016 الثلاثاء ,30 آب / أغسطس

معنى استعادة سرت من «داعش»

GMT 08:15 2016 الثلاثاء ,30 آب / أغسطس

لغة الإشارات بين المغرب والجزائر

GMT 08:14 2016 الثلاثاء ,30 آب / أغسطس

عن التناوب الحكومي في المغرب

GMT 08:13 2016 الثلاثاء ,30 آب / أغسطس

التحالف الإسلامي ومواجهة «داعش»

GMT 07:17 2016 الثلاثاء ,09 آب / أغسطس

بن كيران والاستحقاق الانتخابي

GMT 00:53 2018 الثلاثاء ,06 شباط / فبراير

يومين راحة لدوليي الوداد بعد "الشان

GMT 04:12 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

رايس يدافع عن الإصلاحات التي تتجه تونس لتنفيذها

GMT 00:02 2018 الخميس ,11 كانون الثاني / يناير

"كرسي معهد العالم العربي" يكرم المفكر عبد الله العروي

GMT 07:36 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

بسيمة الحقاوي تملّص الحكومة المغربية من فاجعة الصوية

GMT 13:23 2015 الأحد ,25 تشرين الأول / أكتوبر

خل التفاح والكريز علاجات طبيعية لمرض النقرس

GMT 05:00 2015 الأحد ,27 كانون الأول / ديسمبر

فوائد الشمر والزنجبيل والبقدونس أعشاب للمرارة

GMT 02:45 2017 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

الممثل هشام الإبراهيمي يخوض تجربة الإخراج

GMT 20:41 2015 السبت ,19 كانون الأول / ديسمبر

جامعة مراكش الخاصة تشتري كلية الطب في السنغال
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca