"إتفاق الإطار" كما "17 أيار" وُلِدَ ميتاً

الدار البيضاء اليوم  -

إتفاق الإطار كما 17 أيار وُلِدَ ميتاً

محمد عبيد
بقلم : محمد عبيد

لم يجد أركان السلطة الثلاثة مخرجاً للهروب من مطلب الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الإذعان للإرادة الإسرائيلية في ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، سوى العودة الى ما سُمِّي «إتفاق الإطار».

وقبل الإنتقال الى البحث في بعض بنود هذا الاتفاق التي تُسقِط السيادة وتكرس التطبيع، لا بد من التوقف عند الخلاصة الخطيرة الناجمة عن أداء مكونات السلطة بمواقعها كافة، منذ المماطلة المقصودة بإصدار مرسوم جديد لتعديل المرسوم المعروف بالرقم 6433 وما تضمنه من حيثيات وإحداثيات، مروراً بالتهرب من إبلاغ الأمم المتحدة من خلال رسالة رئاسية مضامين الإحداثيات الجديدة، وصولاً الى التلطي خلف ما يسمى الوساطة الأميركية بذريعة عدم إمكانية إتخاذ قرارات حاسمة في ظل التفاوض المفترض. والخلاصة هي: تَعَمّد أركان السلطة اللبنانية التنازل المعلن عن حقوق لبنان في ثرواته المائية والنفطية والغازية، وذلك من خلال تأكيدهم مباشرة أو مواربة على أن خط التفاوض الذي تتبناه الدولة اللبنانية هو الـ23، وبالتالي منح العدو حرية التنقيب والإنتاج في كامل المساحة الممتدة بين الخطين 23 و29 بما في ذلك حقل «كاريش»، أي ما مجموعه 1430 كلم². وبسبب ذلك إنتقل العدو الإسرائيلي من خلال «الوسيط» الأميركي الى المساومة على البلوك رقم 8 الى حدود خط هوف، مما يعني حصوله على 300 كلم² إضافية، أي أن المساحة التي سيكون قد إحتلها العدو في بحرنا تصل الى 1730 كلم²، كما حسم وبشكل نهائي مسألة تمسكه بجزءٍ من حقل «قانا» الممتد خارج الخط 23. (أنظر الخريطة المرفقة التي تبين تفاصيل عرض هوكشتاين).

هل يمكن لأي لبناني وطني مخلص أن يجد تبريراً مقنعاً لهذا التنازل الموصوف!

في العام 1983، حاول العهد الرئاسي الذي كان قائماً آنذاك أن يبرر لنفسه وللبنانيين قبوله بإجراء مفاوضات مباشرة مع الاحتلال الإسرائيلي الذي كان يسيطر على معظم الأراضي اللبنانية. وعلى الرغم من ذلك، لم يسلك إتفاق 17 أيار الذي نتج عن تلك المفاوضات طريقه للتنفيذ، بإعتبار أنه منح العدو الإسرائيلي ترتيبات أمنية تفوق قدرة لبنان على إحتمالها، مما دفع ببعض القوى الوطنية اللبنانية مدعومة من سوريا الى إسقاط هذا الاتفاق وإعتباره ميتاً قبل أن يولد.

في العام 2022 وبعدما باتت ما يسمى المعادلة الماسية أو الذهبية وما الى ذلك من تسميات رنانة.. شعاراً واضحاً أو مموّهاً بتعابير إحتيالية للحكومات اللبنانية المتعاقبة منذ العام 2005، وبعدما بلغت قدرات المقاومة مستوىً نوعياً متقدّماً ومقلقاً للعدو، وبعدما ترسّخت عقيدة الجيش اللبناني القتالية العدائية ضدّ الكيان الإسرائيلي، والأهم بعدما أجمع اللبنانيون كافة على العداء لهذا الكيان وعلى تمسكهم بسيادتهم على أرضهم ومائهم وثرواتهم، بعد ذلك كله نجد أن هذه السلطة بمكوناتها كافة تعبّر عن خنوع غير مسبوق أمام الأميركي ومن خلفه الإسرائيلي. السؤال المُحَيِّر: كيف يمكن لسلطة من المفترض أنها حليفة لحزب المقاومة، بل أن رافعتها الأساسية وسبب بقائها في السلطة هو قوة هذا الحزب الشعبية والسياسية، وكيف يمكن لسلطة أنتجها حزب المقاومة في ظل موازين قوى مُرجِّحة لصالحه في مواجهة الحليفين الأميركي والإسرائيلي، كيف يمكن لسلطة كهذه أن تتجرأ على التنازل علناً عن ثروات لبنان وأن تُرسِّمَ حدوداً بحرية مع عدو من دون قواعد قانونية مُثبَتة ولا تقنية صحيحة؟ وكيف يمكن لحزبٍ كان يتصدّر المقاومة في تحرير الأراضي اللبنانية بالقوة، وكيف يمكن لحزبٍ صدّ عدوان تموز وسجل إنتصاراً وطنياً وإلهياً على إسرائيل، كيف يمكن لهذا الحزب أن يبقى سائراً خلف هذه السلطة في مقاربته لهذا الملف الوجودي الوطني السيادي؟

المتابعون لهذا الملف يريدون أن يصدقوا أن خوف بعض أهل السلطة من العقوبات الأميركية، ورغبة البعض الآخر برفعها عنه، وسعي البعض الثالث لكسب رضا الأميركي تجنباً لها، هي الأسباب التي تقف خلف إنصياعهم للسيد الأميركي. لأن خلاف ذلك يعني أن السلطة السياسية ترتكب جرماً جزائياً وطنياً وصفه الكثيرون بأنه فعل خيانة، خاصة وأنه سيترك آثاراً حاضرية على اللبنانيين وتبعات مستقبلية على الأجيال التي لم تولد بعد.

فهل يجوز أن تمتلك مثل هذه السلطة حق التصرّف بحاضر الوطن وحاضرنا وبمستقبل الوطن ومستقبلنا وحياة أولادنا وأحفادنا وكل الأجيال المقبلة؟

أبرز بنود «إتفاق الاطار»وبالعودة الى ما يسمى «إتفاق إلإطار»، فإن بنوده تكشف بكل وضوح المخاطر التي تؤدي فعلاً الى إسقاط السيادة وتكريس التطبيع، وأبرز هذه البنود:

البند الأول: وهو البند الذي لم يتضمن أي إشارة الى الحدود البرية المعترف بها والمُرسَّمَة بين لبنان وفلسطين من خلال إتفاقيتي «بوليه-نيوكومب» العام 1923 والتي تم تثبيتها في إتفاقية الهدنة العام 1949 إنطلاقاً من نقطة رأس الناقورة. في حين إعتبر أن «الخط الأزرق» يشكل أساساً يمكن البناء عليه في هذا الاتفاق المخصص للترسيم البحري!

فإذا كان الموقف اللبناني يتمسك بهذه الحدود البرية الدولية المرسمة، إذاً كيف يصح أن يقبل لبنان ببناء ترسيم حدوده البحرية إنطلاقاً من خطٍ «أزرق» تعتبره دولته خط إنسحاب قوات الإحتلال الإسرائيلية ليس إلا!

البند الثاني: وهو البند الذي يُلزِم لبنان بتوقيع محضر كل إجتماع تفاوضي يُعقد في مقر قيادة «اليونيفيل» في الناقورة. هل من الطبيعي أن يوقع رئيس الوفد اللبناني محاضر مفاوضات مع رئيس وفد الكيان الإسرائيلي العدو الذي لا يعترف لبنان به؟!

البند الخامس: وهو البند الذي يجيز التفاوض على الحدود البرية والحدود البحرية معاً، وتكمن خطورته في الفقرة الأولى من هذا البند الذي يُعتَبر أول نص يوافق عليه مسؤول لبناني (رئيس مجلس النواب نبيه بري)، يُلغي نهائياً الحدود المعترف بها دولياً والمُرسمة مع فلسطين ويستبدلها بما يُسمى «الخط الأزرق»، وفي ما يلي الترجمة الحرفية للفقرة المذكورة: «على البر، بالنسبة للخط الأزرق، بعد التوقيع عليه من قبل لبنان وإسرائيل واليونيفيل».

هذا بعضٌ من فيض الألغام الأميركية ـ الإسرائيلية التي تضمنها ما يُسمى «إتفاق إلإطار»، الذي قررت السلطة السياسية اللجوء إليه علّها بذلك تحتوي رد الفعل الأميركي، بعدما لم تتجرأ على رفض مطلب الوسيط هوكشتاين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إتفاق الإطار كما 17 أيار وُلِدَ ميتاً إتفاق الإطار كما 17 أيار وُلِدَ ميتاً



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 19:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 17:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدًا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 05:32 2016 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

علماء يحذرون من انقراض "فرس البحر" لاختفاء طعامها

GMT 07:39 2015 الخميس ,31 كانون الأول / ديسمبر

استمتع في "جزيرة غرينادا" في منطقة البحر الكاريبي

GMT 01:13 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

اللون الأحمر الناري في ديكور 2018 لمحبي الجرأة والتغيير

GMT 05:28 2014 الإثنين ,13 تشرين الأول / أكتوبر

فندق "حياة كابيتال" يتربع على الأبراج المائلة

GMT 10:41 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

فاطمة ناصر تعلن مشاركتها بفيلمين في أيام قرطاج السينمائي

GMT 04:44 2016 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

شركة تطلق حذاءً رياضيًا جديدًا يمكنه تدفئة القدمين

GMT 16:07 2014 الأحد ,07 كانون الأول / ديسمبر

نبات الكرفس يحمي من الإشعاعات الضارة

GMT 21:04 2017 السبت ,02 أيلول / سبتمبر

أمال ماهر تتحضر لطرح ألبوم غنائي جديد

GMT 20:45 2018 الأحد ,15 إبريل / نيسان

لمين وهاب يشارك في شالنجر تونس الدولية للتنس
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca