الأنباط في دومة الجندل

الدار البيضاء اليوم  -

الأنباط في دومة الجندل

زاهي حواس
بقلم : زاهي حواس

من القواعد المهمة في علم الآثار إرساء عمليات البحث الأثري على أسس محددة ولأهداف مدروسة مسبقة! ولشرح ما تقدم نقول إن الأثري لا يقوم باختيار مكان البحث والتنقيب عشوائياً، وحتى بعد اختيار مكان أو موقع البحث فيجب على الأثري قبل البدء في عمليات البحث والتنقيب أن تكون لديه مجموعة من الأهداف التي يريد تحقيقها أو التحقق منها! وربما تصاغ هذه الأهداف مثلاً في صيغة أسئلة نبحث لها عن إجابات، مثل السؤال هل مرت حضارة الأنباط على دومة الجندل؟ هل تأثرت الحياة والوضع الحضاري في دومة الجندل بالمؤثرات الحضارية لحضارة الأنباط؟ ومن خلال تلك الأسئلة يبدأ الأثريون في البحث والتنقيب عن كل ما قد يفيد في الإجابة عن تلك الأسئلة.
ومن الثابت من خلال ما تم العثور عليه بدومة الجندل أن حضارة الأنباط لم تمر مؤثراتها فقط بالواحة المزدهرة وإنما استقرت بها! وذلك من خلال ما تم العثور عليه بالفعل من نقوش نبطية وكذلك رسومات وصور منحوتة على الصخور والجدران، إضافة إلى كسر الأواني الفخارية والخزفية التي تعود لحضارة الأنباط. ويعود أقدم النقوش النبطية التي تم العثور عليها إلى سنة 26 ميلادية، وقد عثر عليه على أحد الجدران. ويؤرخ النقش لقيام أحد الأنباط - ابن شليطو - ببناء مقبرة له ولعائلته في سنة 35 من حكم الملك الحارث الرابع (26 ميلادية). أما أهم ما تم العثور عليه من نقوش نبطية فيرجع إلى السنة الخامسة من حكم الملك مليخوس الذي يعود إلى 45 ميلادية. والنقش عبارة عن تسجيل لبناء وترميم مبنى مخصص للعبادة تم تكريسه لـ«ذو الشري»، المعبود الرسمي للأنباط. وأهمية النقش تعود إلى أنه يؤكد وجود ليس فقط الأنباط ولكن تأثيرهم الثقافي والحضاري في الواحة.
وقد ثبت من خلال أعمال الكشف والدراسات التي أجريت بين عامي 2010 و2011 من خلال علماء آثار سعوديين ودوليين، أنه ورغم انتهاء حضارة الأنباط في بداية القرن الثاني الميلادي حوالي 106م، فإن المؤثرات الثقافية والحضارية النبطية تطورت بشكل كبير في دومة الجندل خلال القرنين الأول والثاني الميلاديين وامتزجت بعد ذلك بالمؤثرات الثقافية الرومانية بعد أن أصبحت دومة الجندل جزءاً من المنطقة العربية الرومانية حسب تقسيم تراجان الذي تحدثنا عنه في مقالنا السابق.
ومن أهم العمائر التي تعود إلى العصر النبطي التي استمرت خلال العصر الروماني، كذلك المبنى الضخم الذي تم الكشف عنه جزئياً ويحمل اسم المبنى (أ). ويضم ساحة مفتوحة وبوابة غريبة التصميم، وتشير العناصر المعمارية التي تم الكشف عنها ولا تزال محفوظة بشكل كبير أن المبنى قد يعود لشخص من أصحاب النفوذ والثروة، وربما يكون المبنى قد استغل كمنشأة خدمية عامة، ويشير كم الفخار النبطي الذي تم العثور عليه من خلال الحفائر إلى مدى ثراء المبنى. وقد تم استغلال كميات هائلة من كسر الفخار في إعادة بناء أجزاء من المبنى وعمل ترميمات بالأرضيات ربما خلال العصر الروماني.
ومن خلال ما تم العثور عليه في دومة الجندل يمكننا رسم صورة واضحة لامتداد التأثيرات النبطية بمناطق الشمال في الجزيرة العربية، حيث لم تكن الواحة الوافرة بمعزل عما حولها من مناطق، خاصة منطقة حوض سكاكا الذي يرتبط ببلاد الشام من خلال وادي السرحان.
ولا تزال أعمال البحث والدراسة قائمة للكشف عن المزيد من المعلومات التاريخية عن جزء مهم من تاريخ وحضارة المملكة العربية السعودية، وذلك من خلال الفرق العلمية التابعة لهيئة التراث السعودية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأنباط في دومة الجندل الأنباط في دومة الجندل



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 19:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تتخلص هذا اليوم من الأخطار المحدقة بك

GMT 04:38 2016 الأحد ,17 كانون الثاني / يناير

معتقدات متوارثة عن الفتاة السمراء

GMT 18:38 2017 الثلاثاء ,20 حزيران / يونيو

شاروخان يعيش في قصر فاخر في مدينة مانات الهندية

GMT 12:25 2012 الإثنين ,23 تموز / يوليو

إيطاليا، فرانكا سوزاني هي لي

GMT 11:25 2014 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

"عام غياب الأخلاق"

GMT 01:38 2019 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

فالفيردي يحشد قوته الضاربة لمواجهة "سوسيداد"

GMT 21:23 2018 الإثنين ,17 كانون الأول / ديسمبر

تفاصيل مُثيرة جديدة بشأن زواج "شابين" في المغرب

GMT 18:28 2018 الإثنين ,27 آب / أغسطس

جوجل تدعم أذرع تحكم "Xbox" على إصدار Android 9.0 Pie

GMT 13:34 2018 الإثنين ,19 شباط / فبراير

تأجيل النظر في قضية مغتصب الأطفال في فاس

GMT 07:40 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

علماء يبتكرون إبرة تصل إلى الدماغ لتنقيط الأدوية

GMT 17:20 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

"الحوت الأزرق" بريء من انتحار طفل في طنجة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca