حول وظيفة تماثيل دادان!

الدار البيضاء اليوم  -

حول وظيفة تماثيل دادان

زاهي حواس
بقلم : زاهي حواس

ناقشنا في المقال السابق جزءاً من الدراسة العلمية المنشورة للأستاذ الدكتور سعيد بن فايز السعيد والدكتور حسني عبد الحليم عمار وعنوانها «التماثيل الحجرية»، التي من خلالها تم نشر عدد من التماثيل المكتشفة أثناء أعمال الحفائر بدادان. وعن وصف هذه التماثيل وحالتها عند الكشف عنها نحيل القارئ العزيز إلى مقالنا السابق نشره في هذا المكان. وقد أردت اليوم أن يتعرف القارئ على جزء مهم من عمل الباحث الأثري وهو الجانب التحليلي للمعلومات الأثرية التي يتم جمعها من موقع الحفائر وكذلك من خلال المقارنات العلمية، وذلك بهدف الوصول إلى تصور منطقي لوظيفة ودلالة ما يتم العثور عليه من آثار دفينة تحت الأرض، فليس من المتوقع أن يكون الأثري محظوظاً في كل مرة يحفر فيها بحثاً عن آثار فيقوم بالكشف عن نص كتابي بجوار المبنى المكتشف يخبره فيه بماهية المبنى وسنة بنائه والغرض منه، بل ومن قام ببنائه! كذلك ليس من المتوقع أن الكشف عن نص كتابي على كل تمثال أو قطعة فنية مكتشفة يعطينا معلومات كاملة عن التمثال أو العمل الفني، بل إنه لو حدث ما تقدم فرضاً لتحول علم الآثار إلى شيء آخر أبعد ما يكون عن كونه علماً يكشف لنا عن أسرار الماضي عن طريق التنقيب العلمي والبحث والدراسة والتحليل المنطقي.
هذه المقدمة مهمة لفهم ما قام به الباحثان وهما يقومان بدراسة تماثيل كلها - بشكل أو بآخر - مهشمة بفعل عوامل الطبيعة والقِدم وكذلك عوامل التخريب العمدي على يد الإنسان. وباستثناء النزر القليل جاءت التماثيل المكتشفة خالية من أي نقوش كتابية تشير إلى أصحابها أو إلى صانعيها وكذلك الغرض من نحتها. ورغم ذلك نجح الباحثان في ترجيح كون التماثيل لأشخاص من ذوي الرفعة والمكانة في مجتمعهم مع ترجيح كونهم ملوكاً من مملكة لحيان وتأييد ذلك بنقش وجد على أحد التماثيل يقرأ «ملك لحيان».
وأتفق مع ما ذهب إليه الباحثان من أنه رغم التأثير الواضح لفن النحت المصري القديم على تماثيل دادان اللحيانية؛ وذلك من حيث النسب التشريحية والوقفة المستقيمة وعضلات الصدر والكتفين والنقبة القصيرة، إلا أن القول بأن صانع هذه التماثيل نحاتون مصريون تم جلبهم من مصر للعمل بدادان وتيماء على نحت تماثيل ملوك لحيان هو قول لا يتفق مع الصفات الشديدة المحلية التي ظهرت في هذه التماثيل، ومنها ملامح الوجه البعيدة تماماً عن الأسلوب المصري في تشكيل ملامح وجوه التماثيل، وكذلك سمات أردية الرأس أو العمامات بملامحها الشديدة الخصوصية، والنعال التي تنتعلها هذه التماثيل؛ وكلها سمات من الصعب نحتها عن طريق فنان أجنبي. وعلى ذلك فالأرجح هو أن تماثيل دادان نحتت على يد فنان محلي.
نأتي لموضوع آخر مهم وهو لماذا نحتت هذه التماثيل؟ وما الغرض من نحتها؟ ويجيب عن هذين السؤالين الباحثان بأن مكان العثور على هذه التماثيل في أماكن متفرقة من المجمع الديني بدادان وكذلك بالنظر إلى حجم وهيئة التماثيل، فمن المرجح أنها تماثيل نذرية للإله الرئيسي للمعبد تمثل ملوكاً إما بعد قيامهم بأعمال تجديدات أو إضافات معمارية جديدة للمعبد وفي المقابل يطلبون من الإله الرضى ومنحهم الصحة والوفرة في الثراء وفي الأبناء الذكور لدعم مُلكهم واستمراره بين نسلهم، أو أن هذه التماثيل جزء من قرابين كانت تؤدى من الملوك لإله المعبد وفي المقابل يطلبون ما سبق وتقدم.
إن البحث العلمي في مجال الآثار يتقدم بصورة مطردة وأصبحت المملكة العربية السعودية تمتلك مؤسسات بحثية سواء داخل جامعاتها أو خارجها تعنى بالبحث الأثري بعد عهود كانت الريادة في هذا المجال لباحثين أجانب.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حول وظيفة تماثيل دادان حول وظيفة تماثيل دادان



GMT 20:42 2025 الخميس ,07 آب / أغسطس

شاعر الأندلس لم يكن حزيناً

GMT 20:40 2025 الخميس ,07 آب / أغسطس

كي لا تسقط جريمة المرفأ بالتحايل

GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

جورجينا تثير اهتمام الجمهور بعد موافقتها على الزواج وتخطف الأنظار بأجمل إطلالاتها

الرياض - الدار البيضاء اليوم

GMT 08:07 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الميزان الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 07:30 2018 الإثنين ,10 أيلول / سبتمبر

تسيبراس يعد المواطنين بخفض معدلات البطالة

GMT 22:59 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

شركة تويوتا تكشف عن سيارتها "كورولا 2020" الجديدة كليًا

GMT 12:45 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

تنظيم حملة للتبرع بالدم في مدينة وجدة

GMT 18:56 2015 الإثنين ,22 حزيران / يونيو

عامر يتأهل لنصف نهائي البطولة الأفريقيَّة للسلاح

GMT 11:21 2017 الجمعة ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدي لاستقبال فصل الشتاء بخطوات بسيطة في المنزل

GMT 21:57 2016 الخميس ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

النجمة الهندية دراتشي دهامي تنشر صور زواجها على "إنستغرام"

GMT 23:37 2019 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

توقيف شخصين رفقة شابتين في أوضاع مخلة في أغادير

GMT 03:45 2019 الأربعاء ,20 آذار/ مارس

ماديسون بير تتألق باللون الأبيض في لوس أنغلوس

GMT 04:55 2019 الأربعاء ,16 كانون الثاني / يناير

طرح منزل بسيط في ملبورن للبيع مقابل 2 مليون دولار

GMT 17:30 2018 الأربعاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

إدارة سجن وجدة تنفي دخول معتقلي "جرادة" في إضراب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
RUE MOHAMED SMIHA,
ETG 6 APPT 602,
ANG DE TOURS,
CASABLANCA,
MOROCCO.
casablanca, Casablanca, Casablanca