أميركا العاجزة عن درء محنتها!

الدار البيضاء اليوم  -

أميركا العاجزة عن درء محنتها

عثمان ميرغني
بقلم - عثمان ميرغني

عقب مجزرة المدرسة الأسبوع الماضي ، الأسبوع الماضي ، بعد أن نجحت أمريكا وصدمت العالم مجددًا ، بعد أن خرجت من الساحة الرئيسية السابقة ، الرئيس السابق دونالد ترمب وأعضاء بارزون في الكونغرس مثل السينات تيد كروز ، للدفاع عن حق حمل السلاح ، وقدموا اقتراحات مثل تسليح المدرسين وتغيير المزيد من الأموال إجراءات حماية المدارس. ونادى البعض الآخر أجهزة الكشف عن المعادن وفحص الأمتعة الشخصية على بوابات المدارس على غرار ما يحدث في تهريب.
الحقيقة، أن هناك مدارس في الولايات المتحدة طبّقت إجراءات أكثر مما هو موجود في المطارات، لكن ذلك لم يمنع المجازر. في كثير من المدارس تم اتخاذ إجراءات مثل تركيب كاميرات مراقبة في الداخل والخارج، واستخدام أجهزة الكشف عن المعادن، حيث يمر الطالب عبر بوابة خاصة أو يُفحص بالجهاز المحمول باليد. وهناك أيضاً تفتيش يدوي للحقائب، وإغلاق الأبواب بعد دخول الطلاب، بينما وظّفت مدارس وجامعات رجال أمن مسلحين، أو درّبت العاملين فيها على استخدام السلاح.
التقديرات تشير إلى أن هناك صناعة بمليارات الدولارات قامت لتستفيد من بيع معدات الأمن والمراقبة للمدارس والجامعات في الولايات المتحدة، لكن المشكلة لا تزال تؤرق بلداً يحدث فيه إطلاق نار على طفل كل ساعة في المتوسط، وخلال السنوات العشر الماضية قُتل نحو 30 ألف طفل ومراهق بالرصاص ليتجاوزوا بذلك عدد من قُتلوا في حوادث الطرق من هذه الفئة العمرية. واستناداً إلى كتاب «أطفال تحت النار: أزمة أميركية» ومؤلفه جون وودرو كوكس، فإن دراسة عن ضحايا السلاح في البلدان الغنية في العالم، بما في ذلك كندا وألمانيا وبريطانيا، وجدت أن 91 في المائة من الأطفال دون سن خمسة عشر عاماً الذين قُتلوا بالرصاص كانوا في أميركا. وأورد الكتاب إحصائية من دراسة أخرى تقول، إن المراهقين الأكبر سناً كانوا أكثر عرضة بنسبة 82 مرة للوفاة من عنف السلاح في الولايات المتحدة مقارنة بأي دولة ديمقراطية غنية أخرى.
أميركا لديها مشكلة حقيقية تبدو غير قادرة أو غير راغبة في معالجتها بسبب ثقافة السلاح المتجذرة والانقسام حول الموضوع، وقوة جماعات الضغط العاملة لمصلحة دعاة حمل السلاح. فعدد من قتلوا بالرصاص في أميركا منذ عام 1968 وحتى اليوم يتجاوز عدد جنودها الذين قُتلوا في كل حروبها مجتمعة. والرصاص يحصد سنوياً أكثر من أربعين ألف شخص، وعلى الرغم من ذلك لا حل في الأفق لمشكلة حمل السلاح.
ووفقاً لبعض التقديرات، هناك أكثر من 400 مليون قطعة سلاح في أيدي المواطنين الأميركيين، أي أكثر من عدد سكان البلد البالغ 326 مليون نسمة. تتفوق أميركا في هذا المجال على أي بلد آخر في العالم، وهو تفوق جلب عليها الكثير من المآسي. الأمر اللافت، أن هذه الأسلحة موجودة في حوزة 42 في المائة من البيوت أو الأسر، بمعنى أن كل واحدة من هذه الأسر لديها في المعدل نحو 8 قطع سلاح.
وقد جاء في الإصدار الأخير للمسح العالمي عن امتلاك الأسلحة الصغيرة، والذي أجراه المعهد العالي للدراسات الدولية والتنمية في جنيف، وشمل 230 دولة، أن الولايات المتحدة تتصدر القائمة بلا منازع. ففي عام 2017، على سبيل المثال، كان الأميركيون يشكّلون 4 في المائة من سكان العالم، لكنهم يمتلكون نحو 46 في المائة من إجمالي الأسلحة الصغيرة الموجودة في العالم في أيدي مواطنين عاديين، أي خارج ما هو موجود لدى القوات النظامية. اليمن جاء في المركز الثاني بعد أميركا من حيث نسبة امتلاك السلاح مقارنة مع عدد السكان.
موضوع السلاح في أميركا معقّد للغاية بسبب التعديل الثاني في الدستور الذي اعتمد عام 1791 ضمن التعديلات العشرة التي عرفت باسم «وثيقة الحقوق»، ويعطي الحق للمواطنين في حمل السلاح. ويقول التعديل «حيث إن وجود ميليشيا حسنة التنظيم ضروري لأمن أي ولاية حرة، لا يجوز التعرض لحق الناس في اقتناء الأسلحة وحملها». ويعد هذا التعديل من أكثر التعديلات إثارة للجدل بسبب انتشار جرائم السلاح.
هناك أيضاً إشكالية في تفسير هذا النص الدستوري الذي اختلف حوله عدد من القانونيين. فهناك تيار ينظر إلى النص في سياقه التاريخي الذي أُجيز فيه، بمعنى أنه كان يتعلق باستخدام الأسلحة ضمن تنظيمات الميليشيات الرسمية، لمنع نزع سلاحها، وليس لحماية حق الأفراد في الاحتفاظ بالسلاح للدفاع عن النفس. المشكلة، أن المحكمة العليا (الدستورية) قضت في حكم أصدرته في قضية رُفعت إليها في عام 2008، بأن الدستور يحمي حق الفرد في اقتناء السلاح. وكان المحافظون يشكّلون وقتها الأغلبية بين قضاة المحكمة، وأصبح القرار هو القول النهائي الساري، ولا يمكن معالجته إلا بتعديل الدستور وهو أمر مستحيل في ظل التنازع المزمن والانقسام العميق حول الموضوع، إضافة إلى التعقيدات التي تواجه أي تعديل للدستور تاريخياً في أميركا.
فالتعديل يحدث، وفقاً للمادة الخامسة من الدستور، بواحدة من طريقتين؛ إما من قِبل الكونغرس بقرار مشترك يتم تمريره بأغلبية ثلثي الأصوات في مجلسي النواب والشيوخ، أو بناءً على طلب الهيئات التشريعية لثلثي الولايات الأميركية. وفي الحالتين لا تصبح التعديلات قانونية وتعتمد كجزء من الدستور إلا بعد أن تصادق عليها الهيئات التشريعية لثلاثة أرباع مختلف الولايات. وقد عُدّل الدستور 27 مرة منذ اعتماده، وكان آخر تعديل في العام 1992، بينما فشلت مئات المحاولات الأخرى لتمرير تعديلات. وبسبب الانقسام في الكونغرس والولايات وفي المجتمع ككل حول موضوع السلاح، فإن فرص أي تعديل دستوري تصبح ضئيلة للغاية كي لا نقول منعدمة.
الأمر الوحيد الذي قد يكون متاحاً بسبب الضغط الشعبي هو اعتماد قرارات من الكونغرس لحظر بيع بعض أنواع الأسلحة والمعدات مثلما حدث عام 1994 عندما اعتُمد قانون فيدرالي يحظر البنادق الهجومية الآلية أو شبه الآلية، ظل سارياً لعشر سنوات. لكن منذ انتهاء صلاحية الحظر في عام 2004 لم تحدث محاولة أخرى جادة في الكونغرس لتجديده، والسبب أيضاً هو الانقسام العميق سواء في مجلس الشيوخ أو مجلس النواب، على الرغم من أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن 63 في المائة من الأميركيين يؤيدون هذا الحظر.
ربما لهذا السبب نشرت مجلة «أتلانتيك» الأميركية مقالاً هذا الأسبوع يدعو إلى تحرك شعبي للضغط على السياسيين ويحض الطلاب على عدم العودة للمدارس حتى يتحرك الكونغرس في موضوع السلاح. كذلك يدعو المقال الإعلام إلى مواصلة تسليط الضوء على جرائم السلاح حتى يبقى الموضوع في دائرة الضوء ويستمر الضغط على السياسيين.
لقد نفذت هجمات على مدارس أو أماكن عامة.
هذه الاقتراحات تدور حول حلقة مفرغة في ظل الرجعية ، بينما تتكرر جرائم القتل بالرصاص ويتزايد ضحاياها. هل قررت أن تجيب على جعلتك تضع نفسك في أمريكا؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أميركا العاجزة عن درء محنتها أميركا العاجزة عن درء محنتها



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:58 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 18:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس

GMT 00:01 2017 الأربعاء ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تتأهل رسميًا إلى نصف نهائي بطولة أفريقيا للريشة الطائرة

GMT 20:57 2017 الأحد ,10 كانون الأول / ديسمبر

اختيار هشام نصر متحدثًا رسميًا لاتحاد اليد المصري

GMT 19:36 2018 الخميس ,03 أيار / مايو

ارتفاع أسعار تذاكر مباراة وداع فينغر

GMT 07:53 2018 الثلاثاء ,06 شباط / فبراير

تعرف على قواعد اختيار هدية عيد الحب لشريكة الحياة

GMT 02:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

المجلس الأعلى للقضاء يعاقب 15 قاضيا من مختلف المدن المغربية

GMT 06:17 2018 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

جيجي حديد في إطلالة من الجلد في عيد ميلاد حبيبها

GMT 23:48 2018 الخميس ,11 كانون الثاني / يناير

نجل "عبدالرؤوف" يكشف حقيقة حالته الصحية

GMT 06:50 2017 الجمعة ,22 كانون الأول / ديسمبر

الحزب الجمهوري يمدح إيفانكا ترامب ويشيد بمجهوداتها

GMT 12:46 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

تنظيم الدورة الثانية للدوري الدولي لكرة الماء في الرباط

GMT 23:36 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

سعر الدرهم المغربي مقابل الدولار الأميركي الأحد

GMT 07:43 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

مدينة شَرِيش الإسبانية الساحرة الأفضل لقضاء عطلة الأسبوع

GMT 12:31 2015 الخميس ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

العثور على جثة محروقة وملقاة في ضواحي مدينة فاس

GMT 15:17 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

شركة بريطانية تعلن اكتشاف حقل جديد للغاز الطبيعي في المغرب

GMT 16:50 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

تأكد غياب لاعب برشلونة عن الكلاسيكو عثمان ديمبلي
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca