لاجئون... لكنهم عائدون

الدار البيضاء اليوم  -

لاجئون لكنهم عائدون

بكر عويضة
بقلم - بكر عويضة

حتى مساء أول من أمس (الاثنين)، فاق عدد مَنْ أصبحوا يحملون وصف «لاجئين» مِن أهل أوكرانيا رقم مليون ونصف المليون. أولئك كانوا، قبل بضعة أيام، كما غيرهم من البشر العاديين، في مختلف أنحاء العالم، يُمسون في بيوتهم آمنين، ثم يصبحون غير خائفين على أنفسهم، ولا مرعوبين على أطفالهم، بل مستبشرين بيوم جديد يحمل لهم الخير، ولأحبائهم، ولكل جيرانهم، ولكل الأخيار بكل مكان. انظر، كم تتغير أحوال أناس بين الناس أجمعين، خلال لحظات لعلها لم تكن في حسبان أحد على الإطلاق. لكن، أليس هذا هو حال الأزمان كلها، منذ بِدء الخلق، ومُذ بدء تداول الأيام بين أبناء آدم وحواء كافةً؟ بلى، ثم الأرجح أن يتواصل تدفق مهاجري أوكرانيا، وأن تتعرض قوافلهم للقصف، فتقع ضحايا بينهم، الأمر الذي سيرفع عدد قتلى الحرب المدنيين. سوف يستمر هذا الوضع ما دام أن مفاوضات توفير الممرات الآمنة لطوابير اللاجئين تتعثر، ومثلها أيضاً التفاوض الفاشل على وقف إطلاق النار.
بالطبع، هي الحروب هكذا، منذ اشتعل أوار أول حرب على أديم هذا الكوكب، وما الحرب الروسية - الأوكرانية أولاها، والمرجح، وربما المؤكد، أنها ليست آخرها. إنما، منذ انفجار ثورة الاتصالات، التي أطل معها زمن عالم جديد أزاح كل ما يفصل بين المتلقي والمعلومات من الحدود، اختلف الوضع تماماً، ففي كل مرة تنفجر حرب، تراها تجد طريقها، بأسرع مما تصوّر البعض، إلى كل بيت، تقريباً، بكل بقاع الأرض، ويصبح أطرافها حاضرين، برضى الآخرين، أو رغماً عنهم، في المنازل، في المقاهي، في المطاعم، فهي موضوع أحاديث موائد العشاء، ومناقشات مجالس المهتمين، خصوصاً المتتبعين مسار الأحداث، والمتحسبين لما تحمل من تأثيرات في اتجاهات متباينة، أولها أسعار الأسهم والسندات، وما قد يزلزل بورصات العالم من كوارث وهزات. ذلك كله متوقع، والغريب في الأمر أن توقعاً كهذا يكاد يقترب من الوضع الاعتيادي. حقاً، صار من المعتاد أن تسمع من يجيب على أي استغراب قائلاً: هذا أمر عادي، لماذا العجب؟
في أغلب الأحيان، الاكتفاء بالصمت سوف يكفيك متاعب الدخول في جدل لن ينتهي إلى أي توافق، ولا حتى على مبدأ «الاتفاق على ألا نتفق». مثلاً، تخيل ما الرد الذي قد يأتي على استغراب رؤية المفاوضين الروس، ببذلات أنيقة، وربطات عنق، مقابل نظرائهم الأوكرانيين، بلباس قتالي، يتبادلون الابتسامات، ويتصافحون، ثم يجلسون، وبعد لحظات يغادرون بلا اتفاق، فتكاد تشهق قائلاً: إنْ لم تكن هذه واحدة من أبهى تجليات «السريالية» خلال مأساة حرب تطحن الأبرياء، فماذا تكون؟ رُبّ قائل يجيب بأن لياقات التحضر تفرض على الساسة المدنيين، زعماء المتحاربين، إذا التقوا أن يبتسموا، وأن يتصافحوا، وبحماسة أحياناً، ثم لماذا تذهب بعيداً، أما تصافح زعماء الفلسطينيين مع نظرائهم الإسرائيليين، وتبادلوا الابتسامات أمام كاميرات العالم أجمع؟
نعم، حصل هذا. أتراه، في كل الحالات، تبسم الضعيف المقهور، أمْ المضطر المغلوب على أمره، أم أنه المغدور الذي افتقد ذراع متعاطف يسنده؟ في المقابل، ماذا عن المبتسم الآخر، أهو منتصر فعلاً، أم هو يخادع نفسه ويخدع الآخرين، ظاناً أنه انتصر حقاً؟ في الأحوال كافة، الزمن وحده كفيل بكشف ما بقي من أسرار علم الغيب. أما وأن الشيء يذكر بشيء، فقد هاتفني الأربعاء الماضي، مشكوراً، من يُذكرني بموقف غاب عن ذاكرتي تماماً. قال المهاتف إنه شاهدني تلميذاً أخطب أمام تلاميذ من مجايليّ فأطالب بتغيير اسم «مدرسة الزيتون للاجئين» في مدينة غزة، إلى «مدرسة الزيتون للعائدين». سألت: حصل هذا أمامك؟ أجاب: نعم، رأيت بعيني، وسمعت بأذني. أمِن عجب، إذنْ، إذا بقي أمل عودة المهاجر، واللاجئ، والمُهجّر، إلى الوطن والبيت والحقل، حياً يسري من النفْس سريان النَفَس، بصرف النظر عن اختلاف الأزمان، وتعدد الأجناس، وتغير المكان؟ كلا، إطلاقاً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لاجئون لكنهم عائدون لاجئون لكنهم عائدون



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 18:10 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 03:29 2018 الأربعاء ,24 كانون الثاني / يناير

استبدال رائدة فضاء سمراء فجأة من بعثة "ناسا"

GMT 12:18 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

الغيطي يعترض على قيام سلفي بتحطيم تمثال في روما بلفظ مسيء

GMT 08:10 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

C3 إيركروس بديل مثالي لسيتروين C3 بيكاسو الشعبية

GMT 05:16 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

دراسة تعلن أنّ الأطفال يرغبون في رؤية العقاب العادل

GMT 02:05 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

لفتيت يؤكد ضرورة وضع قانون لتنظيم العمل الإحساني في المغرب

GMT 05:52 2015 الخميس ,22 كانون الثاني / يناير

جيهان العلي تحتفل بعيد زواجها عبر صورة مع علامة

GMT 08:24 2015 الأربعاء ,07 تشرين الأول / أكتوبر

ذوو سوابق يغتصبون فتاة بعد إجبارها على مرافقتهم في إنزكان

GMT 11:18 2014 السبت ,13 أيلول / سبتمبر

اللاعب عمرو جمال مهاجم الأهلي رقم 23 عالميْا

GMT 03:58 2016 الأربعاء ,13 كانون الثاني / يناير

إطلالة حمراء مثيرة للنجمة نيكي ويلان خلال حفل "غولدن غلوب"

GMT 03:55 2016 السبت ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

تاجر بريطاني يعرض 12 سيارة تاريخية للبيع
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca