هل سيعترف الصحويون بالهزيمة «بروح رياضية»؟!

الدار البيضاء اليوم  -

هل سيعترف الصحويون بالهزيمة «بروح رياضية»

مشاري الذايدي
بقلم : مشاري الذايدي

تونس هي البلد الذي يُضرب به المثل دوماً على عمق التحول الثقافي، وتجذّر الاندماج في قيم العصر الحديث، خاصة فيما يتَّصل بتمكين المرأة، وتحقيق رتبة عليا في هذا الإطار، قياساً بالدول العربية الأخرى.
لذلك، كانت تونس دوماً في مرمى سهام الأحزاب الأصولية ومن يتغذّى على ثقافتهم من عامّة الناس.
كانت شخصية الحبيب بورقيبة، والد تونس الحديثة، هي التي غرست وسقت وقطفت شجرة الانفتاح والقيم الحديثة في تونس، لذا كان الهجوم عليه كثيفاً من أعداء هذه القيم. ماذا حدث لتونس في العشرية السوداء، كما وصفها الرئيس الحالي قيس سعيّد؟ كيف صارت تونس في حجر «الإخوان المسلمين»؟ كيف صار التوانسة هم أكثر الجنسيات المنخرطة في «تنظيم داعش»؟ لولا الهبّة الدستورية التي أطلقها الرئيس سعيّد، وبسببها لفظت المعدة التونسية الداء «الإخواني» - حتى بصورته الغنوشية الناعمة - لكانت تونس اليوم ضمن دول العقد «الإخواني» الفريد، لكن الفريد في عمق تخريبه وغور تأثيره.
العبرة من المثال التونسي هي أنَّ اعتماد برامج اجتماعية وثقافية تعزّز الانفتاح وتنبذ الثقافة المتشددة، والنزعات والنزغات المتزمتة، خاصة تجاه قضية تمكين المرأة، وتشجيع الفنون وتكريس التسامح الطائفي والديني والعرقي والفئوي... اعتماد مثل هذه البرامج، بسلطة الدولة العليا، لعقود من الزمن، ليس كفيلاً بإنهاء أعداء هذه القيم... أبداً.
من هنا أدلف إلى مثال آخر، وهي النهضة التنويرية الكبرى التي تشهدها السعودية اليوم، انظر إلى مسألة المرأة على سبيل المثال، فإلى أقل من 5 سنوات، كانت السعودية موضعَ هجوم حادّ بسبب مسألة قيادة المرأة للسيارة، وكنا نشعر بالحرج الشديد من بقاء هذه المسألة العادية جداً في منطقة اللاحسم.
لو راجعنا أرشيف الصحف السعودية والشاشات الفضائية لوجدنا فيضاً غزيراً من السجالات، مع مسألة قيادة المرأة للسيارة وضدها، وصلت في بعض صورها إلى أمثلة مضحكة مبكية، مثل ذاك الذي يقال عنه الشيخ، حين زعم أنَّ قيادة المرأة للسيارة ستؤثر على قدراتها الإنجابية ومبايضها!
الآن كل ذلك من الماضي، ونرى كيف أصبحت صورة المرأة السعودية، فاعلة في الحياة اليومية، وما قيادة السيارة إلا صورة مجازية عن قيادة المرأة لمصيرها العام، والمجتمع تقبل الأمر بكل سلاسة، وهذا فيه ردّ بليغ على من كان يرجف ويهوّل الأمور من قبل، سواء من المتشددين أو مِن بعض مَن يدّعي الحكمة ورشد المشورة.
لكن نرجع لما بدأنا به المقال، هل الانفتاح حقيقة فيزيائية ثابتة، أم عمل سياسي اجتماعي ثقافي لا يقف، يجب صونه وحمايته كل يوم؟
هل سيعترف الصحويون ومن يتبعهم من جمهور الصحوة، بالهزيمة هكذا... برداً وسلاماً، وينصرفون إلى شأنهم الخاص، أم سيرقبون ويترقَّبون بحثاً عن ثغرة جديدة للعودة والفعل، ولو باسم الوطنية وحماية الهوية المهددة... زعموا؟!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل سيعترف الصحويون بالهزيمة «بروح رياضية» هل سيعترف الصحويون بالهزيمة «بروح رياضية»



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 17:22 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

أخطاؤك واضحة جدًا وقد تلفت أنظار المسؤولين

GMT 06:25 2018 الأحد ,29 إبريل / نيسان

أفكار متنوعة وراقية لديكور حفلات الزفاف

GMT 03:33 2018 الثلاثاء ,27 آذار/ مارس

الهاتف Huawei Y7 2018 يظهر في صورة رسمية مسربة

GMT 13:31 2018 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

حسام عاشور على بُعد 3 خطوات مِن الأكثر تتويجًا في العالم

GMT 05:33 2018 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

التحقيق مع مدير بنك اختلس 600 مليون سنتيم في الجديدة

GMT 13:54 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

أبرو يحرز رقمًا قياسيًا في عدد الأندية التي لعب لها

GMT 02:55 2017 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

الأصفر يعتبر لونًا مبهجًا يجلب السعادة إلى المنزل

GMT 15:09 2016 الأربعاء ,20 كانون الثاني / يناير

افتتاح مصنع جديد في طنجة لإنتاج الورق المقوى

GMT 23:44 2015 الخميس ,03 كانون الأول / ديسمبر

بنعاشور حارس "الوداد" مطلوب في سوشو واتحاد طنجة
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca