الصحوة الأوروبية والخديعة الإيرانية

الدار البيضاء اليوم  -

الصحوة الأوروبية والخديعة الإيرانية

إميل أمين
بقلم : إميل أمين

هل بدأت تتكشف للأوروبيين الأبعاد والجوانب الخفية في مناورات الإيرانيين حول الاتفاق النووي الجديد؟

طويلا قلنا إن إيران ليس لديها النية الصادقة في إنهاء برنامجها النووي، وأن ما تقوم به هو تسويف الوقت، والحصول على أكبر قدر ممكن من الخبرات العلمية، وحيازة كميات كبرى من اليورانيوم المخصب، لتضحى جاهزة عند وقت معين لامتلاك سلاحها النووي، وأن الاتفاقيات الساعية إليها ليست سوى هدنة تمكنها من الحصول على مليارات الدولارات، والتي تعزز مسيرتها العسكرية نوويا وتقليديا.

في الأسبوعين الأخيرين، صدرت تصريحات أميركية عدة، غالبها يبشر بقرب التوصل إلى خطة عمل مشتركة جديدة مع الإيرانيين، وقد قال أحدهم إننا على بعد مليمترات قليلة من التوقيع، لكن المشهد تغير أميركيا وأوروبيا فيما بعد.

تبدو الاندفاعة الأميركية تجاه اتفاق جديد مع الملالي، أسرع بمراحل من رغبة الأوروبيين في الأمر عينه، ومع ذلك حملت الأيام القليلة الماضية تغيرا واضحا في المشهد الأوروبي، تغيرا يفيد بصحة أوروبية تجاه النوايا الإيرانية، بل لا نغالي إن قلنا الخديعة الإيرانية، تلك التي يعلمها الجميع، وتنكرها واشنطن وبروكسل، رغم يقينهما بها.

لنأخذ الأحداث بالتواريخ، ففي 8 أغسطس آب الماضي، أعلن الاتحاد الأوروبي عن تقديم "النص النهائي" لإحياء الاتفاقية الجديدة بين إيران والغرب.

تاليا وفي 31 من الشهر عينه، كان جوزيب بوريل الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، يعلن عن أمله في التوصل إلى اتفاق خلال الأيام المقبلة. غير أنه وبعد نحو 48 ساعة من هذا التصريح، خرج بوريل على العالم، ومن خلال تصريح صحافي في بروكسل، قال فيه: "يؤسفني أن أقول إن ثقتي تراجعت عما كان قبل يومين بشأن تقارب وجهات النظر، وإمكانية إبرام الاتفاق الآن".

الغريب والعجيب في تصريح بوريل، هو أنه لم يوضح السبب الرئيس في هذا التغير، وما الذي دعاه لخيبة الأمل والإخفاق الواضحين في المشهد.

قبل تصريحات بوريل بساعات قليلة، ونهار الجمعة الفائتة تحديدا، كانت واشنطن ترفض فكرة ربط إحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، بإغلاق تحقيقات الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة.. ماذا عن تلك القصة، وهل ستضحى سببا رئيسا في فشل التوصل إلى اتفاقية، وكشف الأبعاد الخفية للبرنامج النووي الإيراني، أمام أعين العالم برمته؟

الأمر باختصار غير مخل، هو أن إيران تضع الاتفاق كله في جانب، رغم الجهود التي جرت من أجل التوصل إليه، من قبل كافة الأطراف، بل والتنازلات التي قدمتها، ومنها موافقتها على عدم رفع الحرس الثوري من قائمة الإرهاب، وفي جانب مقابل تضع فكرة عدم عودة وكالة الطاقة الذرية للتفتيش في مواقع نووية إيرانية أخرى غير معلن عنها، مواقع وجدت فيها آثار ليورانيوم مخصب، ما يعني أن لدى طهران ما تخشى عليه، وتحاول حمايته بكل ما أوتيت من قوة وقدرة، وحتى لو بلغ الأمر تعطيل مسار الاتفاق الذي بدا يلوح في الأفق وأمام أعين الجميع.

يتذرع نظام الملالي بأن قضية التفتيش في تلك المواقع قضية سياسية، وهو قول لا سند له قانونيا أو منطقيا، فالمسألة تقنية إجرائية.

إيران وعبر الأشهر القليلة المنصرمة، كررت طلب إنهاء قضية المواقع، وتصاعدت رغبتها بصورة خاصة بعد أن أصدر مجلس محافظي الوكالة الدولية في يونيو حزيران الماضي، قرارا يدين عدم تعاونها مع المدير العام للوكالة رافايل غروسي في القضية، وأثارت الخطوة انتقادات لاذعة من إيران التي ردت بوقف العمل بعدد من كاميرات المراقبة العائدة للوكالة الدولية في بعض منشآتها.

هل من حقيقة تخفيها إيران؟

في واقع الحال الحقيقة الوحيدة المؤكدة، والتي يدركها الراسخون في العلم، هي كون إيران دولة ثيؤلوجية، غير قادرة حتى الساعة على القطع بما إذا كانت ثورة مستمرة، يراد لها التصدير إلى العالم برمته، أم أنها دولة بالمعنى الويستفالي، وهو ما يجعل التعامل معه عصيا على الفهم.

على أنه ومن تلك القاعدة في فهم أبعاد المشهد الإيراني، يمكن النظر إلى رغبة طهران في حيازة السلاح النووي، وقد وعت الدرس العراقي جيدا قبل أربعة عقود، مع الفارق الكبير، في أن مفاعل تموز كان في بداياته، على خلاف البرنامج الإيراني الذي استطاع مؤخرا الوصول إلى درجة تخصيب تصل إلى 60%.

إيران، وهذا ليس سرا، أنشأت مفاعلاتها على مدى جغرافي واسع وممتد، بل إن هناك ما يقطع بوجود مفاعل رديف خفي، لكل مفاعل علني، ومن هنا يمكن للمرء أن يفهم السر وراء وجود عينات مشبعة باليورانيوم المخصب في مواقع غير معلن عنها في برنامج إيران النووي.

طوال الستة أشهر الأخيرة، تكرر إيران طلبها بضرورة إنهاء قضية المواقع، والحصول على ضمانات تفيد بعدم العودة إلى فتح هذا الملف ثانية، كشرط للوصول إلى اتفاقية جديدة، وهز ما قطع به الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، بقوله "كل قضايا الضمانات يجب أن يتم حلها".

يوما تلو الآخر، تتعزز الشكوك في النوايا الإيرانية، وتفقد حتى الذين طالبوا بعدم إغلاق نافذة الفرصة أمامها كالأوروبيين، وإذ ترفض تقديم تفسيرات عن المعدات الخفية التي تحصلت عليها لمعالجة اليورانيوم، أو عن المكان الذي نقل إليه ما تم تخصيبه، فإنها تنتهك كذلك التزاماتها في معاهدة الحد من الانتشار النووي، السابقة على خطة العمل المشتركة.

تدفع الصحوة الأوروبية تجاه التلاعب الإيراني بمقدرات الاتفاق الجديد، في طريق تعزيز الشكوك لدى دول الجوار بنوع خاص، والتي لها في الحق ألف حق، في السعي لتأمين أمنها الوطني والإقليمي، ومن هنا يفهم المرء لماذا تكتب البروفيسورة سنام كيل، رئيس برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في معهد تشاتام هاوس في لندن تقول: "إنه سيضحى من الطبيعي أن تسعى دول الإقليم لمحاكاة النموذج الإيراني نوويا، حال مضي طهران في برنامجها النووي".

هل كان تفكير إدارة بايدن بالرجوع إلى هذا الاتفاق خطأ من الأصل، وحتى قبل أن يكتشف الأوروبيون خديعة الإيرانيين؟

معظم الظن أن ذلك كذلك في المبتدأ والخبر.

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصحوة الأوروبية والخديعة الإيرانية الصحوة الأوروبية والخديعة الإيرانية



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 17:57 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 04:19 2017 الخميس ,12 تشرين الأول / أكتوبر

بناء منزل مقوس يشبه ثعابين الريف الإنجليزي على يد زوجان

GMT 14:05 2021 الجمعة ,10 كانون الأول / ديسمبر

محمد الريفي يكشف تفاصيل معاناته بعد انتشار فيديو له

GMT 06:08 2018 الخميس ,01 آذار/ مارس

إبراهيم نصر طاقة فنية كبيرة لم تستغل بعد

GMT 06:31 2018 الإثنين ,05 شباط / فبراير

تعرفي على طرق مبتكرة لوضع المناكير الأحمر

GMT 08:31 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

فساتين زفاف مبتكرة في عام 2018 لإطلالات جريئة للعروس

GMT 03:46 2018 الأربعاء ,10 كانون الثاني / يناير

وقف احتساب علامات دورة الحاسب الآلي في مدارس بريطانيا

GMT 18:55 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

التليفزيون المصري يعرض مسلسل "وكسبنا القضية" المميّز

GMT 13:22 2017 الخميس ,14 كانون الأول / ديسمبر

10أعوام سجنًا في حق صحافي بتهمة هتك عرض قاصر

GMT 03:53 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

موظف في "أرامكو" لم ينم لمدة ليلتين متواصلتين بسبب "فيلم"

GMT 07:49 2017 الجمعة ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد المغربي يعاقب عبد الرحيم طاليب و خوان غاريدو

GMT 12:17 2015 الثلاثاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

فوائد السمسم وزيته كمقوي للمبايض

GMT 07:36 2016 السبت ,15 تشرين الأول / أكتوبر

مغامرة الوقوف على صخرة ترول تونجا البارزة في النرويج

GMT 13:05 2015 السبت ,15 آب / أغسطس

انتحار إمرأة من فوق سطح منزلها في مراكش

GMT 00:26 2016 الإثنين ,24 تشرين الأول / أكتوبر

أمور سخيفة للغاية يتشاجر عليها الزوجين
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca