السعودية: لبنان في القلب

الدار البيضاء اليوم  -

السعودية لبنان في القلب

إميل أمين
بقلم : إميل أمين

أثبتت الأيام الماضية التي أعقبت انفجار مرفأ بيروت أن لبنان ذو مكانة خاصة في قلب المملكة العربية السعودية منذ قيامه وحتى الساعة، فقد استبقت الجميع عبر الجسر الجوي الذي أقامته، بهدف إيصال المساعدات الغذائية والطبية إلى اللبنانيين، ولمواجهة استحقاقات هذه اللحظات الأليمة التي أعقبت الحادث المريب والمريع معاً.
على أن علامة الاستفهام في هذا المقام: هل دعم المملكة للبنان يتوقف عند حدود المساعدات التقليدية على أهميتها وبخاصة في أوقات المحن والنوازل كما في الهول الأخير؟
المؤكد أنه كما أعلنت وزارة الخارجية السعودية عن عزم حكومة المملكة على تقديم مساعدات إنسانية عاجلة عبر مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، فإن اللبنانيين أيضاً موقنون من أن المملكة لم ولن تتخلى عن دعم لبنان سياسياً في هذه الأوقات التي اختلّت فيها الموازين، واضطربت أحوال البلاد والعباد، وبات ما تبقى من اتفاق الطائف عُرضة لأن تأخذه زوابع تحالفات إقليمية لا تحمل لبنان في القلب أبداً، كما تفعل السعودية دوماً.
المشاعر السعودية تجاه لبنان تبدّت شعبياً ونخبوياً وحكومياً منذ الساعات الأولى للأزمة، فقد تزينت معالم السعودية المختلفة من شوارع وطرقات وأبراج، بعَلَم لبنان، تعبيراً عن التضامن مع الشعب العربي الشقيق الذي يعيش مأساة غير مسبوقة منذ زمن الحرب الأهلية في سبعينات وثمانينات القرن المنصرم.
دفع لبنان في حقيقة الأمر تكاليف أطماع إقليمية عديدة في المنطقة، بدأت عام 1975، وبنوع خاص بعدما تركت منظمات فلسطينية عديدة الأردن إلى الأراضي اللبنانية، وقد حملت معها خلافاتها وتوجهاتها السياسية المتشارعة وأسلحتها، وكان على اللبنانيين أن يدفعوا الثمن.
لم تتخلَّ المملكة عن مسؤولياتها في تلك الفترة المؤلمة من تاريخ لبنان، والقاصي والداني يشهد لها بأنها عملت كما إطفائي الحرائق، إلى حد أنها وافقت على المشاركة فيما عُرف باسم «قوات الردع العربي»، من أجل قطع الطريق على الاصطفاف الطائفي الذي قاد لاحقاً إلى الحرب الأهلية.
طوال عقد ونصف من الزمن، أي عمر الحرب الأهلية لم تتوانَ المملكة عن دعم الشعب اللبناني ومساندته، الأمر الذي جعلها وبكل موثوقية ومصداقية، الوسيط الذي لا يمكن الاستغناء عن مبادراته التوفيقية، من غير أن يعني ذلك التورط في رمال الأزمة اللبنانية المتحركة، والتي ابتلعت ولا تزال الكثيرين من أصحاب النيات الحسنة والطوايا الطيبة.
طوال عقد ونصف من زمن الحرب الأهلية اللبنانية، سطرت المملكة أحرفاً من المودّات تجاه لبنان وشعبه، وبذلت جهوداً دبلوماسية لا يمكن إنكارها بحال من الأحوال.
في عام 1976 احتضنت المملكة مؤتمر القمة العربي السداسي، على أمل أن يكون الطريق لوقف تدهور الأوضاع السياسية اللبنانية، ثم تبعته بمشاركتها الجادة في مؤتمري الحوار الوطني في جنيف 1983، ولوزان 1984، إلى أن كللت جهودها بمؤتمر الطائف عام 1989، وهو الاسم الذي تُعرف به وثيقة الوفاق الوطني اللبناني التي وُضعت بين الأطراف المتنازعة في لبنان. هل تساءل أحدهم كم تكبدت المملكة من مشقّات سياسية طوال السنوات الخمس عشرة هذه؟
المقطوع به أنها تحملت الكثير جداً، كابدت الآلام والمصاعب، فقد تشظى اللبنانيون، والكارثة الكبرى أن الأصوات التي عَلَت في الداخل اللبناني، شارك فيها من يحمل عداوات وشراً مجانياً للمملكة وشعبها، من يساريين وإيرانيين على نحو خاص، ومن فصائل فلسطينية راعها أن يعم السلام ربوع لبنان.
أما عن المساهمات المالية السعودية في تلك الفترة فقد وثّقها تقرير أممي صدر عام 2016، أشار إلى أن المملكة قدمت للبنان في الفترة الواقعة ما بين 1990 و2015 من الهبات والمنح ما تجاوز الـ70 مليار دولار، قُدمت بشكل مباشر وغير مباشر، وتوزعت بين استثمارات وقروض ميسرة، وودائع في البنوك والمصارف.
لم يكن لقوى الشر في الإقليم وفي المقدمة منها إيران وقطر وتركيا أن تترك لبنان واللبنانيين إلى حال سبيلهم، ولذلك عمد ثلاثي الشر المتقدم إلى إفساد سيناريو الطائف، الذي لعبت سوريا دوراً رئيسياً في إفشاله، ولم يكن لها لتخرج من لبنان إلا من خلال تضحية بحجم الشهيد رفيق الحريري، والذي ستكشف الأيام القليلة القادمة عن قاتله المعروف سلفاً.
استطاعت إيران أن تجعل من لبنان مطية عبر سلاح «حزب الله» الذي بات سيفاً مسلطاً على رقاب اللبنانيين، وبه هددت قبل أيام بالحرب الطائفية والأهلية من جديد، وها هي سادرة في غيها.
يحتاج لبنان اليوم للدعم السياسي السعودي أكثر من أي وقت آخر، ففي هذه اللحظات المفصلية يتحدد مصير لبنان، الذي لن تتخلى عنه المملكة حكماً أبداً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السعودية لبنان في القلب السعودية لبنان في القلب



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 19:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 20:31 2018 الأحد ,30 كانون الأول / ديسمبر

كومباني يعلن جاهزية مانشستر سيتي لمواجهة ليفربول

GMT 11:14 2018 الجمعة ,16 شباط / فبراير

تزيني بمجموعة مميزة من المجوهرات في عيد الحب

GMT 16:31 2016 الأحد ,21 شباط / فبراير

برانت دورتى ينضم لفيلم "Fifty Shades Of Grey"

GMT 01:15 2017 الأربعاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مميّزات جديدة في هاتف "iPhone X" الجديد من أبل

GMT 11:16 2014 الأربعاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة وفيتامينات لعلاج النهايات العصبية للجهاز العصبي

GMT 05:31 2016 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

علماء يتوصَلون لمعرفة مسارات طيور السنونو خلال رحلاتها

GMT 00:27 2017 الأحد ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

مناقشة كتاب "أيام من حياتي" سيرة سعد الدين وهبة

GMT 23:31 2017 الأربعاء ,05 إبريل / نيسان

الريان يخرج حمد الله من "جحيم" الجيش القطري

GMT 05:04 2016 الخميس ,14 كانون الثاني / يناير

ضريح القديس يهوذا وحصنه الشاهق يزيّنان جانسي الهندية

GMT 22:13 2019 الثلاثاء ,05 شباط / فبراير

لمسات مثيرة لرقبة زوجك قبل العلاقة الحميمة

GMT 22:18 2018 الأحد ,30 كانون الأول / ديسمبر

بايرن ميونخ يلتقي فورتونا دوسلدورف 13 كانون الثاني

GMT 04:59 2018 الثلاثاء ,19 حزيران / يونيو

هيونداي تطرح "نيكسو" تصدر الماء النقي في العادم

GMT 07:21 2018 الجمعة ,27 إبريل / نيسان

"الديكورات الكلاسيكية" تميز منزل تايلور سويفت

GMT 01:52 2018 الإثنين ,23 إبريل / نيسان

أحدث عطور بلغاري" Bulgari "لفصل الربيع

GMT 19:59 2018 الإثنين ,05 آذار/ مارس

شركه"بورش" تخطط لتصنيع سيارة أجرة طائرة

GMT 08:05 2018 الإثنين ,29 كانون الثاني / يناير

منزل نوال الزغبي بديكور يتمتع بالفخامة والرقي

GMT 22:14 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

شركة "هيونداي" تطرح أحدث سياراتها " الكروس أوفر "
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca