المذبوحة..!

الدار البيضاء اليوم  -

المذبوحة

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

حدثُ الأسبوع الماضى كان قيام الشاب التلميذ في جامعة المنصورة، محمد عادل عوض، بقتل الشابة التلميذة أيضًا، نيرة أشرف. ثلاثة أسباب جعلت من الحادث الأليم والبشع يغطى على كل أمور الدنيا من الحرب الأوكرانية إلى موجات التضخم العالمية، ويدفعه إلى ساحة النقاش في المجتمع، وامتلاك ناصية الأعمدة الصحفية: أولها فظاعة عملية القتل حينما طعن القاتل القتيلة، ثم سعى إلى ذبحها لولا تدخل جمع من المشاهدين. وثانيها أن الواقعة عكست حالة عاطفية من جانب واحد، وهى ليست حالة جديدة في المجتمعات، وفى العادة يتذكرها الناس في إطار فترة المراهقة التي تتميز بالاندفاع والتهور. وثالثها الطريقة التي عامل بها المجتمع الحدث، حيث تنوعت سبل الاقتراب من الموضوع، وتداخلت فيها علوم النفس والاجتماع والسياسة والاقتصاد، فضلًا عن إطلالة الدين والفنون. بات الأمر حلبة زادتها ضجيجًا أدوات التواصل الاجتماعى التي امتطاها متطوعون بالرأى، ومستغلون لحظة لاستخدام واقعة للإدانة واللعب على أوتار الخوف والوجل في وجدان العامة. اهتم الجمهور العام بمشهد مأساوى باندفاع لم تشهده وقائع أخرى قريبة من موقع الجريمة، حيث توجد مدينة المنصورة المتوهجة هذه الأيام بالتقدم العمرانى مع إضافة المنصورة الجديدة، والتقدم العلمى الجبار الذي يجرى داخل سور الجامعة؛ ولا بالتالى التساؤل حول الحالة الفريدة للمتغيرات التي تشهدها محافظة الدقهلية، والتى تجعلها بين المحافظات المتقدمة في التنمية البشرية. العادة البشرية هي اختزال الحياة إلى مشاهد محدودة، وعندما يرتبط فيها الحب والعاطفة بالجريمة والدماء فإن الأمر يصبح مثل خشبة المسرح التي تُختصر إلى مشهد، أو مثل شاشة السينما التي تفاجئ المتفرج بأن الشر يتجسد في لحظة.الأستاذ طارق الشناوى قال عن حق: «دماء (نيرة) في أعناقنا جميعًا. مَن يلوذ بالصمت كأنه يغرس السكين في رقبتها مجددًا». صديقى د. أسامة الغزالى حرب دعا إلى تدخل المتخصصين في علوم النفس والاجتماع للبحث في الحالة لعلهم يمنعون جرائم في دور الصنع. آخرون ذهبوا كما يحدث دائمًا إلى الدين وتطبيقاته في الحياة العامة ليس في مجال المودة والسكينة، وإنما في أبواب الشهوة. وموقع إلكترونى خبرى عقد استفتاء عن أسباب الجريمة، وعلى رأسها وضع «غياب الوازع الدينى»، وأضاف إليه «تعاطى المخدرات» و«تأثير بعض الأفلام والمسلسلات»، وحاز السبب الأول ٥٦٪ من المصوتين، والثانى ١٦٪، والثالث ١٨٪؛ وحازت «الأسباب الأخرى» ١٠٪. لم يكن في دائرة اختيارات الأسباب «التشدد الدينى» أو «الأسرة» أو «التعليم» أو «المجتمع» أو غياب الحريات الاجتماعية، حيث أحيانًا تقود هذه الأسباب جماعة أو منفردة إلى انغلاق الفكر، وضيق الرشد، وتصوُّر شاب أن الفتاة حين ترفض الزواج منه يكون جزاؤها الذبح. حلّت إلى الصورة فورًا أولى الجرائم في تاريخ الجنس البشرى حينما قتل «قابيل» الزارع «هابيل» الراعى، وسط مجتمع من أربعة يُضاف إليهما الأب آدم والأم حواء. لم تكن هناك أفلام ولا مسلسلات ولا أدوات للتواصل الاجتماعى؛ كانت الحياة بسيطة تقوم على جمع الثمار ما عدا التفاح، وبعض الرعى؛ لم تكن هناك سجلات لهذه المرحلة سوى ما ورد إلينا في الكتب المقدسة. لم تكن الحياة معقدة في الملبس والمأكل، ولم يكن هناك إلا ورق شجر التين لستر العورات.

الحقائق «المذبوحة» في هذه الآراء جميعها هي أن سكان المحروسة تجاوزوا مائة مليون؛ وطبقًا لمعلومات فإن هناك إضافة لما يتراوح ما بين ١٠ و١٥ مليون مهاجر ولاجئ جاءوا جميعًا من دول قريبة. وفى مثل هذا الحشد المليونى فإن جريمة من هذا النوع لا يمكن القبول بها أو تبريرها، ولكنها في التكرارية الإحصائية ممكنة الحدوث؛ ومع ذلك فإنه لا يمكن إعفاء المجتمع من البحث والتقصى والمقارنة مع المجتمعات الأخرى التي تتعدد هوياتها ودياناتها. وفقًا لمبادئ البحث العلمى فإن كل ما لدينا فرضيات تحتاج الاختبار على ضوء المعلومات والأرقام، وبهذه الطريقة وحدها يمكننا استبعاد آراء وأفكار وشطحات تنتشر وتتولد منها تفريعات ما أنزل الله بها من سلطان ولا تدخل في إطار المعرفة أو العلم ولكنها في كل الأحوال تبحث عن السياسة. ما يُذبح في الوقائع المختلفة هو «الحقيقة»، التي تظل هائمة تنتظر حدثًا جديدًا تضيفه إلى قائمة الأحداث القديمة، ولكنها تصب نارًا في دائرة الانقسام الاجتماعى حول الدين والفنون والحجاب والنقاب وعلاقة الذكر بالأنثى. وبصراحة ماذا تفعل أقسام الاجتماع وعلم النفس في جامعاتنا؟، نحن نعرف جيدًا مَن الذي قتل «نيرة» لأنه اعترف واستسلم، ولكننا لا نعرف حقًّا وعن يقين لماذا فعل ذلك؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المذبوحة المذبوحة



GMT 20:42 2025 الخميس ,07 آب / أغسطس

شاعر الأندلس لم يكن حزيناً

GMT 20:40 2025 الخميس ,07 آب / أغسطس

كي لا تسقط جريمة المرفأ بالتحايل

GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

جورجينا تثير اهتمام الجمهور بعد موافقتها على الزواج وتخطف الأنظار بأجمل إطلالاتها

الرياض - الدار البيضاء اليوم

GMT 00:01 2018 الأربعاء ,16 أيار / مايو

دجاج على الطريقة الصينية "دجاج كانتون"

GMT 22:00 2017 الأربعاء ,19 تموز / يوليو

الارشيف الوطني ومشجب أسرار الدفاع الوطني

GMT 03:34 2017 الثلاثاء ,10 كانون الثاني / يناير

طرح منزل الكشافة بادن باول للبيع مقابل 3.5 مليون استرليني

GMT 16:43 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

متشرد يوقف "طرامواي’" الدارالبيضاء في الحي المحمدي المغربي

GMT 11:24 2018 الجمعة ,14 كانون الأول / ديسمبر

وفاة الفنان حسن كامي والفنانون ينعوه برسائل مؤثرة

GMT 06:35 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

سعر نفط عُمان يرتفع الى 71.14 دولار الخميس

GMT 12:44 2018 الأحد ,14 تشرين الأول / أكتوبر

هوجو جاستون يحرز ذهبية التنس في أولمبياد الشباب

GMT 07:00 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

ألوان ظلال الجفون "الصارخة" تسيطر على موضة الخريف

GMT 22:22 2018 السبت ,14 تموز / يوليو

اكتشفي طرق سهلة و مريحة لتنظيف أواني الطهي

GMT 07:08 2018 الجمعة ,06 تموز / يوليو

تعرف على سبب تسمية الجامع الأزهر

GMT 04:42 2018 الخميس ,14 حزيران / يونيو

حجز أدوية مهربة وغير مرخصة في بني ملال

GMT 17:41 2018 الأحد ,27 أيار / مايو

نجوم الكرة يتعاطفون مع النجم صلاح

GMT 08:51 2018 السبت ,19 أيار / مايو

6 حلول فعالة لعلاج قشرة الشعر الموسمية
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
RUE MOHAMED SMIHA,
ETG 6 APPT 602,
ANG DE TOURS,
CASABLANCA,
MOROCCO.
casablanca, Casablanca, Casablanca