زمن مكتبة الإسكندرية

الدار البيضاء اليوم  -

زمن مكتبة الإسكندرية

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

كانت مكتبة الإسكندرية محظوظة: مرة عندما تولى أمر قيادتها عند التأسيس الأستاذ الدكتور إسماعيل سراج الدين، ومرة عندما خلفه الأستاذ الدكتور السفير مصطفى الفقى. وهى الآن محظوظة للمرة الثالثة عندما يتولى أمرها الأستاذ الدكتور أحمد زايد، عضو مجلس الشيوخ، الذي سعدت بمجاورته في المجلس وفى أعمال فكرية خلال المرحلة الحالية من الحياة. ومنذ الإعلان عن خبر توليه أمر المكتبة، نُشر الكثير عن خصاله الحميدة وإنجازاته العلمية ودوره في الحياة الفكرية للبلاد، وكلها تضعه في قلب حركة التنوير والتجديد في مصر المعاصرة. الآن فإنه سوف يواجه مهمة جديدة هو أهل لها تخص مشروعًا جاء من خارج الصندوق المصرى المتواتر والتقليدى إلى الساعة الرحبة للتاريخ والمستقبل. ويُحسب للرئيس الراحل حسنى مبارك أنه أخذ بالفكرة إلى ساحة التنفيذ خارج الصندوق الشائع عن تاريخ مصر، الذي بات إما مجالًا للسياحة أو أمرًا يخص المتخصصين. ومع ذلك جرى التفكير في «المكتبة» التي لم تكن معبدًا، ولا مزرعة، أو مدفنًا، كانت مكانًا للتفكير والفكر والثقافة في مدينة مصرية كانت ساعة الإنشاء الأول قبل أكثر من ألف عام من أهم العواصم العالمية، وربما لا ينافسها وقتها إلا روما حاضرة الإمبراطورية. أصبح مشروع المكتبة قرينًا لفكرة البعث والإحياء لكى تكون حاضرة مع مطلع القرن الواحد والعشرين. اليوم أصبحت الفكرة ذائعة، وفى العاصمة الجديدة فإنها أولى العواصم في التاريخ المصرى الطويل الذي تبدأ وبها حى كامل لفنون الأوبرا والموسيقى، والفنون التشكيلية بأشكالها والآداب بأنواعها، وتُبنى فيها منذ يومها الأول تحف معمارية، ومعها المسجد الرائع والكاتدرائية الأخّاذة. في التاريخ المصرى القديم لم يكن المصرى يبنى البهاء للحاضر، وإنما للمستقبل حتى يكون احتفال المصريين في القرن الواحد والعشرين بموكب المومياوات والآخر للكِباش، وبعد ذلك سوف يكون الافتتاح العظيم للمتحف المصرى الكبير، وفى زمنه يحتفل بموقع «التجلى الأعظم».

مهمة صديقى الجديد هي البناء على ما أقامه القامتان السابقتان من بعث وإحياء وتنوير. الأول أنشأ وأقام الأساس، وأعاد إلى المكتبة سمعتها التاريخية ونشر وجودها الحالى في الساحة العالمية، ومن بين منجزاته الكبرى كان مشروع «الإصلاح العربى»، الذي أشهر الفكر الإصلاحى في وقت كانت فيه الدول العربية تبحث عن التغيير. والثانى شمّر عن ساعده في المحاربة الفكرية للإرهاب، وأخذ بثقافة المكتبة في الإسكندرية إلى قلب القاهرة الفاطمية والمملوكية. الثالث سوف يكون عليه ما هو أكثر من مواصلة المسيرة لأن التاريخ يتغير دائمًا والزمن لا يبقى على حاله. استقراء الزمن المصرى يقول إننا على مشارف عصر جديد يساويه نهاية التوتر الفكرى ما بين البحرين الأحمر والأبيض المتوسط، الأول عاش دائمًا أصولنا؛ والثانى حمل معه تقدمنا. التفكير هو في الأساس عمل المكتبة والمكتبات الكبرى في العالم، وأساسه العلم والابتكار والإبداع وحل المعضلات الأبدية بين التسليم والاختيار. وإذا كان كثيرون في المنطقة العربية يعيشون حالة التجديد فإن مكتبة الإسكندرية لا ينبغى لها البقاء في ساحتها المصرية.

التوسع المصرى من النهر إلى البحر في الزراعة والصناعة والخدمات يفتح المجال الفسيح في البحر المتوسط لبعث وإحياء مدرسة كاملة في الفكر المصرى ارتبطت بالتقدم والرفعة، التي يأتى بها العلم والمشاركة الإنسانية مع أمم وشعوب العالم. تاريخيًّا وفى موعد إشراق الدولة المصرية في مطلع القرن العشرين كانت هناك مدرسة فكرية جاءت مع «عودة الروح» إلى لحظات التفاعل عبر «المتوسط» مع الحضارات الهيلينية والرومانية ومؤخرًا الغربية. أعلامها معلومون لنا مع طه حسين وحسين فوزى وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ وسلامة موسى وغيرهم كثر. عاش أكثرهم للنضال من أجل أن تكون مصر جزءًا من عصرها، وبعض عالمها، وحاملة إلى هذا وذاك عصارة تاريخية من الإنجاز الحضارى تضارع كل الإنجازات الحضارية الأخرى.

عزيزى د. أحمد زايد: هذا هو عصر البعث والإحياء، والتقدم والرقى والحداثة، وفى يوم من أيام الزمن كانت المكتبة كتبًا ومخطوطات أكثر من عدد سكان الإسكندرية؛ وكان مقررًا على البحّارة والقباطنة الذين يجوبون بحار العالم ومحيطاتها أن يحملوا إلى المكتبة اهتداء بفنار المدينة الأعظم قبسًا مكتوبًا من شعوب وقبائل وأمم بعيدة. أيامها لم يكن فيها انغلاق ولا احتباس ولا اختفاء تحت عباءة، ولا كان كلام الأولين منتصرًا على حديث الحاضر والمستقبل. لم تكن التكنولوجيا كما هي الآن، ومع ذلك حج الزائرون والدارسون والعلماء إلى رحاب المكتبة ينهلون من علمها، ويقدمون الأطروحات والأفكار لها ولمَن حولها. الآمال والأحلام كثيرة، ولكنها مصر يا صديقى التي تستحق كل عظيم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زمن مكتبة الإسكندرية زمن مكتبة الإسكندرية



GMT 20:42 2025 الخميس ,07 آب / أغسطس

شاعر الأندلس لم يكن حزيناً

GMT 20:40 2025 الخميس ,07 آب / أغسطس

كي لا تسقط جريمة المرفأ بالتحايل

GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

جورجينا تثير اهتمام الجمهور بعد موافقتها على الزواج وتخطف الأنظار بأجمل إطلالاتها

الرياض - الدار البيضاء اليوم

GMT 08:07 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الميزان الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 07:30 2018 الإثنين ,10 أيلول / سبتمبر

تسيبراس يعد المواطنين بخفض معدلات البطالة

GMT 22:59 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

شركة تويوتا تكشف عن سيارتها "كورولا 2020" الجديدة كليًا

GMT 12:45 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

تنظيم حملة للتبرع بالدم في مدينة وجدة

GMT 18:56 2015 الإثنين ,22 حزيران / يونيو

عامر يتأهل لنصف نهائي البطولة الأفريقيَّة للسلاح

GMT 11:21 2017 الجمعة ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدي لاستقبال فصل الشتاء بخطوات بسيطة في المنزل

GMT 21:57 2016 الخميس ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

النجمة الهندية دراتشي دهامي تنشر صور زواجها على "إنستغرام"

GMT 23:37 2019 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

توقيف شخصين رفقة شابتين في أوضاع مخلة في أغادير

GMT 03:45 2019 الأربعاء ,20 آذار/ مارس

ماديسون بير تتألق باللون الأبيض في لوس أنغلوس

GMT 04:55 2019 الأربعاء ,16 كانون الثاني / يناير

طرح منزل بسيط في ملبورن للبيع مقابل 2 مليون دولار

GMT 17:30 2018 الأربعاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

إدارة سجن وجدة تنفي دخول معتقلي "جرادة" في إضراب
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
RUE MOHAMED SMIHA,
ETG 6 APPT 602,
ANG DE TOURS,
CASABLANCA,
MOROCCO.
casablanca, Casablanca, Casablanca