الخروج من الأزمات دائمًا ممكن!

الدار البيضاء اليوم  -

الخروج من الأزمات دائمًا ممكن

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

كان المشهد الذى شاهده المصريون خلال العام الذى حكمت فيه جماعة الإخوان المسلمين هو حالة من الأزمات المصرية، كان أكثرها قسوة الانقطاع المستمر للكهرباء، والاختفاء الدائم لأنابيب الغاز.

بغض النظر عن الجانب السياسى للموضوع، وما حفل به من إرهاب وعنف بعد ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، فإنه سرعان ما تخلصت مصر من الأزمتين، خاصة بعد تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى قيادة البلاد. كان التعاون الإقليمى بين مصر والأشقاء العرب، الذين شمّروا عن سواعدهم لمساعدة المحروسة فى لحظة ضيق حتى تخلصت من أزمة غياب الغاز.

أزمة الكهرباء كانت أكثر تعقيدًا وتركيبًا، فلم تكن سلعة يمكن استيرادها من الخارج. وفى بلد كان عدد سكانه آنذاك أكثر من ٨٠ مليون نسمة، ينتشرون على مساحة مليون كيلومتر مربع، فإن حل إقامة محطات ضخمة لإنتاج الكهرباء، فضلًا عن التكلفة الكبيرة، كان سوف يستغرق وقتًا اشتدت فيه الحرارة الطبيعية وشُلت فيه أجهزة كهربائية باتت جزءًا مهمًّا من البيت المصرى. جاء سؤال التعامل مع الأزمة: هل هناك تطور تكنولوجى يسرع من الحل؟.

جاءت الإجابة من الخبراء والعارفين فى الداخل والخارج هى نعم قاطعة، وهى أن شركة «جنرال موتورز» أنتجت محطات متحركة لإنتاج الكهرباء خصصتها لمساندة الجيش الأمريكى فى أفغانستان، ومن الممكن نقلها إلى القاهرة مادامت الولايات المتحدة قد نوَت الانسحاب من بلاد لا تهتم فيها طالبان بالضياء. جاءت المحطات، وبدأت الكهرباء تعود إلى المنازل والمصانع، وبات هناك وقت يكفى لكى تأتى شركة «سيمنز» الألمانية لتتحالف مع شركة «أوراسكوم» المصرية لكى تحدث فيها أكبر عملية بناء لمحطات الطاقة الكهربائية فى التاريخ المصرى. انفرجت الأزمة وانفكّت لأنه كانت هناك قدرة وإرادة لمواجهة الأزمة، وخلق تأثير مباشر عن الفارق ما بين قبل ٣٠ يونيو وما سوف يأتى بعدها. وفى أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية صرح المرشح للرئاسة، عبدالفتاح السيسى، فى سابقة غير مسبوقة لرؤساء مصر، بأنه لن يترك المصريين ينامون الليل لأنهم سوف يعملون ليل نهار.

كان عصر الثورات قد ولّد أزمة كبيرة فى الثقة بالنفس لدى المصريين، وانْكَبَّ المصريون على أنفسهم واضعين سقفًا متواضعًا للتنمية يقوم على إدارة الفقر وتوزيعه بالتساوى بين المصريين. مع رئيس جديد كان حل الأزمة بما لم يرد من قبل فى السياق المصرى بضرورة رفع سقف التنمية لكى يقوم على أكتاف من الثروة المولدة من موارد مصرية. كانت قناة السويس فى طريقها إلى أزمة قوامها زيادة القدرات التنافسية لبدائل جديدة، واحد منها فى إسرائيل يقوم على خط سكك حديدية بين إيلات- الميناء الإسرائيلى على خليج العقبة- وأشدود، الميناء على البحر الأبيض. أصبح ممكنًا أن تأتى السلع والبضائع من الشرق الأقصى إلى إيلات لكى تنقلها خطوط السكك الحديدية إلى أشدود ومنها إلى أوروبا. روسيا فى شمال الكرة الأرضية ولديها موطئ قدم على القطب الشمالى وامتداداته الثلجية تجاه بحر البلطيق. كان الاحتباس الحرارى قد أذاب الثلج وبات ممكنًا تصور طريق مائى ينقل السلع الآسيوية عبر الممر البحرى الشمالى إلى أوروبا شمالًا أولًا ثم ثانيًا جنوبًا إلى بقية أوروبا. ومع كل عام كان الطريق يتسع، وبدأ بالفعل يستوعب فى أوقات الصيف سفنًا تجارية تصل الشرق بالغرب من خلال الممر الثلجى سابقًا الشمالى. كان فى العقول المصرية إدراك لخطر ضعف القدرة التنافسية للممر المصرى المهم للمكانة الاستراتيجية لمصر فى المنطقة والعالم. وكما هى العادة، فقد كانت فى الأدراج المصرية أفكار ومشروعات لزيادة قدرات القناة من خلال توسيع الممر المائى ومن خلال خلق قناة جديدة موازية تعطى للقناة قدرة على استيعاب سفن أكثر وأكبر. كان الخبراء لديهم الأفكار، وكانت القيادة لديها الإرادة فى اتخاذ القرار المهم لكى يكون التمويل مصريًّا من خلال دعوة الشعب المصرى إلى الاكتتاب، وخلال أسبوع واحد تجمع ٦٤ مليار جنيه مصرى، كانت ٢٠ مليارًا منها كافية لحفر القناة خلال ثلث المدة المقررة بثلاث سنوات. وفى عام واحد زادت تنافسية القناة، وأصبح منافسوها فى أزمة، وما تبقى من التكلفة جرى به تطوير محور قناة السويس، وبات ممكنًا أن تصل إيرادات القناة إلى ما هو أكثر من ستة مليارات من الدولارات.

كانت تجربة قناة السويس الجديدة مثالًا ملهمًا لحل العديد من أزمات التنمية التى كانت تعانى من وهن السباق مع الزيادة السكانية، والسباق مع الزمن الذى كانت تبدأ فيه المشروعات، ولكنها لا تنتهى- إذا انتهت- إلا بعد أزمان طويلة. جاء إنجاز القناة الجديدة من محصلة «التكنولوجيا» والعمل لثلاث نوبات عمل فى اليوم الواحد؛ وهكذا باتت تلك الوصفة السحرية لإنجاز المشروعات العملاقة التى وضعت مصر كلها على أبواب جمهورية جديدة. كان هذا الإنجاز هو الذى أعطى مصر الفرصة للانتصار على أزمات الإرهاب من خلال التنمية الشاملة فى سيناء والوادى. وكذلك كان هو الحال مع أزمة «جائحة الكورونا»، التى قصمت ظهور دول، فكان تشكيل لجان المتخصصين فى مجلس الوزراء والمحافظات المختلفة، حيث التقى العلم مع الموارد والقدرة على صنع القرار، وكل ذلك مع إدارة حازمة وحاسمة. والآن فإن مصر تواجه أزمة أخرى جاءت من حصيلة تأجيل التعامل مع الجنيه المصرى وفق قيمته السوقية، ونشوب الأزمة الأوكرانية التى خلقت أزمة اقتصادية عالمية يطول شرحها. هذه الأزمة أيضًا لها حل فى الواقع المصرى الذى نمَت فيه أصول كثيرة تمتلكها الدولة، بينما القطاع الخاص تتراجع مشاركته فى إنتاج الثروة والناتج المحلى الإجمالى. وكانت الدولة تدرك أن الأوان حان لكى يتقدم رجال الأعمال والمستثمرون فى الداخل والخارج ليُعظموا من عوائد الأصول من ناحية، ويزيدوا من موارد العملة الأجنبية من ناحية أخرى من خلال زيادة الصادرات إلى الخارج، والإحلال محل الواردات من الداخل.

ولكن حل الأزمة هذه المرة ليس بالبساطة التى توحى بها المعادلات المذكورة، ولكن الحل يظل ممكنًا إذا ما أخذنا بالخبرة المصرية فى مواجهة الأزمات، فرغم أن القرار المصرى بإصدار وثيقة ملكية الدولة يشير إلى تشجيع القطاع الخاص والمبادرة الفردية فى العموم، فإن سرعات التنفيذ لا تزال غير مناسبة لجلل وإلحاح الأزمة. ورغم تراكم الخبرة حول استخدام التكنوقراط للتعامل مع الواقع الجديد، فإن الحضور زائد لمَن عاصروا حدوث الأزمة من الأصل، وحماسهم متواضع إزاء «التخارج» بين القطاعين العام والخاص سواء كان كاملًا أو جزئيًّا. والأمر فقط ليس فيه تجربتنا فقط، وإنما تجارب المنطقة من حولنا، وفى المملكة العربية السعودية يجرى الإعداد لاستقبال ١٠٠ مليون سائح، وفى نفس الوقت طرح درة المعمار السعودى، مدينة نيوم، وكل المشروعات العظمى فى البورصة. تفاصيل ذلك ربما تحتاج إلى حوار آخر غير الحوار الوطنى لأن الأمر من الأهمية ما يحتاج «تكنوقراط» يعرفون ما هو أكثر من كاتب.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الخروج من الأزمات دائمًا ممكن الخروج من الأزمات دائمًا ممكن



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 23:52 2014 الأربعاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الفستق يعزز جهاز المناعة لإحتوائه على مضادات أكسدة

GMT 21:40 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

14 متسابقة على قدر من التعليم والثقافة مرشحات لملكة جمال العرب

GMT 16:48 2019 الأربعاء ,30 كانون الثاني / يناير

ثاني حالة وفاة بأنفلوانزا الخنازير في مدينة الدار البيضاء

GMT 21:21 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

مغربي يعرض بيع كليته على الـ "فيسبوك"

GMT 08:20 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

قطاع السيارات يتصدر صادرات المغرب إلى الخارج

GMT 06:33 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

أجنحة الحفريات تبيّن أن الفراشات ظهرت قبل 200 مليون سنة

GMT 04:28 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

وفاء عامر تُعلن تفاصيل دورها في فيلم "قرمط بيتمرمط"

GMT 04:50 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

"سناب شات" يصدر ميزة جديدة للاحتفال بنهاية العام

GMT 03:09 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ارتفاع أسعار المواد الأساسية التي يستهلكها المغاربة

GMT 04:58 2017 السبت ,23 أيلول / سبتمبر

اكتشاف ضفادع منقرضة أكلت الديناصورات الصغيرة

GMT 17:37 2015 السبت ,17 تشرين الأول / أكتوبر

الفنانة اللبنانية أمل حجازي تنفي غصابتها بمرض السرطان

GMT 11:09 2017 الأربعاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

أبرز اتجاهات استخدام الألوان في ديكور المنزل الداخلي
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca