سد فجوة الوعى والمال

الدار البيضاء اليوم  -

سد فجوة الوعى والمال

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

الرئيس السيسى طريقته الخاصة التى يصل بها إلى الشعب المصرى نذيرا بالمأزق الذى يسير إليه المصريون نتيجة نقص الوعى والتقدير، أما البشرى فإنها تكون مجسدة فى الواقع وما فيه من مشروعات أخاذة. الرئيس ينقل لنا الحقيقة فى شكل حوارات أجراها مع قيادات دولة أجنبية، لكنه يأخذ ذلك خطوة إلى الأمام فى وضع الفارق فى شكل أرقام، كان آخرها أن تصل مصر إلى مكانة الدولة المتقدمة عند وصول ناتجها المحلى الإجمالى إلى خمسة تريليونات من الدولارات بدلا من واقعها الحالى ٤٠٠ مليار دولار. ما يتصوره قائد البلاد أن تكون مصر يابان أخرى، وهى التى يبلغ ناتجها المحلى الإجمالى خمسة ونصف تريليونات دولار، وعدد سكانها ليس بعيدا عن عدد سكان مصر فهى ١٢٥ مليون نسمة، يعيشون على مساحة أكثر قليلا من ثلث المساحة المصرية. حققت اليابان ذلك خلال أكثر من ٧٥ عاما بعد ضربها بالقنابل الذرية، من خلال استفادتها من الحرب الكورية ثم الفيتنامية، ووجود طاقات صناعية وعلمية جبارة تراكمت لديها منذ بدايات القرن العشرين عندما باتت الدولة الشرقية الأولى التى تهزم دولة كانت فى ذلك الوقت مملكة غربية، أى روسيا فى عام ١٩٠٥. وتعليقنا الأول على ذلك هو أن ما يقول به الرئيس ممكن تحقيقه، بل إنه وضع الأسس الأولى لهذا الإنجاز عندما اعتمد تحقيق التراكم بالسرعة الواجبة خلال السنوات القليلة الماضية، ومن خلال بنية أساسية متقدمة. وما يهم فى هذه المرحلة أن نسعى إلى التريليون الأولى قبل نهاية العقد وبعدها، فإن الأربعة التريليونات التالية سوف تأتى تباعا لأن مصر تكون قد اخترقت حجب وكوابح الانطلاق، وما بعدها تفاصيل. وبينما نثمن كلمات الرئيس كثيرا، ونراها معبرة عن شجاعة فى مخاطبة الرأى العام والوعى المصرى لم تحققها قيادة مصرية سابقة، فإن فيما يلى بعض من الأفكار التى قد تعين على عبور فجوة الوعى والتريليون دولار الأولى:
أولى الأفكار أن الشعب المصرى ليس كتلة وعى واحدة، فهو يحتوى على شرائح اجتماعية لا تنجب أكثر من طفلين، وهى حريصة على تعليم أولادها أكثر العلم رقيا، وهى لا تغش، ولا تقيم العشوائيات، وهى التى تحافظ على القيم المصرية الأصيلة فى الوطنية والأخلاق. هذه الشرائح يقدر عددها بخمسة ملايين نسمة اكتسبت قدرات جديدة فى العمل والتكنولوجيا بالعمل فى المشروعات العملاقة، حيث كانت تشارك بلا ملل ولا شكوى فى حفر الأنفاق والترع والبحيرات، وبناء الجسور والطرق فى كل بقاع مصر مع مدن جديدة من الجيل الرابع. هؤلاء على الأغلب ينتمون إلى الطبقة الوسطى المصرية، ويحصلون على مرتبات معقولة، أعطتهم القدرة على العمل الشاق، وإعطاء أسرهم القدرة على العيش الكريم. ما يعطى هؤلاء فضل الاستدامة هو أن يستمروا على هذا الطريق، وأن ترتفع مستويات معيشتهم كلما زادوا علما، وأضافوا إلى الناتج المحلى الإجمالى وحافظوا على بناء الأسرة المصرية، وكل ذلك سوف يأتى من استمرار العمل فى المشروعات القومية التى تحتاجها مصر لاستغلال ثرواتها الطائلة فى البر والبحر. أولاد أسر هؤلاء ينبغى أن يحصلوا على فرص التعليم الراقى فى الجامعات الراقية، وبدلا من «التعليم العام المجانى» فإن تكلفته تتوجه إلى منح وقروض ومساعدات لمن يريد من الأسر العاملة.

وثانية هذه الأفكار أن محافظات مصر ليست متساوية فى قدراتها، فناتجها المحلى الإجمالى متفاوت، وتعد محافظات قناة السويس الثلاث، مضافا لها الدقهلية ودمياط الأقل فقرا، والأكثر تعليما، والمرجح أنها الأقل غشا فى الامتحانات وبناء للعشوائيات. وباختصار فإننا نحتاج خريطة تسمح لنا بتقدير مدخلات الناتج المحلى من كل محافظة، بحيث نعطى كلا منها ما يكافئ ما تقدمه من نصيب، وبالنسبة للقاهرة والإسكندرية والحواضر الكبرى فإنه بعد ما جرى لبنياتها الأساسية من تطور، فقد جاء أوان حصاد العائد فى أشكال استثمارية جديدة. ولن يكون ذلك ممكنا من خلال «رأسمالية الدولة»، وإنما من خلال تمهيد الطريق لرأسمالية جديدة تمتلك وتدير مزارع السمك، والصوب الزراعية، ومحطات الخدمات على طول وعرض الطرق المصرية، وداخل المدن وخارجها، وداخل جزر النيل والبحر الأحمر، أو على شطآنها. إن الفارق بين روسيا والصين الآن هو أن الأولى اعتمدت دائما رأسمالية الدولة، بينما الثانية اعتمدت رأسمالية السوق حتى بالنسبة للقطاع العام الذى دخل السوق وينافس أو يفلس، ولذا فإن نقطة الضعف الأساسية لدى الأولى فى عالم اليوم هى قدراتها الاقتصادية، أما الثانية فإنها تدخل مكانة الدولة العظمى دون إطلاق طلقة واحدة.

وثالثة الأفكار أن كثيرا من عيوبنا الأخلاقية راجعة إلى الفقر من ناحية، والازدحام من ناحية أخرى، وقلة التقدير وغياب الرشد الاجتماعى من ناحية ثالثة. والآن، والآن فقط، فإنه يمكننا التقدير بإمكانية الانطلاق من النهر إلى البحر. وكلما ذهبت الكثافة السكانية من الجمالية والمرج والعشوائيات المزدحمة التى يتوالد فيها الفقر ويكون الغش فيها فضيلة، فإن ترقية المحتوى السكانى للدولة سوف يكون أفضل حالا، وسوف تجد الدولة عباقرة بينهم. الانتشار السكانى للمعمور المصرى أمامه الآن فرصة كبيرة ولو جعلنا من المدن الجديدة المنفتحة على البحر والصحراء مدنا مليونية فإنها سوف تكون أكثر إنتاجية، وأصح سكانا، ولديها من الوعى والإدراك ما يزيد. الفارق بين الهند والصين- وكلاهما زادت فيها الطبقة الوسطى بمئات الملايين- أن الأولى اعتمدت على الولايات المتقدمة والأكثر علما فى أن تكون جاذبة للمتقدمين فى الهند كلها، أما الثانية فإنها جعلت من التقدم فى منطقة الجنوب الشرقى (شنغهاى وهونج كونج) معامل انتشار تدريجى إلى الداخل. كان الصينى فى الداخل لا يستطيع الدخول إلى المناطق المتقدمة إلا بتأشيرة، وكانت كل مدينة أو قرية أو حى فى المناطق المتقدمة فى حالة توأمة مع مثيلاتها فى الحجم فى داخل الصين. لهذا قبلت الصين العظمى أن تتعايش مع نظامين لأن «هونج كونج» باتت مثالا لا يمكن الاستغناء عنه.

ورابعة الأفكار، وليس آخرها، أن التعليم والعلم والمعرفة والإعلام، وكلها أمور متكاملة، هى المفتاح الذى كان عليه خلال المرحلة الماضية أن يأخذ بيد التجديد وليس التقليد، والثروة وليس الفقر، والانتشار وليس الازدحام. وكان عليه أن يتحدث عن الغش ويبحث عن المسؤولين عنه، وكيف جرى التواطؤ الاجتماعى على تحقيقه. إن العالم يمر بثورة كبيرة فى كل ذلك، وبعض منها وصل إلينا، لكن البيروقراطية المصرية، ومعها كثرة فى مؤسساتنا العامة، تتحدث كثيرا عن الحداثة والتحديث، لكنها ساعة التطبيق تسعى بشدة لكى تبقى كل الأمور على ما هى عليه، والمتغير الوحيد هو زيادة الإنفاق العام. ولا يوجد علاج لأى من ذلك إلا بالمنافسة الأمينة بين الأفراد والكيانات المؤسسية والشركات والجمعيات الأهلية. والحديث متصل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سد فجوة الوعى والمال سد فجوة الوعى والمال



GMT 05:57 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

ما حاجتنا إلى مثل هذا القانون!

GMT 05:52 2023 الإثنين ,07 آب / أغسطس

الوحش الذي ربّته إسرائيل ينقلب عليها

GMT 13:01 2023 الإثنين ,22 أيار / مايو

منطق ويستفاليا

GMT 09:32 2023 السبت ,21 كانون الثاني / يناير

"المثقف والسلطة" أو "مثقف السلطة" !!

GMT 04:57 2022 السبت ,31 كانون الأول / ديسمبر

‎"فتح الفكرة التي تحوّلت ثورة وخلقت كينونة متجدّدة"

GMT 00:53 2018 الثلاثاء ,06 شباط / فبراير

يومين راحة لدوليي الوداد بعد "الشان

GMT 04:12 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

رايس يدافع عن الإصلاحات التي تتجه تونس لتنفيذها

GMT 00:02 2018 الخميس ,11 كانون الثاني / يناير

"كرسي معهد العالم العربي" يكرم المفكر عبد الله العروي

GMT 07:36 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

بسيمة الحقاوي تملّص الحكومة المغربية من فاجعة الصوية

GMT 13:23 2015 الأحد ,25 تشرين الأول / أكتوبر

خل التفاح والكريز علاجات طبيعية لمرض النقرس

GMT 05:00 2015 الأحد ,27 كانون الأول / ديسمبر

فوائد الشمر والزنجبيل والبقدونس أعشاب للمرارة

GMT 02:45 2017 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

الممثل هشام الإبراهيمي يخوض تجربة الإخراج

GMT 20:41 2015 السبت ,19 كانون الأول / ديسمبر

جامعة مراكش الخاصة تشتري كلية الطب في السنغال

GMT 13:26 2015 الجمعة ,17 إبريل / نيسان

فوائد صحية لاستهلاك البطيخ الأصفر

GMT 16:02 2017 الجمعة ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

زيادة مبيعات "تويوتا" في أميركا خلال تشرين الأول

GMT 19:38 2019 الخميس ,17 كانون الثاني / يناير

ملك المغرب يفتح ملفات شائكة مع ممثلة الاتحاد الأوروبي
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca