هذا العقل الذي توقف عن النمو!

الدار البيضاء اليوم  -

هذا العقل الذي توقف عن النمو

سليمان جودة
سليمان جودة

إذا جاء لاحقاً مَنْ يؤرخ لما تجري عليه الأمور في هذه المنطقة من العالم، فسوف يستوقفه العاشر من هذا الشهر، وسوف يتوقف أمامه على سبيل الرغبة في الاستيعاب، ثم على سبيل الدهشة من عجز جماعة الإخوان عن فهم ما يدور حولها!

وفي الغالب سوف يذكر مَنْ يأتي ليؤرخ أن جمال البنا، الشقيق الأصغر لمؤسس الجماعة حسن البنا، قد قال عنها ذات يوم إنها جماعة لا تتعلم ولا تنسى!

أطلق البنا الشقيق هذه العبارة في الجماعة الإخوانية، قبل سنوات لا تزيد على أصابع اليد الواحدة، ثم مضى مغادراً دنيانا. فكأنه أراد أن يختصر قرناً من الزمان أو ما يقترب من القرن من عمرها، في عبارة من بضع كلمات، لا تزيد بدورها على أصابع اليد الواحدة أيضاً!

فما علاقة عبارة البنا بموضوعنا؟! لقد صارت العبارة من بعده مثلاً يلجأ إليه كل الذين لا يستوعبون كيف ينمو جسد الجماعة على مدى هذه السنين نمواً ظاهراً، ثم لا يتوازى مع ذلك أي نمو في عقلها يتماشى مع النمو الجسدي ويجاريه!

علاقتها أن في العاشر من الشهر تلقت الجماعة ضربتين في الرأس في عاصمتين عربيتين، وقد كانت إحدى الضربتين علمية إذا جاز وصفها بذلك، وأما الأخرى فكانت سياسية تتشابه مع ضربات مماثلة لها تلقتها الجماعة من قبل في أكثر من عاصمة!

كانت الأولى في الرياض عندما صدر بيان عن هيئة كبار العلماء في السعودية، يصف جماعة البنا بأنها جماعة إرهابية، وكانت الأخرى في العاصمة الأردنية عمان حين جرت الانتخابات البرلمانية في ذات اليوم، فتراجع حظ ذراع الجماعة السياسية فيها إلى ما دون نصف حظها في البرلمان المنتهية أعماله. والحقيقة أنك لا تستطيع أن تقول إن هذه ضربة أولى، وأن تلك ضربة ثانية، فكلتاهما جرت في النهار نفسه، وكلتاهما أصابت رأس الجماعة بشكل مباشر... فكأنهما ضربة واحدة!

كانت الضربة الأولى على مستوى هيئة كبار العلماء ضربة علمية، لأنها هذه المرة ليست حكومية كما حدث مرات من قبل في الكثير من عواصمنا، ولكنها من هيئة علمية عليا، وبتوقيع رئيسها الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، ومعه توقيعات من أعضاء هيئته من دون استثناء!

وكانت الضربة الأخرى سياسية، لأن الناخب الأردني كان مدعواً إلى أن يقول رأيه في المرشحين الذين تقدموا إليه تحت مظلة إخوانية، ثم طلبوا صوته في صندوق الاقتراع، وتنافسوا في ذلك مع مرشحين آخرين غير إخوان. ولقد جاءت المؤشرات الأولية تقول إن الناخبين لم ينخدعوا بشعارات يرفعها المرشحون الإخوان، وإن الناخب الذي وجد نفسه مخيَّراً بينهم وبين غيرهم، قد راح يختار الذين هم سواهم من دون أن يكون مدفوعاً إلى ذلك بتوجيه حكومي. لقد كان مدفوعاً في اختياراته بما تراكم لديه على مدى سنوات في ميزان أداء نواب الجماعة ومرشحيها، ثم كان مدفوعاً بسلوك للجماعة عموماً يراقبه ويلاحظه، ولم يكن يريد أن يُلدغ من ذات الجُحر مرتين!

وإذا سمعنا الآن من يقول إنه لا جديد في أن توصف جماعة البنا بأنها جماعة إرهابية، فسوف يكون صاحب هذا الرأي على حق فيما يقول، لأنك إذا راجعت سجل السنوات التي انقضت، وبالذات منذ هبّت على المنطقة رياح ما لا يزال يسمى الربيع العربي، فسوف تجد أن عاماً لا يكاد يمضي إلا وتكون الجماعة قد حملت فيه هذه الصفة من جديد على يد حكومة عربية هنا، ثم على يد حكومة عربية هناك! وليس سراً أن الحكومة التي لم تصف الجماعة بذلك في منطقتنا، إنما تعتقد فيما بينها وبين نفسها في الصفة ذاتها رداءً مستحقاً لجماعة البنا، حتى ولو لم تخرج هذه الحكومة لتعلن ما تعتقده على الناس!

لا جديد تقريباً بالتالي في أن يشار إلى الجماعة الإخوانية على أنها جماعة إرهابية، ولكن الجديد هو في الجملة التالية مباشرة في بيان هيئة كبار العلماء، لأنها جملة جديدة من حيث ما تحمله من المعاني، ولأنها جملة تنتقل بالجماعة من مربع إلى مربع آخر لم يحدث أن ذهبت إليه من قبل!
الجملة الواردة في بيان الهيئة المنشور تدعونا إلى الحذر من الجماعة، ثم تدعونا كذلك إلى عدم الانتماء إليها، بل كذلك إلى عدم التعاطف معها، لأنها لم يحدث أن انشغلت بالعقيدة الإسلامية كقضية، ولا بشيء من علوم الكتاب والسنة. ولكن كان انشغالها كله بالوصول إلى الحكم باعتباره هدفاً لا هدف سواه أمام عينيها، وقد كان انشغالاً أدى إلى الكثير من الفتن والشرور!
وبقدر ما استوقفني البيان في مجمله، بقدر ما استوقفتني فيه عبارته هذه التي تدعو إلى عدم التعاطف مع جماعة الإخوان!

استوقفتني العبارة لأنها لمن يتأملها جيداً، إنما تجرد جماعة البنا من أهم ما عاشت تتنفس منه وتمشي به على طول عقود من الزمان!

ذلك أن وجود الجماعة في حياتنا العامة فيما قبل سنوات «الربيع» على وجه الخصوص، لم يكن يقوم على كاهلها كجماعة في حد ذاتها، ولا كان يستند إلى عدد الذين ارتضوا أن ينتموا إليها أو يحملوا عضويتها، سواء كانت عضوية علنية في مرة، أو كانت عضوية سرّية في مرات!

كان حضورها في الحياه العامة راجعاً بالأساس إلى تعاطف قطاع من الناس في المنطقة معها... أقول كان... وكان هذا التعاطف عائداً إلى قدرتها على تصدير مظلوميتها إلى قطاعات بين الرأي العام، وكان خطابها مع الذين يسمعون لها يظل يركز على ملاحقتها من جانب الحكومات، وعلى مطاردتها على أيدي أجهزة الأمن، وعلى محاصرتها في كل ركن تذهب إليه!
ولو صحت المطاردة والملاحقة والمحاصرة في حقها، فإنها جميعاً لم تكن نابعة من فراغ، ولم تكن بلا سبب، ولا كانت قادمة من لا شيء... وإنما كانت لأن الجماعة تركت كل شيء وراءها، ثم تفرغت للحكم هدفاً لا هدف أمام عينيها سواه. وما حدث أنها راحت تسعى إليه بتصميم، وبصرف النظر عن الوسيلة التي كانت تتخذها في سبيل الوصول إلى الكرسي!
وسواء كان التعاطف معها وقتها يقوم على أسباب حقيقية تدعو إليه، أو غير حقيقية لا وجود لها فإنه كان تعاطفاً موجوداً بالفعل، وكان هو الأرضية التي تتحرك عليها بين الجماهير، ثم كان أيضاً في جزء كبير منه هو الذي حملها إلى مقاعد الحكم في غمرة أجواء الربيع!

كان التعاطف على مستوى الناس لا الحكومات هو رصيدها لدى الجمهور، وكان هو الذي يمدها بأسباب الحياة، وكان هو الذي يعيدها إلى الساحة كلما غيّبها عنها اضطهاد أو ملاحقة أو محاصرة!

ولكن لأنها لا تتعلم ولا تنسى، ولأن عقلها لم يكن على قدر أعباء جسدها، ولأنها لا تعرف شيئاً اسمه رصيد التجربة، فإنها عندما جاءت إلى مقاعد الحكم في القاهرة أو في غيرها، راحت تبدد هذا الرصيد وتفقده فتحولت خصومتها من خصومة تاريخية مع الحكومات المتعاقبة، إلى خصومة مع جماهير الناس نفسها... حدث ذلك عندما اختبرها الجمهور مرة في الحكم فلم تنجح، ومرة ثانية عندما رآها تمارس العنف أو تحرّض عليه إذا لم تمارسه!

ولأن هذا حدث ولا يزال يحدث، فالبيان لم يكن في حاجة إلى التحذير من التعاطف معها، لأنها بددت وتبدد بيديها أي تعاطف شعبي كان معها ذات يوم!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هذا العقل الذي توقف عن النمو هذا العقل الذي توقف عن النمو



GMT 19:04 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

الكتابات القديمة في المملكة العربية السعودية

GMT 18:58 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

كيف غيّر «كوفيد» ثقافة العمل؟

GMT 18:52 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

ليس بينها وبين النار إلاّ (ذراع)

GMT 18:21 2022 الخميس ,14 إبريل / نيسان

لا تقودوا البوسطة مرّةً أخرى

GMT 15:10 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

رئيس الرجاء يحاول اقتناص لاعبين أحرار بدون تعاقد

GMT 05:33 2017 الخميس ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن موقع هبوط يوليوس قيصر لغزو بريطانيا

GMT 09:33 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

عهد التميمي

GMT 10:19 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الروسي يعلن وصول أول كتيبة من سورية إلى موسكو

GMT 11:50 2016 الثلاثاء ,20 أيلول / سبتمبر

مقتل 4 من عناصر "بي كا كا" في قصف تركي شمالي العراق

GMT 06:09 2017 الجمعة ,01 كانون الأول / ديسمبر

8 معلومات مهمة عن "جسر العمالقة" تزيد الفضول لزيارته

GMT 17:21 2016 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

مدرب الأرجنتين يعلن عن تشكيلته لمواجهة البرازيل

GMT 00:21 2016 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

صحيفة بريطانية تكشف أفضل 10 فنادق في مدينة روما

GMT 22:46 2017 الخميس ,28 أيلول / سبتمبر

حسن الفد يعيد شخصية كبور من خلال عرضه " سكيتش"

GMT 16:29 2017 الثلاثاء ,03 كانون الثاني / يناير

2016 عام حافل بالأنشطة والعروض في الدار العراقية للأزياء

GMT 04:38 2015 الثلاثاء ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

مرضٌ خطير يصيب الأبقار ويعزل عشرات القرى في سطات

GMT 21:21 2015 الأربعاء ,11 آذار/ مارس

وفاة الممثل المسرحي المغربي إدريس الفيلالي

GMT 00:11 2017 الجمعة ,13 تشرين الأول / أكتوبر

تحف فنية من الزخارف الإسلامية على ورق الموز في الأردن
 
casablancatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

casablancatoday casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday casablancatoday casablancatoday
casablancatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
casablanca, casablanca, casablanca